في الآونة الأخيرة، وتزامنا مع ما يقع في منطقة الشرق الأوسط من أحداث، عاد النقاش إلى الواجهة حول أدوار إيران الإقليمية، وللأسف فإن الكثير من النقاشات الملغومة طفت على السطح ، تحاول ان تقسم المغاربة الى من ومن ضد ايران وتوزع صكوك الانتماء الى الإنسية المغربية على هذا المقاس
لفهم الالتباسات في العلاقات المغربية الإيرانية، والمطبوعة بالتوتر، وكذلك بالحذر المشروع من الجانب المغربي.
فمن المعلوم بالضرورة في السياسة الخارجية المغربية، أنها محكومة بمقتضيات القضية الوطنية الأولى، باعتبارها محددا للسيادة، ولقد عبر المغرب مرارا عن انزعاجه من الدعم الذي تقدمه إيران ووكلاؤها لجبهة البوليساريو الانفصالية، وبتواطؤ وتنسيق مع الجزائر، وكانت إيران تقابل الاستياء المغربي المعبر عنه بوضوح عبر القنوات الدبلوماسية، وفي المنتديات الدولية والأممية والإقليمية، بالنفي دون تقديم ما يدحض الرواية المغربية، أو بالتجاهل.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
بعض من بني جلدتنا أخذتهم الحماسة (بالإثم)، بحيث كذبوا الرواية الرسمية المغربية، فقط لأن إيران وحزب الله نفيا تورطهما في تقديم الخبرة العسكرية والتدريب لميليشيات البوليزاريو.
لكنهم بلعوا ألسنتهم بعد أن سمعوا بوضوح تدخل ممثلة إيران في اللجنة الرابعة بالأمم المتحدة، المعنية بتصفية الاستعمار، والتي وصفت ضمنيا بلادنا بقوة احتلال، ودعت إلى منع بلادنا من التصرف في الثروات الفلاحية والبحرية والطبيعية في منطقة الصحراء الغربية (المغربية بالنسبة لنا تاريخا وحاضرا ومستقبلا).
إن هذا التدخل يفضح علنا المساعي الإيرانية إلى استهداف الاستقرار في المنطقة المغاربية، وهو الاستهداف الذي غايته الإضرار بمصالح بلادنا، ذلك أن إيران تعتبر أن تقدم دول محور الاعتدال يضر بمصالحها الاستراتيجية الهيمنية.
إن النموذج المغربي في الحكم، وفي السياسة الخارجية، والذي أثبت جدوائيته، باعتباره جوابا فاعلا في مناخ دولي موسوم بعودة النزاعات المسلحة، وخطابات الكراهية، يشكل تهديدا استراتيجيا لأي مشروع يستفيد من واقع الاضطرابات والتوترات الإقليمية خارج مجاله الجغرافي الوطني، ذلك أن إيران تسعى لإشغال المنتظم الدولي بالحروب الدائرة رحاها في المنطقة، حتى يتسنى لها تطوير مشروعاتها لإحداث توازن الرعب بينها وبين إسرائيل، والطريق لذلك هو قدرتها على صنع القنبلة النووية في غفلة من منتظم دولي مشغول بالإبادات الجماعية في مناطق خارج نفوذها الترابي.
لقد اختارت إيران وكلاءها وحلفاءها بعناية، إنهم من تستطيع التحكم في قراراتهم، حتى ولو كانت ضد مصالحهم، ومصالح شعوبهم، فعبر حزب الله تشغل جبهة الشمال الإسرائيلية، وعبر الحوثيين تبعث متى شاءت رسائلها لدول الخليج، تصعيدا أو هدنة، وعبر الميليشيات الشيعية في العراق تخنق الحكومات المحلية، وتمنعها من القرار الخارجي المستقل، وتجعلها تضبط سياساتها على توقيت طهران، وفي أحسن الأحوال ألا تغضبها.
وطبعا، لن تجد في شمال إفريقيا أقرب لها من ميليشيات البوليساريووالنظام الجزائي لاستفزاز المغرب، الذي تقيس علاقتها معه (من ضمن أمور كثيرة) على ميزان علاقاتها مع دول الخليج (الإمارات والسعودية باعتبارهما قوتين إقليميتين، والبحرين باعتباره بلدا يضم الشيعة، الذين تسعى إيران أن يكونوا تحت عباءتها).
قد يقول قائل: ما الذي سيربحه المغرب من تمتين علاقته بدول الخليج، إذا كان ثمن ذلك العداء الإيراني؟
إن ما لا يفهمه كثيرون، أن العداء الإيراني للمغرب، ولو ارتبط في جزء منه بطبيعة علاقاته مع دول الخليج، فمنشأه في الأصل هو الشرعية الدينية لمؤسسة إمارة المؤمنين بالمغرب.
ذلك أنه رغم النفوذ الروحي لكل من الأزهر الشريف بمصر، والمؤسسة الدينية بأرض الحرمين الشريفين، إلا أن إمارة المؤمنين بالمغرب تظل التهديد الروحي الأول لمؤسسة ولاية الفقيه بإيران، باعتبار النسب الشريف لملك المغرب، وهو النسب المهيمن على مشايخ التصوف المنحدرة طرقهم من التصوف المغربي، والتي لها امتدادات في إفريقيا جنوب الصحراء، والمغرب الكبير، ومصر، والشام، وهو تصوف سني من جهة، ومن جهة أخرى يعلي من مقام آل البيت الكرام، فيجمع بين مدرسة السنة والجماعة وبين نهج آل البيت المطهرين، وهو ما لا تريده إيران باعتبار أنها تقدم نفسها المؤتمنة على إرث آل البيت.
أما بالعودة، إلى علاقة المغرب بدول الخليج، فهي غير محكومة فقط بالاشتراك في خصائص كثيرة، ومنها طبيعة النظام الملكية (وهو بعد لا يجب إغفاله في محاولة فهم العداء الإيراني للمغرب، مادامت ان جزء من سردية أيران "الثورية" المزعومة مبني على القضاء على الملكيات)، بل مسنودة كذلك بالمصلحة/ المنفعة المشتركة، فكما دعم المغرب العديد من أنظمة الخليج العربي سياسيا وأمنيا ودبلوماسيا، فإن هذه الأنظمة بدورها تستثمر في المغرب، وتدعمه في المحافل الأممية، وتفتح قنصليات لها بالصحراء المغربية، ولذلك ارتقت هذه العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية التي فيها مصلحة جميع الأطراف.
وخلاصة القول، فإن عداء إيران للمغرب ثابت، أما "الصواب" فقد التزم به المغرب لسنوات، إلا أن حدة المؤامرة قد رفعت الحرج الدبلوماسي.