القاهرة, 3-5-2025 (أ ف ب) - أحدث مسلسل تلفزيوني مصري يحمل عنوان "لام شمسية" موجة من الصدمة داخل المجتمع المحلي، الذي وجد نفسه للمرة الأولى في مواجهة مسألة العنف الجنسي ضد الأطفال التي لطالما تجن ب طرحها أو محاولة إيجاد حلول لها.تناولت الدراما المصرية خلال السنوات الأخيرة قضايا اجتماعية شائكة مثل الإدمان وقوانين حضانة الأطفال وحقوق المرأة عموما، ولكن تبقى المواضيع الجنسية -وتحديدا المتعلقة بالأطفال- غير مرحب بتناولها لتجاوزها مقدسات ثقافية مثل "شرف العائلة".تقول أميرة أبو شادي (43 عاما) في حديث إلى وكالة فرانس برس "لا نتحدث عن هذه الأمور في ثقافتنا". ولكن بعد مشاهدة المسلسل، تحدثت إلى ابنها ليشعر أن بإمكانه إخبارها ما يشاء، على قولها.أما هند عادل (41 عاما)، وهي أم لثلاثة أولاد، فتؤكد لوكالة فرانس برس أن مسلسل "لام شمسية" دفعها إلى "الشك في كل شيء". وتتساءل "من يمكن أن نأتمنه على أطفالنا؟".ويتناول المسلسل أم ا تجد نفسها وحيدة في مواجهة عدم تصديق الأسرة والمدرسة والمجتمع لتعر ض ابن زوجها للتحرش الجنسي من جانب صديق مقر ب من العائلة.وفي رحلة الدفاع عن الطفل، يتعر ف المشاهدون مع نيللي (تؤدي دورها الممثلة أمينة خليل) على كيفية تناول القانون المصري قضايا العنف ضد الأطفال وواقع الدعم النفسي المتاح للناجين.ولا يكمن التحدي الذي تواجه نيللي في حماية الطفل يوسف (يؤدي دوره الممثل علي البيلي) من التحرش فحسب، بل في مواجهة الفاعل الذي يحظى بامتيازات اجتماعية عدة كونه أستاذا جامعيا مرموقا ومدر سا للغة العربية ليوسف وزملائه وصديقا مقر با من العائلة.اختار صن اع "لام شمسية" أبطالا يتمتعون بامتيازات طبقية واجتماعية تضمن لهم الحد الأدنى من الحماية، ولكن في المجتمعات الأكثر فقرا تظل مناقشة قضايا العنف الجنسي أمرا محظورا.وبينما يتمتع بطل المسلسل، الطفل يوسف، وأسرته الثرية بفرصة الحصول على الدعم النفسي واللجوء للعدالة، تبقى هاتان الميزتان من الرفاهيات المادية والاجتماعية التي لا يحظى بها غالبية المصريين، إذ يعيش ثلثهم تحت خط الفقر بحسب البيانات الرسمية.أما الأوساط المهمشة، مثل أطفال الشوارع الذين تعج بهم المدن المصرية، فيواجهون خطرا مضاعفا إذ لا مأوى لهم ولا عائلة ولا أوراق ثبوتية في كثير من الأحيان.في العام 2024، تلقى الخط الساخن لنجدة الطفل التابع للمجلس القومي للأمومة والطفولة 21 ألف بلاغ عن أطفال تعر ضوا لمخاطر بينها العنف الجنسي والجسدي والإهمال.ويشير رئيس خط نجدة الطفل صبري عثمان إلى أن "العدد الفعلي أكبر بكثير".ويوضح لوكالة فرانس برس أن الكثير من الأسر يفض لون عدم الإبلاغ عن حالات العنف الجنسي خوفا من الوصمة الاجتماعية "أو التشهير بالطفل، فيفضلون الصمت".ولكن يبدو أن المسلسل رمى حجرا في المياه الراكدة، إذ تؤكد سلمى الفوال، مديرة برنامج حماية الطفل في منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في مصر، أن المنظمة لمست تأثيرا مباشرا للمسلسل.وتقول لوكالة فرانس برس إن "شركاءنا لاحظوا منذ عرض المسلسل زيادة في المكالمات التي يتلقونها من أسر للإبلاغ عن حالات أو الاستفسار عن أخرى".وتشير إلى أن ذلك يتزامن مع نشر عدد كبير من الناجين شهاداتهم المتعلقة بحالات عنف تعر ضوا لها عبر منصات التواصل الاجتماعي.وخلال الأسبوع الحالي، تلقى موظفا في مدرسة ات هم بالتعدي على طفل في الخامسة حكما بالسجن المؤبد تزامنا مع حملة كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي طالبت بمعاقبة الجاني في هذه القضية.وتقول الفوال إن المسلسل تناول الموضوع "باهتمام وحرفية وتعاطف"، واصفة العمل بأنه نموذج "استثنائي" للدور الذي يمكن أن تؤديه الدراما في "كسر الصمت وفتح المجال لنقاش عام فعلي".وتوضح الفوال أن "البيت والمدرسة والفضاء الرقمي" هي أكثر أماكن يتعرض فيها الأطفال للتحرش.وبحسب الناقدة الفنية ماجدة خير الله، إن "عددا كبيرا من الأشخاص يشاهدون هذه التجارب للمرة الأولى على الشاشة بهذا الوضوح والجرأة".وتقول لوكالة فرانس برس "لقد تجن بنا التحدث عن هذا الموضوع على التلفزيون لفترة طويلة جدا".خلال حلقات المسلسل، يحفظ الطفل يوسف الذي يتعرض للعنف الجنسي نشيدا مدرسيا عن الاختلاف بين اللام الشمسية والقمرية في اللغة العربية ك تب خصيصا لهذا العمل التلفزيوني.يصف النشيد اللام الشمسية بأنها "مختبئة كالسر والذنب" بينما "القمرية لام منطوقة... موجودة في كل الأحوال. والشمسية لام مسروقة... ليس كل ما هو مكتوب ي قال".في اللغة العربية، اللام الشمسية هي لام التعريف التي ت كتب ولا ت نطق، مثل حالات العنف الجنسي التي يتعرض لها أطفال على أيادي أشخاص مقر بين منهم، لأنها الحالات التي "ينكرها الناس ولا يريدون رؤيتها"، بحسب كاتبة المسلسل مريم نعوم.وتقول نعوم في مقابلة تلفزيونية مع الإعلامية المصرية لميس الحديدي إن العنف، في حال كان مصدره أحد المقربين من الضحية، "يفض ل الناس عدم تصديقه" مشيرة إلى أن الاهل حتى لو علموا بالتعدي او صد قوا المعتدي عليه، "لا يعرفون ماذا يفعلوا".ويعاقب القانون المصري من يثبت ارتكابه "هتك العرض" في حق الأطفال دون 18 عاما بالسجن سبع سنوات على الأقل، وبالسجن 25 عاما إذا كان المتهم من ذوي "السلطة" على الطفل.وبالرغم من التأثير الملحوظ للمسلسل على الواقع، يبقى تحقيق العدالة في قضايا العنف الجنسي ضد الأطفال أمرا صعب المنال.تقول هالة عبد القادر، وهي محامية ومديرة المؤسسة المصرية لتنمية الأسرة، "ينبغي على الأهل التحرك فورا" حتى تنظر المحكمة في القضية.وتوضح عبد القادر لوكالة فرانس برس أن المسافة الزمنية بين الاعتداء والإبلاغ يجب أن تكون قصيرة وعادة ما يخضع الطفل للطب الشرعي، وكلها معطيات تجعل "التردد والخوف" أسبابا لعدم التحرك.التردد والخوف اللذان يؤثران على الأطفال وذويه هو ما دفع علي البيلي لتأدية دور الطفل الذي يتعرض للعنف للجنسي في المسلسل.ويقول علي (12 عاما) في لقاء بعد عرض المسلسل إنه وافق على المشاركة في العمل بعد نقاش مع المخرج الذي أكد له أنه سيكون من خلال المسلسل "صوت من لا صوت لهم: الأطفال الذين يتعرضون (للعنف الجنسي) ويخشون التحدث عنه". وأضاف أنه يأمل أن يشجع المسلسل الأطفال على التعبير عن أنفسهم والإبلاغ عما يتعرضون له.وبحسب الفوال، تظل الإحصاءات المتعلقة بعدد الأطفال المعرضين للعنف الجنسي غير دقيقة بسبب حساسية الموضوع.وتقول "من المتعارف عليه أن عددا كبيرا من الحالات لا يتم الإبلاغ عنها لأسباب اجتماعية أو خوفا من الانتقام أو العار أو بسبب عدم الوعي".
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });