واجه محمد بن عيسى، على مدى سنوات، فكرة المس بطبيعة مدينة أصيلة، في هويتها الثقافية والجمالية، ووقف سدا منيعا ضد كل توجه لتحويل المدينة إلى شكل يساير ما تعرفه جل المدن المغربية من توجه نحو استغلال العقار للبناء وهجوم الإسمنت، دون مراعاة لأي شكل جمالي أو تراثي أو ثقافي.
ومن المتوقع أن تظهر مطامع لوبيات العقار ولوبيات أخرى بمدينة أصيلة بعد رحيل حاميها محمد بن عيسى.
كان لوبي العقار وأصحاب المصالح قويا، واشتغل بكل الأساليب، لكن كانت لأصيلة مناعة حقيقية حماها رجل متيم بالثقافة والفن، وعاشقا لأصيلة حد الفناء. كانت أصيلة هي بن عيسى، وكان بن عيسى هو أصيلة. هذا الوضع ساهم في تحصينه بشكل كبير إمساك الرجل بخيوط البلدية من جهة وبمنتدى أصيلة ومهرجانه السنوي الذي داوم على الانعقاد على مدى حوالي نصف قرن.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
حماية أصيلة وتحصينها جرت على محمد بن عيسى الكثير من الكلام، وبعض المعارك. ولكل معركة مصالح وأدوات، تستعمل فيها أحيانا وسائل قد تبلغ حد شخصنة الأمور.
لست هنا لأدافع عن محمد بن عيسى، فما قدمه لأصيلة من خدمات، وما أنجزه على مستويات عدة كفيل بأن يشهد على حبه ووفائه وإخلاصه لمدينته ووطنه. غير أن ما يتوجب الدفاع عنه اليوم، ويتطلب تضافر الجهود مؤسساتيا وبشكل مدني، هي مدينة أصيلة.
لقد عرفت أصيلة دوليا على أنها مدينة الفنون والآداب والثقافة. مدينة الهدوء والإبداع. وكل زائر يقف على حقيقة محافظة هذه المدينة الصغيرة على هويتها، حيث المدينة محصنة بأسوارها، ومحيطها مرصع بحدائق تحمل أسماء شخصيات عالمية جاد بها الزمان، زمان الإنسانية. في أصيلة يعيش محمد المليحي في كل إنش، بخطوطه التشكيلية الزرقاء الجميلة. وفي أصيلة تترامى الجداريات على طول وعرض أسوار المدينة. في أصيلة أيضا هناك بنيات ثقافية لا توجد مثلها في أي مدينة أخرى مغربية، وبين هذا وذاك يجول الخيال ويتجول مع كبار الفنانين والأدباء والشعراء...
أصيلة أيضا تتحول في مواسيمها الثقافية إلى فضاء للنقاش والحوار والأفكار والإبداع. كما تتحول إلى ملتقى تجتمع فيه أجناس وتشكيلات بشرية وفكرية وسياسية، يتعارفون ويتناقشون ويولدون الأفكار، هذه الأفكار التي تصل أحيانا إلى مستوى التنفيذ في مشاريع فكرية وثقافية وإبداعية بشكل عام.
مدينة أصيلة بهويتها وبمهرجانها الثقافي هي إرث وطني يجب رعايته بكل الأساليب الممكنة.
مخطئ من يعتبر موسم أصيلة مجرد مهرجان عادي يلتقي فيه ثلة من الناس يتحدثون ويقضون لحظات من المتعة وانتهى. لقد كانت أصيلة أكورا فكرية حقيقية، لكنها أيضا كانت خلفية فكرية وثقافية وسياسية. في أصيلة كانت تمارس الديبلوماسية الموازية. وكم من موقف سياسي يهم قضية الصحراء المغربية كان لموسم أصيلة ولمحمد بن عيسى دخل فيه. وكم من مشاريع فكرية ولدتها لقاءات أصيلة.
أصيلة هذه، الفكرة التي تجمع بين الحب الصوفي وبين الإرث الثقافي والفني والهوياتي، في حاجة ماسة اليوم إلى قرارات تحصن ما بناه بن عيسى دعما للثقافة وللجمال. سيكون من العار أن يأتي يوم تضيع فيه حدائق أصيلة وأسوار أصيلة وجمال أصيلة وهوية أصيلة. مسؤولية أعضاء منتدى أصيلة، وكل من تربطه به صلة، أن يكونوا في مستوى اللحظة لكي يستمر المهرجان. أبناء أصيلة يجب أن يحافظوا على خصوصية مدينتهم. لكن هناك حاجة ماسة لتدخل كل الجهات المخول لها تحصين أصيلة بشكلها البديع والجميل لتبقى زيليش المغرب بكل حمولاتها الفنية والأدبية وبهويتها في الجمال والفن والإبداع.