دوار الخلايف"بالسوالم.. حين يتحوّل الإدمان إلى لعنة جماعية ويقود القاصرين إلى الهلاك

رشيد قبول الخميس 31 يوليو 2025

في قلب دوار الخلايف، التابع لجماعة السوالم الطريفية، لا شيء يُشبه الحياة كما يعرفها الناس في أماكن أخرى؛ هنا الموت ليس حادثاً نادراً، بل تكرار يومي في مشهد عبثي تحركه المخدرات وتديره عصابات لا تُبالي بالقانون ولا بالدموع، موت وإن لم يكن فعليا وواقعيا، فمظاهره المؤلمة تعاش لدى الأسر والأفراد، ممن وقعوا في شرك الإدمان بشكل مستمر، يجعل بعض أولياء الأمور يتمنون "موتا رحيما" لمن وقع من فلذات أكبادهم في دائرة الإدمان، فحول حياتهم إلى جحيم يومي.

خلال اليومين الماضيين، فقط، هزّت المنطقة مأساة جديدة بطلها قاصر لم يتجاوز عمره 16 سنة، دفعته الحاجة إلى "قرص مهلوس" إلى الانتحار بابتلاع سمٍّ يُستخدم في قتل الجرذان. كان مدمنًا على حبوب "القرقوبي"، ضاقت به سبل الحصول على ثمنها، فاختار أن يُسكت الألم إلى الأبد بطريقة مأساوية، تاركًا خلفه أسرة مكلومة و"دواراً" يعيش تحت وطأة الخوف، الذي تفرضه عصابة تحكم قبضتها على الجميع.

لكن مأساة هذا القاصر ليست سوى قمة جبل الجليد، فـ"دوار الخلايف" بات مرتعا لعصابة تُعرف باسم "أولاد الفاطمي"، حولت المكان إلى "سوق يومي مفتوح للمخدرات"، يأتيه المدمنون من كل حدب وصوب: ذكوراً وإناثاً، قاصرين، مراهقين، وعازبات في مقتبل العمر، وحتى بعض المهات اللواتي يأتين إلى "سوق الخلايف للمخدرات" مرفوقات بأطفالهن الصغار.

يصل "الخارج" قبل أشهر قليلة من السجن، وهو أحد أفراد أسرة "أولاد الفاطمي" أو كما يُلقبه السكان، باعتباره الزعيم الميداني الحالي للعصابة، بسيارة فاخرة رباعية الدفع رمادية اللون من نوع "توارگ"، يُرهب بها السكان قبل أن يطلق العنان لحركة البيع والشراء تحت حماية "الصمت الرسمي". خلفه تجري مواكب المدمنين على متن الدراجات النارية من نوع (C50 وC90) والدراجات الثلاثية العجلات، محملة بزبائن ينتظرون جرعتهم اليومية، وبعضهم عائدات بيع أجسادهم مقابل ثمن القرص أو جرعة "بوفا".

وسط هذا السوق السوداء، لا تُحرك عناصر الدرك الملكي بحد السوالم المركز أو السوالم الطريفية ساكنًا، مكتفية بالمراقبة من بعيد، بينما يعلو صوت الضحايا في صمت لا يسمعه أحد. بنات قاصرات يُجبَرن على التسكع لبيع أجسادهن لتأمين جرعة، وطلاب وتلاميذ ضلوا الطريق، وأسر مفككة لا تعرف كيف توقف هذا النزيف المفتوح على مستقبل مظلم.

تعرف منطقة "الخلايف" انتشارا غير مسبوق لترويج مختلف أنواع المخدرات: من الحشيش والكيف، إلى "القرقوبي"، و"البوفا"، ومواد مجهولة المصدر تُروج كأنها سلع عادية في سوق أسبوعي. وكل مساء، يتحول دوار الخلايف إلى مشهد يجمع بين الهوان والذل، بين شباب يُذوّب مستقبله في دخان سموم، وسلطات صامتة تراقب الانهيار بلا تدخل.

وتغذي هذه الانفلاتات الأمنية الخطيرة الشعور العام لدى السكان بأن "عصابة أولاد الفاطمي" اشترت فعليا "السوق" كما تزعم، وفرضت منطقها القائم على المال والعنف لخلق الرعب في النفوس، غير مكترثة بقانون أو رادع. وفي ظل هذا الواقع، لا يملك السكان سوى الدعوة إلى تدخل عاجل للنيابة العامة بمحكمة الاستئناف بسطات، وللقائد العام للدرك الملكي، لوضع حد لهذا التسيب، وتجفيف منابع السموم التي تحاصر أبناءهم من كل الجهات.

في دوار الخلايف، الإدمان لم يعد مرضًا فرديًا، بل وباء جماعي يدفع القاصرين إلى الانتحار، والفتيات إلى العار، والأسر إلى الانهيار. إنه جرس إنذار أخير يُقرع في وجه المؤسسات، قبل أن يتحول الدوار إلى مقبرة مفتوحة لجيل كامل.