مغاربة العالم: الدياسبورا أفقا للتقدم

حنان رحاب الأربعاء 02 يوليو 2025
hanane-rihab-730x438
hanane-rihab-730x438

خلال هذه الأيام، سنشهد حركية عبور العديد من مغاربة العالم نحو الوطن، قادمين من جغرافيات موزعة على قارات العالم الخمس، من أجل تجديد أواصر الانتماء للوطن المغربي.

إنه موعد سنوي دال، فبرغم وصول أجيال الهجرة المغربية الحديثة نحو الخارج (أوروبا أساسا) إلى الجيل الخامس، لم تنقطع رحلات الصيف نحو "لبلاد"/ "تمازيرت"، ضدا على الكثير من الفرضيات التي كانت تتنبأ بأن اندماج أجيال الهجرة الجديدة في دول الاستقبال سيفضي إلى إضعاف الصلات الروحية ببلد الأصول.

وهو أمر يجدر دراسته أبعاده النفسية والاجتماعية والثقافية، لفهم هذه القدرة المغربية "العنيدة" على توريث الانتماء، بمعنى البحث عن الكود الوراثي بالمعنى الثقافي والحضاري المقاوم لكل عناصر الاستلاب والاغتراب الهوياتي.

غير أنه يجدر بنا كذلك أن نبحث عن آفاق جديدة لتثمين هذا الرأسمال البشري والثقافي المهم، لكي يكون رافدا أساسيا من روافد تجذير صيغة مغربية للتقدم، وسط عالم مضطرب ولا يني عن التغير.

يضخ مغاربة العالم سنويا أرقاما مهمة ترفد الاقتصاد الوطني، وتساهم في استقرار الأسر محليا، وفي ديمومة العديد من الاستثمارات هنا.

وكلنا يعلم ان مساهمة مغاربة العالم في تنمية احتياطات بلادنا من العملة الصعبة يضاهي وأحيانا يفوق ما تؤمنه أكبر شركة عمومية مغربية، وهي المكتب الشريف للفوسفاط الذي يعتبر رائدا عالميا في مجاله.

لكن، هل يجب الاكتفاء بمساهمة مغاربة العالم في الاقتصاد الوطني من خلال آليتي التحويلات المالية، والاستثمارات خصوصا في قطاعات العقار والفندقة والمطعمة بشكل أساسي؟ أم انه هناك إمكانات أكبر تتجاوز تقوية الاقتصاد الوطني إلى بناء نموذج للتقدم؟

حين ندرس تجارب دول مثل تركيا والمكسيك وإسرائيل (باختلاف السياقات والأهداف)، سنجد أن جاليات هذه الدول في الخارج كانت في بؤرة استراتيجياتها للتقدم، والتحول إلى قوى مؤثرة، في محيطها الإقليمي، وقادرة على المناورة على الصعيد العالمي.

لقد تم الاستثمار في الهجرة ليس من مدخلي التحويلات المالية والاستثمارات في قطاعات الخدمات فقط، مما لا يتأثر بالتقلبات الاقتصادية والسياسية سواء عالميا (أزمة الرهون العقارية 2008) أو على مستوى بلدان الاستقبال، وإنما تعدى ذلك إلى مجال نقل التكنولوجيات الحديثة، والتأثير في القرار السياسي لبلدان الإقامة لصالح البلد الأصلي من خلال لوبيات سياسية واقتصادية منظمة.

واليوم، بعد قرارات ترامب بتقليص ميزانيات الكثير من الجامعات ومراكز البحث العليمي، هناك سباق محموم في دول من أوروبا وأستراليا وآسيا على استقطاب العقول المهاجرة، والتي تشتغل بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي فرصة للمغرب كذلك للتفاوض النبيل مع أبنائه في المخابر العلمية الكبرى، وفق مشروعات كبرى للبحث العلمي وترصيد خبراتهم لصالح انتقال علمي تحتاجه بلادنا.

لقد شدد جلالة الملك في أكثر من مناسبة على ضرورة تغيير نظرتنا إلى مغاربة العالم، مما يعكس وعيا متقدما بالإمكانات التي يجب استثمارها في هذا الاتجاه، والتي يعني استمرار التعامل معها باستخفاف أو بدون رؤية مستقبلية قابلة للأجرأة وتعبئة الموارد اللازمة، أننا نفوت الفرصة أمام بلادنا لاقتصاد الزمن والإمكانات نحو عبور ممكن لصف الدول المؤثرة.

ويعني هذا ضمن ما يعنيه القطع مع التصورات والخطابات التي لم تخرج من زمن "العمال المهاجرين إلى الخارج" و"الجالية" إلى رؤى تنطلق من وجود دياسبورا مغربية حقيقية.

فمغاربة العالم تجاوزوا مرحلة الهجرة الاضطرارية من أجل تأمين لقمة العيش في أفق العودة إلى المغرب، إلى واقع دياسبورا تضم خبرات مهنية وعلمية وسياسية، ومستقرة في بلدان الإقامة، وحاملة لجنسياتها، لدرجة أنه حتى في هذه الدول لم يعد الحديث فقط عن المهاجرين المغاربة، بل عن مواطنين من أصول مغربية ( أمريكيون أو فرنسيون أو إسبان أو هولنديون او بلجيكيون من أصل مغربي مثلا).