داتي تنسي الكابرانات فرحة «الانتصار» الإفريقي

زيارتها للصحراء المغربية استفزتهم وأعلنوا غضبهم في بيان غريب
عبد المجيد حشادي الخميس 20 فبراير 2025
Capture d’écran 2025-02-18 à 08.56.06
Capture d’écran 2025-02-18 à 08.56.06

لم يأخذ النظام العسكري في الجزائر الوقت الكافي للاستمتاع بلقطة الانتصار التي صنعها بأموال ومقدرات الشعب الجزائري، ليخرج في اليوم الموالي لهذا «الانتصار» ما في جعبته من حقد وضغينة ضد المغرب، وينتقد بوجه سافر وببيان رسمي ممارسة تدخل في صميم سيادة الدول.

ففي مشهد غير مألوف في العلاقات الدولية، خرجت وزارة خارجية الكابرانات، لتنتقد بكلمات تقطر حقدا وحسدا ممارسات تدخل في صميم السيادة العادية للدول، وهي التي تدعي في كل مناسبة رفضها التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتحاول ممارسة الوصاية على المغرب وفرنسا، معلنة رفضها زيارة وزيرة فرنسية للمغرب.

النظام الجزائري، الذي اعتاد في مناسبات عديدة، تكليف أبواقه الإعلامية أو بعض المتحدثين باسمه لتصريف مواقفه السياسية، لم يجد بدا هذه المرة من الخروج بوجهه السافر ويعلن رسميا رفضه للزيارة التي قامت بها وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي للمغرب، وتجولها في مدن الصحراء المغربية، واعتبرها زيارة «مستفزة»، ضمن مفردات بيان غريب ومفضوح.

البيان الغريب للنظام الجزائري، والذي تمت صياغته بأسلوب يعيد للأذهان فترة الاستعمار البعيدة، زعم أن الحكومة الفرنسية بهذه الزيارة «تستبعد نفسها وتنأى بها بصورة واضحة وفاضحة عن جهود الأمم المتحدة الرامية إلى التعجيل بتسوية نزاع الصحراء الغربية على أساس الاحترام الصارم والصادق للشرعية الدولية»، ما يجعل من يقرأه يعتقد أن الجزائر هي من كانت تستعمر فرنسا، وليس العكس.

وإمعانا في تصوير القدرة على ممارسة الوصاية على الدول، قال بيان خارجية الكابرانات إن «الزيارة التي قام بها عضو من أعضاء الحكومة الفرنسية إلى الصحراء الغربية أمر خطير للغاية»، وأنها «تستدعي الشجب والإدانة على أكثر من صعيد، كونها تنم عن استخفاف سافر بالشرعية الدولية من قبل عضو دائم في مجلس الأمن الأممي»، متناسية أن كلماتها هي التي تستخف بالشرعية الدولية، وتصنف ضمن التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

النظام العسكري، الذي لم يحرك ساكنا حين أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها بمغربية الصحراء، ولم يصدر بيانا أو مقالا ينتقد فيه تصريحات السياسيين والديبلوماسيين الأمريكيين في مناسبات عديدة، والمدافعة عن مغربية الصحراء، يتناسى هذه الحقائق، لكنه يصر على الدخول في مواجهات مع دول مثل إسبانيا أو فرنسا، يرفع في وجهها صوته، ثم يعود لبيت الطاعة، بعد أن يكون قد واجه تصميما لرفض ممارساته المستفزة.

ويكشف هذا البيان الغريب العقدة التي تسكن أوصال النظام العسكري في الجزائر، والذي أعلن أنه مستعد للتطبيع مع إسرائيل، لكنه يظل مصرا على معاداة بلد جار، ومن أجل قضية يقول دائما إنه غير معني بها، لتكشف هذه الحقيقة أن ملف الصحراء بقدر ما هي قضية وجود بالنسبة للمغرب والمغاربة، هي كذلك قضية وجود لنظام بنى شرعيته على قضية يعني حلها نهايته وافتضاح أمره أمام شعبه.

ومن أجل هذه القضية، أنفق هذا النظام أكثر من 500 مليار دولار من مقدرات الشعب الجزائري، بينما يعاني هذا الأخير من الحاجة والنقص في المواد الغذائية، بل ولا يزال مصرا على المزيد من الإنفاق، مثلما حدث الأسبوع الماضي، حين وزع حقائب مليئة بملايين الدولارات، من أجل منصب صغير، لن يفيده سوى في شراء لقطة نصر مصطنع.

وبالقدر الذي يفضح في بيان خارجية النظام العسكري وجهه المقيت، يكشف أيضا حجم الضرر الذي أصابه، بعد الزيارة التي قامت بها الوزيرة الفرنسية داتي لمدن الصحراء المغربية، والتي رغم طابعها الثقافي إلا أنها تشكل، برأي المتتبعين، محطة سياسية بامتياز، باعتبارها أول زيارة لمسؤول حكومي فرنسي للأقاليم الصحراوية المغربية منذ الزيارة التاريخية للرئيس ماكرون، وقراره بالاعتراف بمغربية الصحراء، ضمن سياق تحول استراتيجي فرنسي/ مغربي، يروم بناء علاقة جديدة بين البلدين.

حلول وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي بالصحراء المغربية، وزيارتها لأكثر من مدينة، وتدشين عدد من المشاريع، وارتداؤها للملحفة الصحراوية، وتصريحاتها عن إعطاء دفعة قوية للتعاون الثقافي المغربي الفرنسي، كلها تفاصيل لتوجه عام، أسسته القمة التي جمعت جلالة الملك والرئيس الفرنسي، ويتم الآن تنزيله على أرض الواقع عبر عدد من المحاور السياسية والاقتصادية والثقافية، ليؤكد فشل محاولاته ابتزاز فرنسا ودفعها للتراجع عن الاعتراف بمغربية الصحراء، واستمرار باريس في سياستها دون مواربة.

مواصلة فرنسا تثبيت قرارها بالاعتراف بمغربية الصحراء، عبر اتخاذ المزيد من الخطوات التي تسعى لتنزيل هذا المخطط، لا ينظر له النظام العسكري في الجزائر بعين الرضى، حيث قاد عدة خطوات للضغط على باريس، في إطار حرب تكسير العظام التي نشبت بين البلدين، لكنها انقلبت وبالا عليه، ما يكشف حجم الغصة التي تسكن أركانه، وتدفعه للبحث عن أي لقطة انتصار تخرجه من حالة التيه التي سقط فيها.

وإذا كانت زيارة الوزيرة رشيدة داتي إلى الأقاليم الجنوبية تعد بمثابة تجديد لتأكيد موقف فرنسا الداعم لمغربية الصحراء إلا أنه من شأن هذه الزيارة تكريس هذا التوجه الفرنسي نحو التنزيل الفعلي للاعتراف بمغربية الصحراء، والذهاب بعيدا في قرار باريس ضدا عن كل محاولات النظام العسكري في الجزائر ممارسة بعض الضغط لثني فرنسا عن موقفها، وهو ما بدا واضحا من تحول لغة الوعيد والتهديد التي يبدأ بها النظام العسكري مواجهاته مع فرنسا.

زيارة الوزيرة داتي ينتظر أن تكون مقدمة لزيارة مماثلة متوقعة لرئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشي إلى المغرب، في الفترة المممتدة بين 23 و26 فبراير الجاري، حيث سيقود وفدا هاما، وسيلتقي عددا من المسؤولين المغاربة، مثل رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي، ورئيس مجلس المستشارين محمد ولد الرشيد، كما ينتظر أن يقوم بزيارة الصحراء المغربية للاطلاع على عدد من المشاريع بالمنطقة.

وإذا كان من شأن هذه الزيارات تأكيد جدية تعاطي فرنسا مع ملف مغربية الصحراء، فهي تؤكد بالمقابل أن باريس أصبحت متجاهلة كليا لمواقف حليفتها الجزائر، واستعدادها للتضحية بها، وهو ما بدا من خلال مخرجات الأزمة المشتعلة، والتي بدأ الكابرانات يستوعبون أن محاولات الضغط على باريس لم تزدها إلا تمسكا بموقفها، خاصة بعد قرار مجلس الدولة الفرنسي، مؤخرا، الرافض للدعوى القضائية التي تقدمت بها الكونفدرالية الفلاحية المعروفة بدعمها للبوليساريو، منهيا بذلك حالة الابتزاز التي تمارس من قبل بعض المخترقين من قبل الجزائر، ويقبلون بدعم أطروحات الانفصاليين، حيث شكل القرار المذكور انتكاسة جديدة للجزائر وصنيعتها الانفصالية، وعمق عزلتهما داخل الفضاء الأوروبي.

يحدث كل هذا بينما تزداد الأزمة المشتعلة بين باريس والجزائر التهابا، حيث قال وزير الداخلية الفرنسي، بروتو ريتايو، أول أمس الثلاثاء، إن فرنسا تدرس فرض عقوبات ضد شركة الطيران الجزائرية، بسبب إقدام الأخيرة على رفض نقل مواطنين جزائريين ترغب باريس في ترحيلهم إلى بلدهم، بمبرر عدم توفرهم على «تصريح قنصلي»، بالرغم من أنهم يتوفرون على وثائق السفر الرسمية العادية، ضمن سياق أزمة مشتعلة مفتوحة على كل الاحتمالات.

وضمن هذه التطورات، أعلن وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، في تصريح إعلامي، أن بلاده بحاجة إلى مراجعة علاقاتها مع الجزائر وإحداث تحول جذري في العلاقات الثنائية، مشيرا إلى أن باريس «يجب أن تفرض ميزان قوى جديدا» مع الجزائر، معتبرا أن سياسة التساهل التي اتبعتها فرنسا لعقود لم تعد مجدية، حيث ربطت صحيفة «لوبوان» هذا التصعيد الدبلوماسي بين باريس والجزائر، بقرار باريس الاعتراف بمغربية الصحراء، الذي فتح جراح التوتر السياسي بين فرنسا ومستعمرتها السابقة.