يهاجم البعض الفنانة المثقفة لطيفة أحرار، مديرة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، ويحتجون بشدة على تعيينها بالوكالة الوطنية لتقييم وضمان جودة التعليم والبحث، ويطالبون بإلغاء هذا التعيين، وطرد الفنانة الأمازيغية المغربية المتميزة خارج كل المناصب.
في الوقت ذاته يهاجم الكثيرون (تقريبا نفس الكثيرين) وزير العدل عبد اللطيف وهبي، ويريدون إزالته من كل المناصب الموجودة في البلد، ويحلمون بيوم قادم تكون لديهم فيه القدرة على التشطيب عليه من مهنة المحاماة، مع أنه أستاذ قدير فيها، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه، وكثير من الراسبين فيها هم من يهاجمونه باستمرار.
وفي الأثناء ذاتها، يهاجم كثيرون شابا مغربيا من «أولاد الشعب»، عرف في مواقع التواصل الاجتماعي بـ«لولا الظروف»، ويستكثرون عليه تحقيقه لحلم بسيط هو السفر إلى أوروبا، وبالتحديد إيطاليا، ولعب منافسات دوري الملوك الذي ينظمه نجم برشلونة السابق جيرار بيكي، ضمن الفريق المغربي الذي أشرف على تكوينه الستريمر ذائع الصيت إلياس المالكي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
هل من رابط بين الحالات الثلاث؟
نعم.
«السوشال ميديا» ساحة الوغى الجاهلة التي اجتمع فيها من كل حقد طرف.
هناك اليوم ظاهرة واضحة أمام أعين الجميع، تتيح من خلال عبارة «حنا ما بغيناش» لأي كان أن يتحدث باسم أي كان في أي موضوع، وأن يقترح ذلك الرأي استفتاءا شعبيا شاركنا فيه جميعا، ووافقنا عليه ليس بالأغلبية المطلقة، بل بالإجماع الكامل، ويقرر بعد ذلك أن تصبح نتيجة هذا الاستفتاء الوهمي مطلبا أساسيا من مطالب من؟
من مطالب الشعب، إذ تحضر جملة (الربيع العربي الكاذب) فورا، وتصرخ في وجوهنا جميعا «الشعب يريد كذا...».
والحالة هاته أن الشعب المسكين لا يريد شيئا. أو هو في الحقيقة يريد مسألة واحدة ووحيدة: «التيقار»، أي ألا يتحدث أي واحد ولا أية واحدة من محترفي الكذب هؤلاء باسمه في أي قضية كانت.
الشعب ليس كيانا واحدا موحدا يستيقظ صباحا فيجد نفسه منخرطا في معركة غبية وبليدة ضد فنانة متميزة ومثقفة، ولا في معركة سياسوية مكشوفة ضد وزير هو مثل بقية الوزراء يصيب ويخطئ، ولا في حملة تنمر عنصرية وجاهلة ضد شاب مغربي بسيط.
الشعب آراء مختلفة، وعقول كل منها يفكر بطريقة ما، واختلاف دائم محمود يصنع غنانا لا الفقر الفكري والبؤس السياسي الذي يريد جرنا إليه الدجال الأعور وصحبه، أي التيار الذي لا يرى إلا بعين واحدة، هي عينه.
شعبنا، أو نحن المغاربة، أذكى بكثير من أن تضعنا داخل علبة تصبير وليس تفكير واحدة، وتقول لنا «هذا ما يجب أن نردده جميعا اليوم».
لذلك يكتفي شعبنا الحقيقي، شعب الواقع وليس شعب المواقع، بمتابعة الجهل المركب الذي استشرى في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يهتم به، بل يواصل عيش حياته والسلام.
شعبنا بعبارة أخرى قرر أن هذا الضجيج الجاهل الدائرة رحى حربه على العقل السليم في «السوشال ميديا»، قد يصلح في نهاية المطاف لشيء واحد: الفرجة الباسمة والحزينة عليه، وتركه هناك عند إيلون ماسك وعند مارك زوكربيرغ وبقية من منحوا يتامانا فرصة التعبير عن مكنوناتهم لمعرفة الاستفادة من آرائهم في بيع كل شيء. كل شيء دون أي استثناء. من قارورة العطر الرخيصة التي تشبه الأخرى الأصلية، حتى البرنامج الحواري أو السياسي «المدرح» الذي يشبه ما كنا نشاهده في القديم من تميز لم يعد متوفرا اليوم، أو أصبح نادرا أكثر من اللازم، مرورا بالراقصات في مخيلة المكبوتين على أنغام تيك توك، وأطباق الأكل الشهية لكن الافتراضية، أي غير الحقيقية، وصولا إلى سجادة الصلاة التي تساعد الظهر على المقاومة وبقية الأكسسوارات.
قلناها لكم ونعيدها: هناك يباع كل شيء، والقاعدة التجارية الأولى عند المغاربة تقول «الله يجعل الغفلة بين البايع والشاري».
آمين، وكفى.