الملك محمد السادس يرسم ملامح "المغرب الصاعد": من شرعية الإنجاز إلى شرعية المستقبل

عبارة جديدة في الخطاب الملكي تعكس تحوّلًا في هوية الدولة المغربية نحو الثقة بالذات والتنافسية الدولية
أحداث. أنفو الجمعة 10 أكتوبر 2025
c5e8635a-fd10-44fe-ba21-2285b3fcb561
c5e8635a-fd10-44fe-ba21-2285b3fcb561

حين اختار جلالة الملك محمد السادس أن يصف المملكة في خطابه أمام البرلمان يوم 10 أكتوبر 2025 بعبارة «المغرب الصاعد»، لم يكن ذلك مجرد توصيف بلاغي أو تعبير تفاؤلي، بل مفهوم استراتيجي جديد يدخل القاموس السياسي المغربي، يؤطر رؤية الدولة لمرحلة ما بعد الإصلاحات الكبرى، ويرسم معالم الانتقال من منطق البناء الداخلي إلى منطق التموقع الدولي.

منذ اعتلائه العرش، حرص جلالته على استعمال مفردات دقيقة تُعبّر عن تحوّل الرؤية الملكية تجاه التنمية: من “المغرب الجديد” و“المغرب المتضامن” إلى “المغرب الصاعد”. هذا التطوّر اللغوي يعكس تطورًا في الوعي السياسي للدولة: فبعد ربع قرن من الإصلاحات المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية، جاء وقت الانتقال من التأسيس إلى التحليق بثقة في فضاء التنافس الدولي.

عبارة "المغرب الصاعد" تحيل على رؤية ديناميكية متعددة الأبعاد: اقتصاديًا، هي تأكيد على قدرة المغرب على تحقيق معدلات نموّ متوازنة وتنويع شركائه عبر إفريقيا وآسيا وأوروبا. سياسيًا، هي تأكيد على نضج التجربة المغربية في مجال الاستقرار والإصلاح الديمقراطي في محيط إقليمي متقلب. واجتماعيًا، هي دعوة إلى تحويل مكتسبات العدالة الاجتماعية والمجالية من شعارات إلى سياسات ملموسة تمسّ حياة المواطنين اليومية.

الخطاب الملكي لم يربط “المغرب الصاعد” فقط بمؤشرات الاقتصاد أو النمو، بل جعل العدالة المجالية والاجتماعية قلب هذا الصعود. فالمغرب الصاعد هو الذي لا يترك أحدًا في الخلف، بل يفتح الباب أمام جميع أبنائه ليستفيدوا من ثمار التقدم. ومن هنا تأتي عبارة جلالته الدقيقة: «مستوى التنمية المحلية هو المرآة الصادقة التي تعكس مدى تقدم المغرب الصاعد والمتضامن».

بهذه الجملة، وضع الملك مقياسًا جديدًا للتنمية الوطنية لا يُقاس بالأرقام أو الخطابات، بل بما يشعر به المواطن في الجبل والواحة والساحل والمركز الحضري. فـ“المغرب الصاعد” هو دولة الكفاءة والنتائج، لا دولة الوعود المؤجلة.

إن ظهور هذا المفهوم في خطاب البرلمان، وليس في خطاب العرش أو مناسبة خارجية، يحمل دلالة عميقة: جلالته أراد أن يُخاطب السلطة التشريعية والسياسية بمفهوم جديد يلزمها بالعمل بنفس منطق الطموح والثقة. فـ“المغرب الصاعد” ليس شعارًا ملكيًا بل مشروعًا وطنيًا جماعيًا، يتطلب انخراط الجميع — الحكومة، البرلمان، الأحزاب، والمجتمع المدني — في بناء مغرب قوي بالإنجاز، راسخ بالاستقرار، متوازن في تنميته، وفخور بذاته وهويته.

وبذلك، يتحول الخطاب الملكي من خطاب تحفيز إلى خطاب تأطير وقيادة. فالمغرب، كما أراده جلالة الملك، لم يعد في موقع الدفاع عن اختياراته، بل أصبح في موقع تأكيد حضوره في محيطه الإقليمي والدولي، كقوة اقتصادية صاعدة وفاعل سياسي موثوق.

في العمق، “المغرب الصاعد” ليس مجرد توصيف لحالة، بل إعلان لمرحلة: مرحلة مغربٍ تجاوز معضلات البدايات، وتطلع إلى المستقبل بإيمان راسخ بقدراته، تحت قيادة ملكٍ جعل من الواقعية السياسية والعدالة الاجتماعية أساسًا للنهوض الوطني.