في 14 فبراير الماضي، احتفلت منصة «يوتيوب» بعيد ميلادها العشرين.
عشرون سنة مضت على إطلاق هذه الوسيلة (الإعلامية)، وعلى أول فيديو ظهر في المنصة، me at the zoo (أبريل 2005) وهو عبارة عن زيارة شاب أمريكي لحديقة الحيوان، ووقوفه أمام الفيلة مندهشا، وهو يقول «يتميز الفيل بخرطومه الطويل جدا، بل الطويل والطويل أكثر من المعتاد».
اليوم ملايين الناس في العالم أجمع تتابع ما يفعله وما يقدمه «اليوتوبرزات» في مختلف المجالات، من الضحك السمج والسخيف، إلى المقالب الغريبة، مرورا بالمحتويات الجادة، وبنقاشات السياسة، والكرة والاقتصاد والمجتمع والطبخ والموضة والمؤامرات، وكل ما قد تتخيله، وتتصور وجوده، ووجود نقاش حوله في كوكبنا الفسيح هذا.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
في المغرب لدينا مشكلة.
الكائنات التي اشتهرت لدينا عبر «اليوتيوب» حولها مئات الأسئلة، والاستفسارات، والانتقادات، والملاحظات.
وهي، للأمانة والصدق، لا تساعد نفسها، ولا تساعد الآخرين على تقبلها القبول الحسن.
أس المشكلة، وسبب الاختلاف عن الآخرين أن «يوتوبرزات» العالم أتوا من ميادين يعشقونها، وكانوا منشغلين بها قبل ظهور المنصة، وقدموا عبر هذه الوسيلة فور ظهورها عشقهم لتلك الميادين، فنجحوا فيما يفعلونه، من الـgaming، حتى التقليد، فالغناء، فالتمثيل، فالتكنولوجيا الحديثة، فتقديم الآراء حول مواضيع يهتم بها أولئك «اليوتيوبرز»، ويوم دخلوا هذا الميدان كان الهدف تقاسم ما يهتمون به مع جمهور في البدء لم يكن عريضا، وفيما بعد أصبحت أعداده بالملايين.
لم يأتوا إلى «اليوتيوب» فارين من تجارب فاشلة في الصحافة التقليدية، ولم يقتحموا «اليوتيوب» لكي يمارسوا فيه «المعارضة الزبلاوية»، وذلك هو الفرق الكبير والحاسم.
لذلك، عندما ترى كائنات مثل المومني أو جراندو أو المرابط، أو غيرهم، دونما حاجة لذكر بقية الأسماء، لأننا نعول على ذكائكم الذي نحترمه لكي تتعرفوا على بقية «الشلة»، وهي تقدم بقبح، وبرداءة، وبسقوط أخلاقي وإنساني كبير، يوميا ما تقترفه من بذاءات تمثل في النهاية «اليوتيوب المغربي»، وتحمل وزر الحديث باسمي واسمك واسم بقية المغاربة، تحس بغبن شديد أننا «حتى فهادي» لم نستطع أن ندفع بأفضل من فينا إلى الصدارة، وتركنا كائنات غريبة (هذا هو الوصف، ولا وصف غيره) تمثلنا، وتتحدث باسمنا. بل إن من بيننا من يتفرج عليها، من باب الفضول أو التلصص أو «قلة ما يدار»، ويمنحها في نهاية المطاف وسم وشرعية الوجود.
نعم، نسب هذه الكائنات بعد الفرجة فيما بيننا، ونقول لبعضنا البعض على سبيل الاستنكار المندهش «واش سمعتي شنو قال داك الهبيل؟»، أو «واش تفرجتي فداك الأحمق عاوتاني؟»، لكننا لا نستطيع تجاوز هذه العتبة.
ثم إننا، إذا ما كنا نؤمن فعلا بالحرية والاختلاف، وتقبل مخلوقات الله كلها، كيفما كانت، ومهما بلغت التشوهات التي أصيبت بها، علينا أن نمارس تمرين التعود هذا على استقبال كل شيء، وأي شيء.
وذلك بالتحديد ما نفعله، وذلك بالتحديد، ما يساعدنا، بعد مضي عشرين سنة على ميلاد «اليوتيوب»، على أن ننتقل فيه بسهولة من استمتاع بالغ وكبير بشيء إبداعي ومبدع رائع شاهدناه فيه، إلى التقزز والتأفف الشديدين، ونحن نرى ما نرى مما لا داعي لوصفه عند الكائنات الشهيرة إياها، والتي نشترك معها، لأسف الأسف، في النطق والملمح والجنسبة وبقية المشتركات.
في نهاية المطاف، هذه المنصة العجيبة هي عالم صغير، فيه الجميل الصالح، وفيه القبيح الطالح، وعلى المرء أن يختار، حسب ذوقه وتربيته ودراسته وعلمه، ما ينفعه، وأن يترك الزبد لكي يذهب جفاء.
عيد ميلاد سعيد لكل «يوتيوبر»، وكل «يوتيوبرة» في العالم كله، وفي المغرب أيضا... بطبيعة الحال، فبلادنا أولا، وهي مسبقة لدينا على البقية منذ القديم.