ما سأعرضه حقائق مدنية وليس تأملات دينية:
خطب الجمعة والمساجد إجمالا ليست بشركات للخوصصة، ولا سوقا للتحرير ولا حتى درهما للتعويم..
ومؤكد أيضا انها ليست برلمانا للمعارضة، ولا دائرة انتخابية للمنافسة، وحتما ليست منابر في اليوتيوب.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
المساجد بيوت الله، وهي أمكنة للتعبد تقربا من الخالق بعيدا عن الدنيا ومشاغلها، في المسجد انت في حضرة الله ولست في حضرة حروب الشرق الاوسط ولا مطامع الحكومات ...
وفي المساجد فرصة اغتسال من أوساخ الدنيا وأكثرها عفونة، شرط إخلاص النية للتواب الغفور الرحيم.
البوليميك يجعل المرء يفقد البوصلة والذاكرة.
لقد جربنا كوارث " ديمقراطية الوظيفة المنبرية" في المساجد، وتجرعنا مرارة الأسواق الحرة لخطب الجمعة.
كانت فوضى دينية رعاها وزيران سابقان في الداخلية والأوقاف والشؤون الإسلامية، ولهما فيها مآرب شتى.
ومن هذه المآرب أن وصلنا إلى " الحكومة الملتحية" على حد تعبير المرحوم عبد الكبير العلوي المدغري. وليس غريبا اليوم ان زبناء الحزب الملتحي، وتلامذة الوزيرين السابقين هم من يجري خلف " جوطية" جديدة في المساجد والخطب.
الصدمة الإرهابية التي تلقيناها يوم 16 ماي 2003 خرجت من " مساجد الكراجات" و " خطباء الدم"، واستمرت سنوات بعد ذلك.
استنزفت ارواحنا، ومواردنا وزمننا السياسي، وكنا على شفا فتنة لولا الطاف الله ويقظة المغاربة. الخطب والمساجد طريق الى الله لكنها قد تصبح طريقا الى الجحيم.
ذاك الجحيم الذي كدنا نعيشه، بينما لم يكن بعضنا يهتم سوى بعائداته الانتخابية من بيوت الله.
كانت تلك الفوضى خللا آخر في التنافس الشريف بين المتبارين في مضمار السياسة واللعبة الانتخابية.
في مواجهة "أمراء الدم" و" تجار الدين" خرج من بين صفوف أمتنا أمير المؤمنين، منذ يونيو 2004 وضع استراتيجية شاملة لإعادة هيكلة الحقل الديني.
وفي قلب هذا الإصلاح وضعت المساجد وخطب الجمعة، وكان احمد التوفيق بارعا موفقا في التتفيذ.
إطار قانوني جديد لتنظيم المساجد يحررها من سلطة وزارة الداخلية لتبقى تابعة لوزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية فقط، وتم وضع " دليل للإمام والواعظ والمرشد" يمنع تدخل الخطباء ومنابر المساجد في خلافات السياسة السياسية الدنيوية.
كان عملا جبارا وشاقا فيه كثير من مقومات فصل الدين عن السياسة وليس الدولة.
الدولة يرأسها ملك أمير للمؤمنين، وهذا واضح كفاية.
حين استعيد كل هذا المسار بآلامه ونجاحاته، أتساءل كيف لزعيمة يسارية مثلا ان تدعو الى فتح المساجد للدعوة الى الجهاد !!
وكيف لبعضنا ان ينشر ما يشبه دعوة إلى مقاطعة صلوات الجمعة في المساجد لأن خطب الجمعة " ما بقاش مسموح فيها بتفريق اللغى".
بل إني أتساءل كيف يلتقي كثيرون اليوم، مهما حاولوا إظهار التباعد بينهم، في جعل العبث داخل حقل إمارة المؤمنين مطية لبحثهم إما لاستعادة بكارة سياسية مفقودة، أو الاغتسال من عارف أخلاقي سببته النفس الأمارة بالسوء.