مصطفى العلواني.. ناقد سينمائي يجمع بين العقل النقدي والروح الفنية

إعداد: رشيد قبول الأربعاء 11 ديسمبر 2024

بوهيمي في عشقه للسينما، محب للأفلام التي يسعى - أحيانا - لتقمص أدوار فيها، متيم بعشق الفن السابع الذي يعتبر أن هواه وهوايته هو السبيل لنجاح المشتغل فيه.. ومن تجربة أكاديمية فسلفية واجتماعية ينطلق، للغوص في تفاصيل وأحداث العمل الفني الذي يسعى لإخضاعه لمبضع التشريح.. إنه الناقد السينمائي المحب للفن السابع « مصطفى العلواني» الذي اختار منظمو الدورة 16 للمهرجان الوطني لفيلم الهواة تكريمه في عاصمة الشاوية التي تحتضن على مدى أربعة أيام فعاليات مهرجان وصل إلى سن السادسة عشرة في الاحتفاء بعشاق الفن السابع من المخرجين الهواة.

لم تمنعه الوعكة الصحية التي يمر منها من الحضور إلى سطات التي احتضنته قبل عقود مدرسا يعلم أبناءها أبجديات التمدرس، واحتضنته بالأمس مكرما محبا للفن ساعيا إلى التمحيص فيه ونقده والتجاوب مع انتاجاته وطنيا وعالميا.. ففي عالم السينما الذي يتطور بسرعة، يبرز الناقد السينمائي مصطفى العلواني كأحد الأسماء المشتغلة في المشهد الثقافي المغربي.. بفضل أسلوبه المميز وقدرته على تحليل الأعمال السينمائية بعمق، لذلك أصبح العلواني صوتًا مهمًا في مجال النقد السينمائي، سواء في الصحف أو في البرامج المتخصصة. ولعل أهم ما يميز مصطفى العلواني هو قدرته على المزج بين التحليل الفني والبعد الثقافي والاجتماعي للأفلام، ما يجعله مصدرًا غنيًا للمشاهدين والمبدعين على حد سواء.

بدأ مصطفى العلواني مشواره في عالم النقد السينمائي منذ سنوات عديدة، وقد عرف عنه انفتاحه على مختلف مدارس السينما العالمية، من السينما الأوروبية إلى الأمريكية وصولاً إلى السينما العربية، ما جعله ناقدًا شاملًا يعرف كيفية استيعاب التنوع السينمائي.

وبينما يركز العلواني على الجوانب الفنية للأفلام مثل الإخراج، التمثيل، والتقنيات البصرية، إلا أنه لا يغفل عن تناول الجوانب الاجتماعية والسياسية التي تحملها الأفلام. يشتهر أيضًا بقراءته العميقة للنصوص السينمائية، وقدرته على فك رموز الرسائل التي تحملها الأفلام عبر مستوياته المختلفة. غالبًا ما يتطرق العلواني في مقالاته إلى كيف تعكس الأعمال السينمائية الواقع الاجتماعي والسياسي، ويثير تساؤلات حول دور السينما في تشكيل الوعي العام.

من أبرز سمات أسلوب مصطفى العلواني النقدي هي توازن رأيه الموضوعي مع الحساسيات الجمالية للأفلام. فهو لا يتسرع في إصدار الأحكام، بل يستند إلى تحليل شامل يغطي مختلف جوانب العمل الفني. كما يتجنب العلواني الوقوع في فخ التشدد أو التحامل على الأفلام أو المخرجين، بل يحرص على تقديم تقييم منصف يرتكز على المصداقية والاحترام لكل جهد فني.

يعد العلواني من النقاد القلائل الذين يركزون على النقد البناء، ويقدم توصيات حول كيفية تحسين الأفلام والارتقاء بها. هذه الميزات جعلته يحظى باحترام كبير بين زملائه النقاد وأيضًا بين صناع السينما الذين يتعاملون مع نقده بروح من الانفتاح والتعاون.

إضافة إلى مقالاته النقدية، كان لمصطفى العلواني حضور مميز في وسائل الإعلام المختلفة. فقد شارك في العديد من البرامج التلفزيونية والإذاعية المتخصصة في السينما، حيث كان يقدم رؤى جديدة حول أحدث الإنتاجات السينمائية، ويطرح أسئلة نقدية حول تطور السينما في العالم العربي. لم يقتصر دوره على النقد الكتابي فقط، بل امتد إلى تقديم ورش عمل ومحاضرات لطلاب السينما والمهتمين بمجال النقد، ما ساعد في نشر ثقافة النقد السينمائي بين الأجيال الشابة. ويُعتبر مصطفى العلواني من النقاد الذين لا تقتصر أعمالهم على تقديم تقييمات فقط، بل يسهمون بشكل فعّال في تنمية السينما المحلية. من خلال ملاحظاته الدقيقة وتحليلاته، أصبح العلواني مصدر إلهام لعينة من المخرجين والكتاب الذين يسعون إلى تحسين إنتاجاتهم. كما يشجع العلواني صناع السينما بالمغرب على التفكير النقدي في أفلامهم، ما يعزز من تطوير السينما بوطننا ويجعلها أكثر تأثيرًا.

ويأتي تكريم مصطفى العلواني في مهرجان سطات لفيلم الهواة كتتويج لمسيرته النقدية المتميزة، التي كرّس خلالها جهوده لتطوير وتوثيق المشهد السينمائي المحلي والعالمي على حد سواء. فالعنوان الذي يربط بين إسهامات العلواني النقدية وتكريمه في هذا المهرجان ليس محض صدفة، بل هو نتاج سنوات من العمل الجاد والمثابرة التي جعلت من العلواني مرجعًا هامًا في الساحة السينمائية.

من المعروف أن مهرجان سطات لفيلم الهواة يسعى إلى تكريم الأسماء التي أسهمت في الارتقاء بالسينما، سواء على مستوى الإنتاج أو النقد، وقد كان تكريم مصطفى العلواني بمثابة اعتراف بدوره في هذا المجال. العلواني الذي تميز بتقديم رؤى نقدية معمقة ومتنوعة حول السينما، جعل من نفسه أحد المدافعين البارزين عن سينما الهواة والفيلم المستقل. وبالرغم من الاهتمام الواسع بالسينما التجارية أو السينما الفنية التي يحكم عليها النقاد والجماهير على حد سواء، فإن العلواني كان من النقاد الذين أولوا اهتمامًا خاصًا للأفلام المستقلة وأعمال الهواة التي تملك رؤى تجريبية ومغامرة في الأسلوب. ومن خلال إسهاماته النقدية، ساعد العلواني في إلقاء الضوء على مواطن القوة والضعف في أعمال السينما المستقلة، وعمل على تحفيز المخرجين الجدد على تحسين تقنياتهم وتطوير أفكارهم. وكان دائمًا ما يشجع على الابتكار والإبداع، دون التقيد بالأطر التقليدية التي قد تحدّ من طموحات صناع الأفلام في هذه الفئة.

ولهذا فإن تكريم العلواني في مهرجان سطات ليس فقط تكريمًا لشخصه، بل هو اعتراف بدوره في تفعيل النقاش السينمائي، وفي دعم الهواة وصناع الأفلام الجدد. وتظل إسهاماته النقدية في هذا المجال محورية، لأنها تساهم في تعزيز الثقافة السينمائية بين الأجيال الشابة وتشجيعهم على إنتاج أفلام تحمل رؤى جديدة تتماشى مع التغيرات الثقافية والاجتماعية.