وجوه وحكايات.. “في رحاب أزمور: لقاء مع الفن والذاكرة برفقة عبد الكريم الأزهر”

بقلم :الإعلامي والسيناريست أحمد بوعروة الثلاثاء 07 يناير 2025



عندما زرت مدينة أزمور لأول مرة، لم تكن بالنسبة لي مجرد مدينة صغيرة قرب الجديدة، بل كانت مساحة تحمل عبق التاريخ والثقافة، مدينة تُصرّ بمثقفيها وفنانيها على أن تكون أكثر من مجرد قنطرة عبور. أزمور هي نقطة انطلاق، منها خرج الرحالون لاكتشاف العالم، وهي التي ألهمت المبدعين بفنها وسحرها الخاص.

كان لقائي الأول بالفنان التشكيلي عبد الكريم الأزهر في أزمور، برفقة الزميل المثقف الطيب أحمد المشكح، وبوشعيب الهبولي، وصلاح الدين البوشيخي، وآخرين. كنا حينها نُعيد صياغة مشهد ثقافي مختلف، وكنتُ مديراً لمهرجان أزمور الأول في التسعينيات، في فترة كان فيها المرحوم عبد اللطيف السملالي يدعمني ويمنحني كامل الثقة، قائلاً لي: “القرار قرارك، اختر ما تراه مناسباً”.

في تلك الفترة، كرمنا الفنان الكبير عمر السيد بحضور نخبة من فناني المغرب، وكان التكريم في فضاء كان يحمل ذاكرة مختلفة تماماً: سجن برتغالي تحوّل إلى مزبلة، ثم أعدنا تنظيفه وإحيائه ليصبح فضاءً للحرية والإبداع. هناك، نظمنا جلسات للزجل والملحون، واستعدنا جماليات الماضي في لحظات استثنائية.

في ذلك اللقاء الذي حضره معي قيدوم المصورين الحديديين "المهدي عزيز" وشعيب مدير احدى المواقع الإلكترونية بازمور..تجاذبنا أطراف الحديث مع عبد الكريم الأزهر، واستعدنا ذكريات جولاته في السوق الأسبوعي لأزمور، السوق الذي كان بالنسبة له مصدر إلهام دائم في لوحاته الفنية. تحدثنا عن الزمن الجميل، عن أزمور التي كانت تجمع بين البساطة والعمق، وعن كيف استطاع هذا الفنان أن يُحوّل تفاصيل الحياة اليومية إلى إبداع خالد.

قبل أن أغادر، أهداني عبد الكريم الأزهر لوحة تشكيلية من أعماله. شعرت حينها بسعادة غامرة؛ كانت اللوحة أكثر من مجرد هدية، كانت شهادة على تلك اللحظة التي جمعتنا، وعلى قيمة الفن الذي يوحدنا جميعاً.

هذا اللقاء، بالنسبة لي، لم يكن مجرد حدث عابر، بل محطة أعتز بها في مسيرتي الإعلامية والثقافية. لقد أثبت لي مرة أخرى أن المدن مثل أزمور، بأناسها وفنانيها ومثقفيها، هي التي تجعل للإبداع معنى، وهي التي تحفر ذكريات لا تُنسى في وجدان كل من يمر بها.