في خطوة مهمة تستهدف الاستعداد لانتخابات 2026، أعلنت وزارة الداخلية عن منحها مهلة تنتهي مع نهاية شهر غشت الجاري للأحزاب السياسية لتقديم مقترحاتها الخاصة بإصلاح القوانين الانتخابية.
وحسب المتتبعين للشأن السياسي ببلادنا، فهذه المبادرة تعكس إدراكا بضرورة تحديث الإطار القانوني المرتبط بالعملية الانتخابية، وهو أمر حيوي لضمان شفافية ونزاهة الاستحقاقات المقبلة.
ورغم أهمية هذه الخطوة التي يراد منها تحسين الممارسة الديمقراطية، يلاحظ الجميع غياب أي نقاش عمومي واسع أو مشاركة حقيقية للمواطنين في هذا الورش الكبير، حيث تبدو العملية المقصورة حتى الآن على إطار ضيق يقتصر على الأحزاب السياسية، دون إشراك فعال للفاعلين المدنيين أو توجهات المواطنين الذين يشكلون الأساس الحقيقي لأي إصلاح ديمقراطي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
وفي قراءته لسياق التحضير للانتخابات المقبلة، يرى محمد زين الدين أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن رهان الدولة حاليا هو تحقيق هدفين أساسيين من جهة الحرص على الرفع من المشاركة السياسية لأن هناك تخوف ملحوظ بأن يكون هناك عزوف على مستوى المشاركة لأسباب ذاتية وموضوعية، ويليها تحصين المسلسل الانتخابي من بعض مظاهر الإفساد الانتخابي الممارس من قبل بعض الأحزاب السياسية.
وأضاف في تصريح لموقع "أحداث أنفو"، أن الاجتماع الذي عقدته وزارة الداخلية مع مختلف الأحزاب السياسية، يندرج في إطار السعي المنتظم الذي تقوم به هذه الوزارة في علاقتها مع مختلف الأحزاب السياسية، كلما اقترب الموعد الانتخابي حيث يكون هناك حرص شديد على إعمال مقاربة تشاركية بين وزارة الداخلية ومختلف الأحزاب السياسية التي تدخل المعترك الانتخابي.
وأبرز أن الاجتماع الأول والثاني الذي دام ساعة ونصف بين الوزارة الوصية وبين الأمناء العامون تداولت أرضية النقاش، على أساس أن تقدم الأحزاب تصوراتها في أجل أقصى نهاية الشهر الحالي أي شهر غشت، على أساس أن يتم تجديد اللقاء من جديد مع الوزارة المكلفة والأحزاب السياسية في الدخول السياسي بداية شهر شتنبر المقبل.
وأفاد أن الأساسي من هذه العملية هو التأكيد على الرهانات الجديدة لهذه الاستحقاقات، مبرزا بأن رهانات الدولة ليست هي نفسها لدى بعض الأحزاب حتى لا نعمم.
وكشف أن الدولة لها رهانات استراتيجية من استحقاقات 2026، من جهة ضمان الحرص على الرفع من حجم المشاركة السياسية، وثانيا تحصين المسلسل الانتخابي من بعض مظاهر الإفساد الانتخابي.
وقال إن الدولة ووزارة الداخلية سنت اجراءات عملية في هذا الاتجاه، منها عملية عزل العديد من رؤساء الجماعات وكذلك من النواب البرلمانيين، بحيث وصلنا اليوم الى ثلاثين نائبا، مؤكدا أن الهدف من هذه العملية هو إرسال رسائل قوية جدا للرأي العام، بأن هناك حرص شديد وإرادة سياسية قوية للإصلاح.
وفي سياق متصل اعتبر زين الدين، أن مشاركة المواطنين في إصلاح المنظومة الانتخابية تعد مدخلا أساسيا لتعزيز الثقة وتقوية المشاركة الديمقراطية التفاعلية بين المواطنين والأحزاب السياسية، بيد أن ما يشهده الواقع السياسي اليوم، يؤكد وجود غياب شبه تام للنقاش العمومي الذي يفتح من قبل الأحزاب السياسية، سواء في علاقتها بمناضليها أو حتى بالمواطنين بشكل عام.
وأوضح أنه رغم أن بعض الأحزاب قامت بفتح نقاشات مع مناضليها حول مجموعة من الإشكاليات والنقاط التي كانت محل نقاش مستفيض، إلا أن هذه المبادرات بقيت قاصرة على عدد محدود من الأحزاب، في حين أن غالبية الأحزاب لم تتجه بعد إلى هذا الفعل الديمقراطي الحيوي، مبرزا أنها ظاهرة تعكس بدورها تداعيات عدة مثل ضعف المشاركة السياسية وضعف التأطير السياسي داخل الأحزاب نفسها.
وأكد أن هذه المعضلة تتجلى أيضا في تركيز اللقاءات على مستوى وزارة الداخلية والأحزاب السياسية، حيث تأخذ هذه اللقاءات طابعا تقنيا مغلقا بعيدا عن الشفافية والمشاركة الشعبية، ما يُساهم في تغييب النقاش العمومي والديموقراطي حول إصلاح المنظومة الانتخابية.
هذا الواقع حسب رئيس شعبة القانون العام والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية، يبين أن أسباب تغييب النقاش العمومي حول إصلاح المنظومة الانتخابية، ذاتية وموضوعية في آن واحد؛ فاللقاءات التقنية لا تسمح للمواطنين بالانخراط الفعلي في التعبير عن آرائهم وأفكارهم، ما يُفقد العملية السياسية الكثير من قوتها وحيويتها.
أما المرحلة الثانية من الحوار والنقاش بين وزارة الداخلية والأحزاب، فأكد أنه كان من المفترض أن تمثل نقاشا عموميا أوسع، حيث ساهمت هي الأخرى في تعميق غياب مشاركة المواطنين البناءة.
وفي هذا الصدد أفاد المصدر ذاته، أن إصلاح المنظومة الانتخابية لا يمكن أن ينجح إلا بتعزيز ثقافة المشاركة السياسية الحقيقية التي تشمل جميع فئات المجتمع، وتوفير فضاء مفتوح للنقاش والشفافية، وهذا يتطلب من الأحزاب السياسية ووزارة الداخلية معا، التحلي بالجرأة والإرادة السياسية لفتح أبواب النقاش العمومي مع المواطنين على مصراعيها.