محاربة بوحمرون

بقلم: حكيم بلمداحي الاثنين 06 يناير 2025

بلغ عدد الأطفال المتوفين بفيروس الحصبة «بوحمرون»، منذ أكتوبر 2023 في المغرب، 107 حالة. فيما بلغ عدد المصابين، في الفترة نفسها، 19 ألف إصابة.. هذه الأرقام رسمية قدمها وزير الصحة في البرلمان أخيرا، وتعبر عن حقيقة مرة بعودة داء كان المغرب قد استطاع التحكم فيه بشكل كبير قبل عشر سنوات...

ما الذي حدث ليكون هذا التراجع المخيف في التحكم في انتشار فيروس الحصبة المعروف في المغرب ببوحمرون؟

في أكتوبر سنة 2023 سيتم اكتشاف حالة إصابة طفل من أسرة مهاجرة، بفيروس الحصبة، والاكتشاف حدث بالصدفة.. تحركت المصالح الصحية لتكتشف وجود بؤرة للفيروس في جهة سوس.. وطبعا ربط المهنيون والمختصون الأمر بحقيقة يعرفونها جيدا تتعلق باستراتيجية التلقيح. العديد من المهنيين لم يستغربوا أن تعود بعض الأمراض، بكل بساطة لأن هناك خللا حدث في مجال التلقيح.

لقد تراجع المواطنون عن التلقيح، سواء أثناء جائحة كوفيد 19 أو بعدها، حيث عزف العديد من الناس عن التقيد بتلقيح أطفالهم في الوقت المناسب. هذه ملاحظة عامة، ويمكن أن تكون واقعا عالميا. غير أن هناك أمرا مغربيا خاصا يتعلق بالجانب المهني وبالمهنيين على الخصوص. لقد شهدت السنوات الأخيرة شدا بين مهنيي الصحة والوزارة مما خلق توترات أثرت بشكل كبير على العرض الصحي في البلاد. ومن المشاكل التي استهانت بها الوزارة والسلطات الصحية وغير الصحية بالمغرب، شكلا احتجاجيا تواصل منذ سنوات، حيث امتنع الممرضون عن رفع التقارير للجهات المختصة عن الوضع الصحي، وهي تقارير من المفروض أن تقوم عليها الخطط الصحية، لأنها توفر المعلومة، ومن بين هذه المعلومات طبعا الوضع القائم بخصوص التلقيح.

طبعا قد لا يكون هذا هو السبب الوحيد لما يقع الآن بخصوص بوحمرون، لكن لا يمكن الاستهانة بهذا العامل، وقد يكون له آثار أخرى قد نكتشفها في القادم من الأيام.

لا يمكن لأحد أن ينفي الدور الأساسي لمهنيي الصحة من ممرضين وتقنيين وأطباء في أي سياسة صحية للبلد. والاستهانة ببعض الأشكال الاحتجاجية لا بد أن تكون لها عواقب وخيمة ونحن الآن أمام واحدة منها..

ارتفاع حالات الإصابة بفيروس الحصبة، وارتفاع عدد الوفيات في صفوف الأطفال سوف يكون له ما له في ما بعد. وإذا لم يتم احتواء الوضع بالسرعة المطلوبة، فالمغرب سيجد نفسه في وضع صعب بسبب سرعة انتشار الفيروس وخطورته.. ولا يستغرب أحد إذا ما حصل المغرب على ترتيب متدني لهذه السنة في سلم التنمية البشرية. وهذا أقل الأضرار..

لقد كان المغرب مثاليا في مجال التلقيح، واستطاع في حوالي 20 سنة من نهاية الثمانينيات إلى منتصف العشرية الثانية من هذا القرن، أن يقضي على بوحمرون، حيث بلغت نسبة التلقيح 98 بالمائة سنة 2014 مع تسجيل صفر حالة وفاة و97 إصابة فقط.. هذا الإنجاز لم يأت صدفة، بل تحقق بفضل التلقيح والمراقبة الوبائية في استراتيجية وطنية للقضاء على الفيروس، استراتيجية انخرط فيها المهنيون بشكل كبير.. فهل يفطن الوزير الحالي إلى أخطاء سلفه ويبدأ من المكان الصحيح؟