في ثبات الخطى العلامة، وفي السير الحثيث نحو المستقبل الدليل، وفي رمضان الفضيل الذي ودعناه عشنا لحظات دالة توقفنا عندها، قالت لنا شكل المسار والمسير. لنستعدها بهدوء الآن، لأن جلبة (اللاتواصل) بيننا جميعا فرضت علينا العبور نحو أمور أخرى، لكن لابد مما ليس منه بد.
هي لقطات مغربية أربع تقول كل شيء: بلاغ الديوان الملكي الذي أخبر المغاربة بتقليص أنشطة جلالة الملك خلال رمضان بسبب تعافي جلالته من حادث عارض سابق، ثم العاشر من رمضان، وقد رأى المغاربة ملكهم يترحم على أب الأمة، خامس التحرير، ثم ليلة السابع والعشرين من الشهر المعظم، وقد تابع الناس رمزهم الأول يؤدي التراويح كاملة، بعد أن تم إخبارهم بكل شفافية مغربية، قبلا أن جلالته سيؤديها جلوسا، لنفس الظروف، قبل صلاة عيد الفطر السعيد، وقد تابعها الشعب أيضا بحماس واهتمام كبيرين، لكي ينقل عبر الحماس والاهتمام دعواته لصاحب الجلالة بالشفاء العاجل والكامل.
دعونا نذكر أنفسنا أن هذه الأحداث كانت فعلا في المغرب الرمضاني أهم ماوقع، وأكثر ماشغل الناس في المنازل والمقاهي وأماكن العمل وبقية محلات الالتقاء.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
لماذا؟
هل هذا السؤال ضروري الطرح حقا؟
لانعتقد، فكلنا، دون أي استثناء في هذا البلد، نعرف قيمة ورمزية وقدسية الملكية لدى كل مغربية ومغربي، لذلك كان هذا الاهتمام، ولازال وسيظل، عنوان اتفاقنا الأكبر، والعلامة التي نعرف بها أننا مغاربة، والتي تكشف حبنا واحترامنا وتقديرنا، والتي التقطناها جميعا ونحن نستبشر برؤية جلالة الملك في صحة جيدة، وتبادلنا الكلمات المهنئة لبعضنا البعض، مع الدعاء الصادق، النابع من القلب باستكمال الشفاء لمحبوب المغرب والمغاربة الأول.
ألم تكن هناك أحداث أخرى في الشهر الفضيل؟
بلى، لكنها في سلم الأولويات المغربية، كانت حقا أمام هذه اللحظات غير ذات قيمة، ولم تحظ إلا بمتابعة كالضرورية أو تكاد، ينتهي زخمها فور الابتداء.
يجب أن ننتبه إلى هذا الأمر، ويجب أن نفخر بأن للمغربي هذه القدرة الرائعة على ترتيب الأولويات وتقدير أهميتها، خصوصا وأن البعض في مواقع (اللاتواصل) يخوض حربا لاهوادة فيها ضد البلد، يوقفنا خلالها أمام لقطات هامشية لاتعني شيئا، لكي يضخمها، ولكي يشغلنا بالنقاش حولها، بل لكي يجعلها (محور الكون) مع أنها تافهة، ومع أن أبطالها، أو الضالعين فيها، أو المتورطين في اقترافها وارتكابها، هم أصغر من أن يصبحوا محل النقاش لدينا في هذا البلد.
المغرب بلد نابغ وذكي، والمغاربة قوم عبقرية، مستلة من الزمان ومن المكان، ومن التقائهما معا منذ قديم العقود والقرون. لذلك نمتلك هنا مانسميه "ميزان الذهب" الذي يساعدنا دوما على السير والتمييز السليمين، والذي يقول لنا الأولويات المهمة التي تستحق الانتباه والتوقف والاهتمام، والتفاعل الشعبي الحقيقي، ويحدد لنا بالمقابل "عثرات الطريق"، وحجارة السبيل الصغيرة التي يضعها أمامنا من لايريدون للبلد السير نحو الأمام.
رغم ضوضائهم والضجيج، ينجح الهدوء المغربي الرصين في كشف أصحاب هذه العثرات. وهو إذ يلتقطهم ويفضحهم، فإنه لاينظر إليهم شزرا، لأنهم لايستحقون. هو فقط يحدق فيهم بشفقة ورثاء، ويدير لهم الوجه نحو المهم ونحو الأهم، لكي يشاهد بعين العراقة الكامنة فيه المستقبل، ويحدد الوجهة، ويرصد كيفية الوصول.
يهتم بما وبمن يجب الاهتمام به حقا، ومن خلال هذا الاهتمام الفعلي بما وبمن يستحق، يقول لنا الشعب إنه أذكى منا جميعا، وأن لفظ أو وصف أو عبارة "النخبة"، أمر فيه نظر كثير، لأنها تعطي، بانخراطها في حروبها الصغيرة والخاصة بها التي تفضح نفسها بنفسها، الدليل على أنها في واد، وأن هذا الشعب اللماح، الذكي، العبقري في واد مغربي آخر، عميق القرار، وعميق الرؤية والنظر، ويتقن التمييز فعلا بين ماينفع ومن ينفع الناس، وبين بقية الأشياء التي يسميها زبدا يذهب جفاءا وكفى.
هل يحق للمغربية والمغربي الافتخار بهذا النبوغ؟
لايحق لنا ذلك فقط، بل هو أوجب الواجبات، فبه ومن خلاله نعرف أننا فعلا في الطريق السليم.
عيد سعيد أيها المغرب العظيم. دمت قادرا دوما وأبدا على الاهتمام بما ومن يستحق الاهتمام والانتباه فعلا.