يقدّم تقرير لجنة الحق في الحصول على المعلومات حصيلة دقيقة لمسار تفعيل هذا الحق الدستوري في المغرب منذ مارس 2019، مستعرضًا التطورات التشريعية والمؤسساتية وجهود ملاءمة الممارسات الإدارية مع معايير الشفافية والحكامة الجيدة. ويؤكد التقرير أن النفاذ إلى المعلومات أصبح اليوم أحد المؤشرات الأساسية لقياس جودة الديمقراطية ومحاربة الفساد، انسجامًا مع الالتزامات الدولية للمغرب في هذا المجال، كما ورد في المرجعيات الأممية التي يعتبر فيها الحق في المعلومة امتدادًا لحرية التعبير وحرية الرأي .
وترصد اللجنة في تقريرها تطورًا ملحوظًا في حجم الشكايات وعدد الطلبات التي توصلت بها، مع تبيان أن نسبة مهمة من الشكايات لم تكن مستوفية للشروط القانونية، ما دفع اللجنة إلى اعتماد منهجية للتوجيه والتصحيح بهدف تمكين المواطنين من استعمال آليات القانون بالشكل الأمثل. كما عرض التقرير توزيعًا دقيقًا للشكايات حسب طبيعتها ومدى احترامها للشروط الشكلية والموضوعية، بما في ذلك الشكايات التي تدخل في اختصاص اللجنة وتلك التي أحيلت على وسيط المملكة أو لا تدخل ضمن نطاق القانون أصلًا .
ويبرز التقرير أيضًا تفاعل المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها مجلس النواب الذي أحدث لجنة خاصة بالحق في الحصول على المعلومات منذ يونيو 2019، واعتمد سياسة واضحة للنشر الاستباقي للوثائق والمعطيات المرتبطة بعمله التشريعي والرقابي بخمس لغات، ما جعل المؤسسة في طليعة الهيئات الملتزمة بالمعايير الجديدة للشفافية .
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
كما يقدّم التقرير حصيلة شاملة لتفاعل مختلف الوزارات والقطاعات الحكومية خلال الفترة الممتدة من 2019 إلى 2024، حيث تجاوبت عدة قطاعات مركزية، من بينها الخارجية، الداخلية، العدل، الصحة، الأوقاف، التعليم العالي، الانتقال الطاقي، التربية الوطنية وغيرها، مع مراسلات اللجنة، مقدّمة معطيات دورية ومحدّثة حول تدبير المعلومات والنشر الاستباقي ومعالجة الطلبات .
وفي الختام، يبيّن التقرير أن المغرب قطع خطوات مهمة في مسار تكريس الحق في الحصول على المعلومات، غير أن الطريق ما يزال يتطلب مزيدًا من التأهيل الإداري، وتبسيط المساطر، وتحسين الوعي المجتمعي بقيمة هذا الحق باعتباره رافعة لتعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسة، وجسرًا نحو إدارة أكثر انفتاحًا ومساءلة.
شفافية دستورية
يشدد التقرير على أن الحق في الحصول على المعلومات لم يعد مجرد مطلب إداري أو تقني، بل تحوّل إلى معيار جوهري لقياس مدى التزام المغرب بالديمقراطية الحديثة. فهو حق دستوري مرتبط مباشرة بحرية الرأي والتعبير، ويُعتبر أداة أساسية لكشف المعطيات وتوسيع دائرة المشاركة المواطِنة. ويرى التقرير أن هذا الحق يساهم في تعزيز ثقافة المساءلة، ويُعيد تشكيل العلاقة بين المواطن والمؤسسة على أساس الثقة والوضوح، خصوصًا في زمن تتزايد فيه الحاجة إلى البيانات الدقيقة والنشر الاستباقي. كما يؤكد التقرير أن تطور التجربة المغربية في هذا المجال ينسجم مع المعايير الدولية المعتمدة من الأمم المتحدة في مجال الشفافية والانفتاح.
شكايات المواطنين
شهدت اللجنة ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الشكايات المقدمة من طرف المواطنين خلال السنوات الخمس الماضية، وهو ما يعكس ازدياد الوعي المجتمعي بحق الولوج إلى المعلومات. غير أن نسبة مهمة من هذه الشكايات كانت غير مستوفية للشروط القانونية، سواء من حيث طبيعة المعلومة المطلوبة أو طرق تقديم الطلبات. هذا المعطى دفع اللجنة إلى تبني استراتيجية جديدة تقوم على المواكبة والإرشاد، بهدف تقوية قدرات المرتفقين وتمكينهم من استعمال هذا الحق بشكل سليم. وتبرز الإحصائيات أن جزءًا مهمًا من الشكايات لا يدخل ضمن اختصاص اللجنة، ما يُظهر الحاجة لمزيد من التوعية القانونية وتبسيط المساطر.
معالجة إدارية
ركّز التقرير على التحسن التدريجي في منهجية معالجة الشكايات، حيث طوّرت اللجنة آليات استقبال وتوجيه وتقييم تعتمد على وضوح المساطر وتحديد المسؤوليات. وتم تقسيم الشكايات حسب مدى استيفائها للشروط الشكلية والموضوعية، إضافة إلى تصنيفها بحسب المؤسسات المعنية أو طبيعة المعلومة المطلوبة. هذا العمل خلق قاعدة بيانات مهمة تُسهم في فهم نمط الطلبات المتكررة، وتساعد المؤسسات على تحسين خدمة المعلومات. كما يبرز التقرير أهمية التواصل المباشر مع المواطنين، سواء عبر المنصات الرقمية أو اللقاءات، مما عزز ثقة المرتفقين في أهمية هذا المسار الإداري.
تفاعل مؤسسي
يُبرز التقرير الدور الريادي لمجلس النواب، الذي تبنى منذ يونيو 2019 سياسة جديدة للنشر الاستباقي وتصريف المعلومة، عبر منصة مؤسساتية تُقدّم الوثائق القانونية والتشريعية والمالية بخمس لغات، ما جعله نموذجًا يحتذى به بين المؤسسات الدستورية. هذا التفاعل يعكس إرادة سياسية لتحويل المعلومة إلى حق مشاع، وليس امتيازًا إداريًا. كما يظهر التقرير تجاوبًا معتبرًا من مؤسسات أخرى، سواء عبر تعيين مسؤولي المعلومات أو عبر الانفتاح على اللجنة. هذه الدينامية تُعد خطوة مهمة نحو تكريس ثقافة مؤسساتية قائمة على الشفافية والوضوح.
التزام حكومي
يشير التقرير إلى تفاعل إيجابي من قبل وزارات وقطاعات حكومية عديدة، التي قدّمت بيانات مفصلة حول كيفية تدبير المعلومات داخل مصالحها. فقد تجاوبت قطاعات حيوية مثل الداخلية، الخارجية، العدل، الصحة، التعليم العالي، الانتقال الطاقي، التربية الوطنية وغيرها مع اللجنة، مقدّمة مستندات وتقارير تُظهر مستوى التقدّم في تفعيل القانون. هذا التفاعل يعكس إرادة مؤسساتية لتطوير البنيات الإدارية، وتحسين ظروف تدبير الوثائق، وتيسير الوصول إليها. ويعزز التقرير فكرة أن الحكومة تنظر إلى الحق في المعلومات كجزء من إصلاح شامل للمرفق العام، وليس مجرد إجراء معزول.
تحديات مستقبلية
رغم التقدم الملحوظ، يُجمع التقرير على أن التحديات ما تزال قائمة ومؤثرة، أبرزها ضرورة تقوية قدرات الموظفين وتوحيد طرق تدبير المعلومات داخل المؤسسات، إضافة إلى الحاجة المستعجلة لتبسيط المساطر الرقمية والورقية بما يضمن سرعة معالجة الطلبات. كما يُبرز التقرير ضعف الوعي المجتمعي بهذا الحق، خصوصًا في المناطق التي تتطلب توجيهًا أكبر. ويؤكد أن تطوير منظومة الولوج إلى المعلومات يتطلب تعاونًا بين الدولة والمجتمع المدني والإعلام، لضمان جعل هذا الحق أداة للتنمية، وتعزيز النزاهة، وترسيخ دولة مؤسسات شفافة تستجيب لانتظارات المواطنين.