وثيقة رسمية ترد على ترهات إعلام الكابرانات : مدينة كولومب بشّار مغربية وكان في كل منها هي ووجدة مكتب شريف للجمارك المغربية

أحمد الدافري الثلاثاء 21 يناير 2025

التصريحات التي أدلى بها حسن عبد الخالق سفير المغرب سابقا في الجزائر، لإذاعة ميد راديو، من خلال الحوار الذي أجراه معه الإعلامي رضوان الرمضاني في برنامج "بدون لغة خشب"، والتي كشفت جملة من الحقائق حول خلفيات قطع الجزائر لعلاقاتها مع المغرب، جعلت النظام الجزائري يُصاب بحالة هستيريا، ويدخل في نوبة صرع ذهني، مما اضطره إلى تسخير صحافته التي يستخدمها في معاركه الخاسرة ضد المملكة المغربية، للرد على ما جاء في الحوار، حيث قام موقع إلكتروني جزائري متخصص في البروباغندا، بنشر مقال مليء بالسب والشتم، ويعج بالكلام البذيء في حق الدبلوماسي المغربي، مستعملا عبارات منحطة تعكس مستوى أخلاقيا في منتهى التدني..

بل الأكثر من ذلك، أن صاحب المقال ساقه خياله المعطوب إلى الانغمار في استيهامات مثيرة للضحك، وكتب قائلا بأن الدبلوماسي المغربي هو ابن مدينة وجدة، وأن وجدة ليست مدينة مغربية، بل أصبحت مغربية على حين غرة، بدل أن تكون"حاضرة جزائرية" تزهو بالتراث وتعبق بالتاريخ.

وهنا نتساءل عن أي تاريخ كانت ستعبق به مدينة وجدة، وأي تراث كانت ستزهو به، لو كانت تنتمي إلى بلد لم يسبق له أن كان تاريخيا دولة ذات شأن، بل كان في القرن السادس عشر الميلادي مجرد إمارة صغيرة اسمها الجزائر يحكمها حاكم من قبيلة الثعالبة اسمه سليم التومي، استنجد سنة 1516 ميلادية بالأخوين القرصانين التركيين عروج وخير الدين لحمايته من الإسبانيين، فاحتل عروج الجزائر وقتل سليم التومي، وحل محله، وأصبح اسمه "الداي"، وأضحت مدينة الجزائر تسمى "دايليك الجزائر"، وعاصمة لإيالة تركية، تتكون بالإضافة إلى دايليك الجزائر من ثلاث إمارات صغيرة، تسمى كل إمارة "بايليك"، ويحكمها حاكم تركي من جنود الإنكشارية الأتراك، يسمى "الباي"، وهي بايليك الشرق وعاصمتها قسنطينة، وبايليك الغرب التي تنقلت عاصمتها بين عدة مدن منها معسكر ومستغانم ووهران، وبايليك التيطري جنوب الجزائر العاصمة، وعاصمتها المدية.

وقد بقيت إيالة الجزائر تحت حكم الدايات والبايات الأتراك الذين كانوا يصلون إلى الحكم عن طريق الانقلابات العسكرية واغتيال بعضهم، إلى أن احتلت فرنسا دايليك الجزائر سنة 1830 ميلادية، وطردت الداي حسين منها، واحتلت باقي البايليكات، ويدأت توسع نفوذها في المنطقة، وكانت تضم الأراضي إليها من تونس وليبيا ومن الإمبراطورية المغربية بالاحتلال العسكري.

فأي تاريخ غير هذا، لدى هذا البلد الذي يريدون أن تكون مدينة وجدة تابعة له؟

هل هو تاريخ الدايات والبايات الأتراك الانكشارية الذين كانوا يشنقون ويسلخون ويذبحون بعضهم من أجل الوصول إلى الحكم؟ أم تاريخ الحكام الفرنسيين الجنرالات الذين صنعوا حدود بلد جديد، وسلموه بواسطة الاستفتاء سنة 1962 إلى حكام تقاتلوا مع بعضهم، ومن بينهم جنود كانوا يحاربون إلى جانب فرنسا؟

أي تراث هذا كان يمكن أن تتزين به وجدة لو كانت تابعة إلى بلد ظل مجرد إيالة تركية أكثر من ثلاثة قرون، وأصبح مستعمرة فرنسية أكثر من 130 سنة، قبل أن يجد حكامه المتعاونون مع فرنسا بمقتضى وثيقة الاستفتاء أنفسهم عاجزين عن النهوض ببلد ورث أراضٍ شاسعة عن الاستعمار؟

إن الحديث عن بلد مستحدث صنعه الاستعمار الفرنسي، لا يستقيم إزاء الحديث عن بلد متجذر في التاريخ، اسمه المملكة المغربية، وإلى حدود الحماية الفرنسية كان بسمى الإمبراطورية الشريفة، توالى على حكمه سلاطين وملوك كانت لهم هيبة أمام إمبراطوريات أوروبا، منذ الدولة الإدريسية التي تأسست سنة 788 ميلادية، إلى الدولة العلوية التي تدير شؤون المملكة المغربية اليوم، مرورا بسلاطين وملوك المرابطين، والموحدين، والمرينيين والسعديين.

وما دامت الصحافة المسخرة للنظام الجزائري قد تحدثت عن وجدة، وتخيلت أنها كانت يوما ما تابعة للجزائر. لا ضير أن نقدم لهذه الصحافة درسا تاريخيا بسيطا جدا من أرشيف التاريخ الحديث، كي تطلع من خلاله على معلومات قد تفيدها مستقبلا حينما ترغب في الحديث سواء عن وجدة المغربية العريقة والأصيلة، أو عن مدينة بشار المغرببة في الصحراء الشرقية، التي وفق وثائق رسمية موجودة في الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي، كان فيها مكتب لجمارك الإمبراطورية الشريفة في عهد الحماية الفرنسية، حين كانت تسمى باسم كولومب بشار Colomb Béchar نسبة إلى الضابط الفرنسي لويس دي كولومب الذي كان أول من وصلها بجنوده وأنشأ فيها مركزا عسكريا.

حديثنا هنا عن وجدة وكولومب بشار ليس كلاما ملقى على عواهنه، كما هو الحال دوما لدى بلد العالم الآخر الذي حين يريد أن يصنع لنفسه تاريخا يلجأ إلى الكذب، وحين يريد أن ينسب شيئا لنفسه يلجأ إلى التزوير.

بل إنه كلام مبني على الوثيقة التاريخية. والوثيقة هي السند العلمي والدليل القطعي الذي تقوم عليه الحجة ويستقيم به البرهان.

ونحن حين نقارع الخرافات والتهيؤات والمزاعم والادعاءات، فنحن لا نقارعها بالسب والشتم وبالكلام الساقط البذيء، بل نقارعها بأكثر من مستنَد، وبأكثر من وثيقة.

لدينا رفقة هذا المقال، واحدة من الوثائق التي توضح لكل من يريد أن يعرف أن كولومب بشار أرض مغربية، وهذه الوثيقة هي الجريدة الرسمية باللغة الفرنسية، للإمبراطورية الشريفة، عدد 1003، الصادرة بتاريخ 15 يناير 1932،

ونجد مكتوبا في الصفحة الأولى من هذه الوثيقة باللغة الفرنسية ما يلي :

EMPIRE CHERIFIEN

(الإمبراطورية الشريفة)

PROTECTORA DE RÉPUBLIQUE FRANÇAISE AU MAROC

BULLETIN OFFICIEL

(الجريدة الرسمية)

وفي الصفحة 55 من هذا العدد من الجريدة الرسمية للإمبراطورية الشريفة نجد مرسوما للمدير العام للمالية الذي يقضي بتغيير المرسوم الصادر بتاريخ 26 نوفمبر 1928، المتعلق بتسوية نظام السكر في المنطقة الاستثنائية (وهي منطقة خاصة في الحدود بين المغرب والجزائر محددة في المرسوم)

ونقرأ في المادة 2 (Art.2) من هذا المرسوم أن المادة 3 في المرسوم السابق قد تغيرت وأصبحت ما يلي:

المادة 3 : السكر المخصص للمنطقة الاستثنائية يجب أن يدخل إلى المغرب عبر مكتب وجدة (طريق وجدة - بوعرفة - بودنيب أو وجدة - ميدلت - بودنيب)، أو عبر المكتب الشريف لكولومب بشار.

ونقرأ أيضا في المادة 3 من هذا المرسوم أنا المادة 4 في المرسوم السابق قد تغيرت وأصبحت ما يلي :

المادة 4: ضريبة الاستهلاك على السكر الذي يدخل إلى المنطقة الاسثنائية محددة كما يلي :

1) السكر الذي يدخل إلى المغرب عبر المكتبين الشريفين لوجدة أو كولومب بشار، والمتوجه إلزاما نحو بوعنان : 45 فرنكا لكل 100 كيلوغرام من السكر الصافي

2) السكر الذي يدخل إلى المغرب عبر المكتبين الشريفين لوجدة أو كولومب بشار، والمتوجه إلزاما نحو بودنيب، قصر السوق أو بني تجيت : 36 فرنكا لكل 100 كيلوغرام من السكر الصافي

3) السكر الذي يدخل إلى المغرب عبر المكتبين الشريفين لوجدة أو كولومب بشار، والمتوجه إلزاما نحو أرفود : 26 فرنكا لكل 100 كيلوغرام من السكر الصافي.

4) السكر الذي يدخل إلى المغرب عبر المكتبين الشريفين لوجدة أو كولومب بشار، والمتوجه إلزاما نحو كراندو : 55 فرنكا لكل 100 كيلوغرام من السكر الصافي.

ونجد في نهاية القرار توقيع :

برانلي BRANLY

في الرباط بتاريخ : 16 ديسمبر 1931.

وإيتيان برانلي الموقع على المرسوم هو فرنسي متخصص في الاقتصاد والمالية، كان وقتذاك هو المدير العام للمالية في المغرب.

هذه وثيقة واحدة من بين عدد كثير من الوثائق الرسمية التي سنعمل لاحقا على إظهارها تباعا، وسنظهر معها حق المملكة المغربية في أراضيها التي اقتطعها منها الاستعمار.