تعيش السياحة المغربية طفرة غير مسبوقة بفضل إشعاع المملكة، وكذلك بفضل خارطة الطريق، التي تم إطلاقها في سياق استعدادات استضافة تظاهرات قارية ودولية من قبيل مونديال 2030. في هذا الحوار نستطلع مع وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، حصيلة الإنجازات حتى الآن، إلى جانب مواضيع أخرى، تتعلق بالأنشطة غير المهيكلة، والانفتاح على أشكال أخرى من الإيواء، إلى جانب وصفة الوزارة الوصية في ما يتعلق بدعم السياحة الداخلية.
- تم تسجيل قرابة 9 ملايين سائح خلال النصف الأول من هذا العام. هل تسير الأمور وفق ما تتوقعون؟
بالفعل، استقبل المغرب حوالي 8.9 ملايين سائح حتى نهاية شهر يونيو من هذا العام، مسجلا بذلك نموا بنسبة 19 في المائة مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية. يعد هذا الرقم القياسي مصدر فخر لنا، إذ يؤكد مرة أخرى جاذبية وجهة المغرب على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويعكس نجاعة خارطة الطريق التي أطلقناها تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس. في إطار هذه الإستراتيجية، اشتغلنا مع مختلف الفاعلين على تعزيز الربط الجوي وتنويع التجارب المقدمة للزوار وكذا الرفع من جودة الخدمات. واليوم نجني ثمار هذه الجهود. هذا الإنجاز يحفزنا على مواصلة العمل بنفس العزيمة لتحقيق 26 مليون سائح وترسيخ مكانة المغرب ضمن 15 أكبر وجهة سياحية عالميا في أفق 2030.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
- ما هي المدة التي تفصلنا عن رقم 20 مليون سائح؟
من الصعب تحديد موعد دقيق ومؤكد لبلوغ عتبة 20 مليون سائح، لأن ذلك يرتبط كذلك بعدة عوامل خارجية يمكن أن تؤثر على قطاع السياحة. ومع ذلك، وبالنظر إلى النتائج الإيجابية التي سجلناها خلال النصف الأول من هذا العام، وإذا استمرت هذه الدينامية بالوتيرة نفسها، فنحن واثقون بأننا سنتقرب من عتبة 20 مليون سائح مع نهاية السنة الجارية. وهذا ما سيقربنا أكثر من الهدف الاستراتيجي المتمثل في 26 مليون سائح في أفق 2030، خاصة وأننا نواصل العمل على تعزيز الربط الجوي، وتنويع وتجويد العرض السياحي، وهي عوامل تساهم مجتمعة في تعزيز تنافسية وجهة المغرب على الصعيد العالمي.
- كأي استراتيجية، هناك تحديات تطفو عند التنزيل. ما هي أبرز الصعوبات التي واجهت تنفيذ خارطة الطريق السياحية؟
حين وضعنا خارطة طريق السياحة 2023-2026، كنا واعين بضرورة استباق التحديات التي قد تعترض طريق التنفيذ. لذلك ركزنا منذ البداية على ثلاثة محاور رئيسية لضمان تنزيل فعال وواقعي. أولا، قمنا بتفعيل خارطة الطريق على المستوى الجهوي عبر إعداد خرائط طريق خاصة بكل جهة، ترجمت إلى عقود تطبيقية موقعة مع مختلف الجهات. ثانيا، حرصنا على تأمين الميزانية الكافية لضمان أن المشاريع المبرمجة تجد طريقها إلى التنفيذ. ثالثا، أولينا عناية خاصة للحكامة، بالنظر إلى تعدد المتدخلين في تجربة السائح، فأنشأنا لهذا الغرض لجنة وزارية مشتركة برئاسة السيد رئيس الحكومة، بالإضافة إلى لجان جهوية بإشراف السادة الولاة، ولجنتين موضوعيتين: واحدة خاصة بتطوير المنتوج السياحي، وأخرى بالنقل الجوي.
اليوم، بعد سنتين ونصف من انطلاق تنفيذ خارطة الطريق، يمكننا التأكيد بكل موضوعية أن الأمور تسير بسلاسة، ولم نصادف عراقيل كبيرة تذكر. بطبيعة الحال، ظهرت بعض التحديات التي تعاملنا معها بمرونة، وهو ما تعكسه النتائج الإيجابية التي نراها اليوم على أرض الواقع.
-أطلقتم مؤخرا مبادرة لإعادة تصنيف الفنادق ومراكز الإيواء السياحي. كيف كان تجاوب المهنيين؟
فعلا، أطلقنا مؤخرا ورشا مهما يتعلق بإطلاق نصوص تنظيمية جديدة للقانون 80-14، التي أتت بثلاثة مستجدات، بما فيها نظام تصنيف بالنجوم لجميع مؤسسات الإيواء السياحي، وكذا الزيارات السرية لتقييم جودة الخدمات في المؤسسات بما أن جودة الخدمات أصبحت معيارا للتصنيف إلى جانب البنايات والتجهيزات.
هذه الإصلاحات تمت في إطار مقاربة تشاركية وتشاورية مع جميع المتدخلين، ما منحها قبولا واسعا داخل القطاع.
لقد شرعنا فعليا في تنزيل هذه المبادرة، من خلال إطلاق طلبات عروض لاختيار خبراء متخصصين سيقومون بزيارات سرية لتقييم الوحدات الفندقية بناء على معايير دقيقة وحديثة تواكب أفضل الممارسات الدولية. وندرك أن هذا الورش يتطلب مجهودات كبيرة وتنسيقا متواصلا، لكنه يظل مشروعا هيكليا واستراتيجيا ستظهر آثاره الإيجابية بوضوح على المهنيين وجودة الخدمات السياحية بالمغرب، بما يعزز جاذبية وجهتنا ويستجيب لانتظارات السياح المغاربة والأجانب على حد سواء.
-في هذا الإطار، يطرح مشكل وحدات الاستقبال غير المهيكلة. ما هي وصفتكم لتحفيز هذه الوحدات على الاشتغال وفق القانون؟
نحن واعون تماما بالإشكالية ونعمل بجد لمعالجتها مع تحفيز الفاعلين على الاندماج في القطاع المنظم.
في هذا الإطار، تنظم بتنسيق مع السلطات المحلية والمندوبيات الجهوية عمليات ميدانية تهدف إلى تصنيف المؤسسات التي تحترم المعايير المعمول بها. كما أن النصوص التنظيمية الأخيرة ستساهم في تأطير هذه الأنشطة بشكل أفضل.
ونعمل اليوم على توسيع نطاق التنظيم ليشمل أشكال الإيواء الأخرى مثل الإيواء عند الساكنة، والإيواء البديل، والمخيمات السياحية. هذه الخطوة ستمكن من استيعاب شريحة واسعة من الفاعلين غير المهيكلين، ويضمن في الوقت نفسه تحسين جودة الخدمات المقدمة للسياح.
وللتأكيد على التزامنا بهذا التوجه، نشير أيضا إلى عملية تسوية مهمة قمنا بها لفائدة الأشخاص الذين يتوفرون على خبرة ميدانية في الإرشاد السياحي. وقد مكن امتحان الولوج إلى المهنة من إدماج من 1299 مرشدا في القطاع المنظم خلال سنة 2023، وهو ما يجسد حرصنا على تأهيل مختلف مكونات السلسلة السياحية ضمن رؤية شاملة ومستدامة.
- هناك تحدي التأهيل البشري مهنيا ولغويا وثقافيا. ألا تفكرون في فتح معاهد السياحة أمام التكوين المستمر؟
يزخر القطاع السياحي المغربي بطاقات بشرية واعدة ومنظومة تكوين دينامية وفعالة. غير أن بلوغ هدفنا المتمثل في استقبال 26 مليون سائح في أفق 2030 يفرض علينا رفع تحديات جديدة، وفي مقدمتها تحسين جودة الخدمات وتطوير المهارات لمواكبة المعايير الدولية. ويشكل ورش "الرأسمال البشري" أحد المحاور الأساسية لخارطة الطريق، باعتبار أن التكوين هو الرافعة المحورية لتحقيق هذا الطموح.
في هذا الإطار، أطلقت الوزارة سلسلة من البرامج الموجهة لمهنيي القطاع بمختلف فئاتهم، أولها برنامج "كفاءة"، الذي يمكن العاملين بدون شهادات من الحصول على اعتراف رسمي بخبراتهم المهنية بناء على تقييم مكتسباتهم. وقد مكن هذا البرنامج، في نسخته الأولى، من منح 1100 شهادة "كفاءة"، فيما تستهدف النسخة الثانية أزيد من 5000 مهني في مختلف جهات المملكة، مع إدماج تكوينات في مجالات المطعمة، الفندقة، الجودة، السلامة الغذائية، والتدبير.
البرنامج الثاني هو "التكوين المستمر المتميز"، الذي يهدف إلى تعزيز قدرات المهنيين عبر مسارات حضورية ورقمية مرنة، ونطمح من خلاله إلى بلوغ 8000 مستفيد في أفق 2026، مع تطوير منصة رقمية متخصصة ومحتويات تطبيقية تغطي مختلف مجالات الخدمات السياحية.
ثالثا، برنامج "الأطر المتوسطة"، ويستهدف حديثي التخرج من معاهد التكوين الفندقي والسياحي التابعة لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، من أجل دعم إدماجهم المهني وتعزيز مهاراتهم التدبيرية، مع طموح إلى تكوين 9500 مستفيد بحلول سنة 2026. وفي ما يخص التكوين المستمر داخل المعاهد، تعمل الوزارة حاليا على فتح مؤسسات التكوين السياحي والفندقي لتقديم خدمات التكوين المستمر، وذلك عبر تحيين الإطار القانوني والتنظيمي، وتحديد تعريفة هذه الخدمات بشراكة مع قطاع الميزانية.
-ماذا عن السياحة الداخلية؟ هناك استياء من غلاء الإيواء وأسعار الاستهلاك في المدن السياحية. هل هناك إجراءات لتمكين الأسر من الاستمتاع بالعطلة؟
نرى اليوم إقبالا متزايدا على السياحة الداخلية، حيث بلغ عدد ليالي المبيت في المؤسسات الفندقية المصنفة خلال سنة 2024 حوالي 8,5 ملايين ليلة، أي ما يمثل 30 في المائة من إجمالي ليالي المبيت على الصعيد الوطني. وخلال الستة أشهر الأولى من سنة 2025، تجاوز عدد ليالي المبيت 3,6 ملايين، مسجلا زيادة بنسبة 5% مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية.
لقد أولينا السياحة الداخلية أهمية كبيرة في خارطة الطريق، حيث خصصت لها سلسلتان موضوعيتان. الأولى تهم السياحة الشاطئية، والثانية ترتبط بالسياحة في الفضاءات الطبيعية، وذلك في إطار مقاربة تستند إلى خصوصيات الطلب المحلي. وتضم خارطة الطريق أيضا مجموعة من التدابير الرامية إلى تعزيز السياحة الداخلية، من ضمنها إطلاق خطوط جوية داخلية جديدة لفك العزلة عن بعض المناطق، وتشجيع الاستثمار في المنتوجات السياحية الأكثر طلبا من طرف المغاربة، إلى جانب تعزيز جهود الترويج.