أفول الحركات الإسلامية

د.عمر العباسي الخميس 01 مايو 2025
No Image

لم تجلب الحركات الإسلامية في العالم العربي في مجملها إلا الدمار والعنف إلى البلدان العربية، هذه هي الخلاصة المركزية التي تقودنا إليها جميع الدراسات والأطاريح، التي تناولت الظاهرة الإسلامية. طبعا هذه الخلاصة لا تسائل الأفكار والقناعات والأدبيات فقط، بل تنطلق من خلاصة مآل تجربة العديد من التيارات الدينية في العالم العربي. وعلى الرغم من رجاحة التحليل الذي يدعو إلى وجوب إقامة تمايزات ما بين تجارب هذه الحركات، فكل حالة يجب أن تدرس على حدة، وعلى وجاهة هذه الملاحظة المنهجية، إلا أن تحليل تجربة الظاهرة الإسلامية في العالم العربي فكرة مشروعة نظرا للقوائم المشتركة الكثيرة بينها، فعلى الرغم من التمايزات الموجودة ما بين الحركات الإسلامية في تلك البلدان، فإن الملاحظة الجوهرية هي أن مآل هذه الحركات هو الفشل. لقد فشلت هذه الحركات في تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها بل إن بعضها ساهم في تقويض أركان الدولة الوطنية.

كيف إذن تبدو هذه الحركات اليوم بعد أن عاشت زمن الصحوة الإسلامية، وبعد أن خرج قادتها من السجون وعادوا من المنافي ليتولوا السلطة في العديد من البلدان العربية، بعد الرجة الديمقراطية التي عرفتها المنطقة سنة 2011، وما أعقبها من تحولات كبرى.

بصرف النظر عن أن العديد من الدراسات الأكاديمية الرصينة ترجع أصول هذه الحركات إلى مفكرين خارج العالم العربي كالمودودي في باكستان KJ وغيره، إلا أن الأب الروحي لها هو حسن البنا، المعلم المغمور، الذي أسس حركة الإخوان المسلمين، والذي ألف العديد من المراجع وألقى العديد من الخطب لمدة طويلة من الزمن، شكلت مرجعية صلبة لجميع الحركات الإسلامية، فحتى لو دفعت بعض هذه الجماعات بعدم ارتباطها التنظيمي بحركة الإخوان المسلمين، إلا أن أفكارها وتصوراتها ظلت في مجملها تمتح من فكر البنا وقطب، رغم الاجتهادات المحدودة هنا وهناك، وتكفي العودة لقراءة المنهاج النبوي لعبد السلام ياسين للوقوف عند التبجيل الكبير الذي خص به مرشد العدل والإحسان حسن البنا.

عندما نقول إن هذه الحركات جلبت الويلات للعالم العربي هذا ليس حكما قدحيا، هذه خلاصة تجارب. يمكن أن نستدعي هنا على الأقل تجربتين. التجربة الأولى هي الحركة الإسلامية في السودان، التي قدم الشيخ حسن الترابي رحمه الله نقدا قويا لها وبين الأوهام التي عاشت فيها، والخطايا التي اقترفتها، وكذلك في مصر، التي لولا قوة المؤسسة العسكرية فيها لكانت اليوم مرتعا للجماعات الإرهابية والتكفيرية، بعد أن كاد حكم الإخوان فيها أن يعصف بالدولة والمجتمع معا.

على الرغم من كل الخطابات الخادعة والشعارات وتوظيف الدين، إلا أن هدف هذه الحركات كان ولا يزال هو الاستلاء على الحكم ولو بالقوة. مفهومها للديمقراطية ظل دوما مبهما وملتبسا، تعاملت معها دوما كوسيلة للوصول للحكم وليس كعقيدة ثابتة، لذلك فإن هذه الحركات كانت مسؤولة بشكل مباشر عن العنف السياسي الذي اجتاح العديد من البلدان في العالم العربي، وهو العنف الذي ساهم في تقويض الدولة وساهم في إضعافها، وفسح المجال للتدخلات الأجنبية.

قبل أسابيع قال أحد الباحثين الذين اشتغلوا على الظاهرة الإسلامية بحثا وتحليلا إن «العصر الذهبي للحركات الإسلامية صار من الماضي»، وهو محق في ذلك، لم تستطع هذه الحركات التي وصلت للحكم بعد ما سمي بالربيع الديمقراطي أن تخلق التوافقات الوطنية الضرورية للحكم في المراحل الانتقالية الكبرى، ودخلت في صراعات دموية مع الفرقاء السياسيين ومع مؤسسات الدولة أو ما أسمتها الدولة العميقة، والنتيجة اليوم أنها أصبحت غائبة عن المشهد تماما وقادتها عادوا للسجون والمنافي.

الحالة في المغرب مختلفة، ومآل الحركات الإسلامية في بلادنا يؤكد قوة الدولة وقوة التجربة الديمقراطية في بلادنا، ولكنها أيضا تؤكد نفس الأطروحة وهي فشل الحركات الإسلامية، فهذا فيصل منها وصل للحكم على ظهر شعارات 20 فبراير، ومكت عشر سنوات، وبكل موضوعية كان أداؤه الاقتصادي وكذا السياسي متواضعا، وفي الأخير خرج صاغرا من تدبير الشأن العام، عبر صناديق الاقتراع أو ما أسماه السيد مصطفى الخلفي في ندوة أصلية «الخروج غير القمعي من السلطة».

الفصيل الآخر هو العدل والإحسان، رغم أنه ليس حزبا، إلا أنه يعمل بكل حرية في البلاد، ويعقد اجتماعات هياكله ومؤسساته بكل حرية، غير أنه مازال سجين فكر المرشد المؤسس، ولم يتمكن من إدخال التجديد والتطوير اللازمين، وبدل أن تساهم الوثيقة السياسية التي عرضها في وضوح الرؤية إليه، زادته غموضا والتباسا وساهمت في تعميق عزلته عن الفضلاء الديمقراطيين.

على الرغم من الحديث المنقطع هنا وهناك عن المراجعات التي يجب أن تقوم بها هذه الحركات، إلا أنها ما زالت في مجملها ترفض الاعتراف والإقرار بالفشل، ومازال بعض قادتها يعتبرون أن تجربتهم تعرضت للإفشال، غير أن بعض قاداتها المنصفين قالوها على رؤوس الإشهاد، إن سبب فشل التجربة داخلي وليس خارجي، وتكفي هنا العودة إلى الحوار العميق للسيد مصطفى الرميد في ضفاف الفنجان، للوقوف عند ملامح التطاحن الداخلي الذي حول الحزب الإسلامي الكبير ليصبح حزبا صغيرا على هامش الحياة السياسية، فقد جزءا كبيرا من قاعدته الجماهرية وجزءا أكبر من ثقة الشعب.

والملاحظ أن هذه الحركات الإسلامية وهي تحاول استعادة مجدها الضائع، عادت إلى محاولة الاشتغال على المواضيع التي شكلت موردا تاريخيا لمشروعيتها، قضايا الأسرة وفلسطين، غير أن ذلك يؤكد أيضا انحسار الإسلام السياسي ومحدودية تأطيره، ولعل مرد ذلك إلى وعي متزايد لدى العديد من الأوساط الاجتماعية أن الأمر يتعلق بتوظيف سياسي لقضايا إنسانية من أجل استعادة شعبية ذهبت ولن تعود. على هذا الأساس يجب النظر إلى الأحزاب سليلة هذه التيارات الدينية وإلى محطاتها التنظيمية، لأنها لن تقوم إلا بإعادة نفس الوجوه ونفس الخطابات ونفس المظلومية.

الحمد لله أن وهبنا في بلادنا مؤسسة إمارة المؤمنين، فهي التي جنبت ولا تزال بلادنا عبث الطامعين إلى السلطة، المختبئين وراء الخطاب الديني، الساعين إلى الحكم عبر مداخل توظيف المقدس.