رسالة اخيرة إلى الزميل سليمان الريسوني بعد التحية والسلام. في البداية، أغتنم المناسبة، وإن كنت أتمناها في شروط أفضل، لكي أهنئك على العفو الملكي، وعلى عودتك لأحضان أسرتك الصغيرة، ولعموم عائلتك وأصدقائك، وليس الأمر من باب المجاملات، بل من باب الزمالة المهنية والعلاقة الإنسانية، الخالية من أي ضغينة أو حقد. تفاجأت مما ورد في حوارك الأخير مع موقع "الإندبيندينتي" الإسباني، من تهجم غير مقبول، وغير مبرر على شخصي المتواضع، وعلى النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وعلى المنبر الصحافي الذي أتشرف بالاشتغال فيه. لا أحد يجادل في أن التشهير مرفوض، ومدان، ويعتبر انتهاكا لميثاق أخلاقيات المهنة، حين يصدر عن صحافي أو عن موقع إعلامي، وإذا كان قد تكون لديك ما يكفي من الحجج والقرائن على أنك ضحية بشكل من الأشكال لهذا المسلك غير المشرف لصحافتنا، فالمطلوب والحالة هاته، هو سلوك المساطر القانونية، والتشكي لدى الجهات المختصة، لكن في المقابل لا يمكن أن تعتبر نفسك ضحية تشهير، ثم تمارسه بالتهجم على من اعتبرتهم خصوما لك، بدون أي حجة مقنعة. لقد وصفت النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالأداة المشلولة للنظام، والتي لم تتحرك لمساندتك أثناء محاكمتك واعتقالك، على خلاف ما كان يقع في الماضي كما قلت، من اصطفاف إلى جانب ضحايا قمع حرية الصحافة والتعبير. وهنا، اعذرني أن أطلب منك ذكرا لحادثة واحدة تنصبت فيها النقابة لصالح صحافي في ملف قضائي، هو محل نزاع بينه وبين أطراف مدنية أخرى، وفي موضوع لا علاقة مباشرة له بالصحافة وحرية التعبير.تتذكر جيدا، أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية كانت قد وكلت محاميا للترافع دفاعا عنك، حين كنت مسؤولا عن النشر بموقع "الأول"، لما تقدمت جمعية بشكوى ضد الموقع بسبب ما نشر فيه، فلم نتوانى يوما عن مؤازرتك، ومؤازرة الموقع، دفاعا عن حرية الصحافة. أما في الملف الأخير، والذي هو موضوع العفو الملكي الأخير، والذي لم أكن أريد الخوض فيه، احتراما للقرار الملكي، لأني اعتبرت أنه بعد العفو الملكي النبيل كان يجب طي هذا الملف، والتوجه نحو المستقبل، ولكن للأسف، خرجتك الأخيرة، تضطرني للتوضيح والرد. لقد كان موقف النقابة الوطنية للصحافة المغربية واضحا منذ البداية، ولم يكن لها إلا أن تتخذ هذا الموقف، وهو المطالبة بتوفير شروط المحاكمة العادلة، والمطالبة بالمتابعة في حالة سراح، لوجود كل ضمانات الحضور، بل إن النقابة اقترحت أن تقدم هي تلك الضمانات إن اقتضى الأمر، وثالثا محاولة البحث عن حل يحفظ حقوق وكرامة كل أطراف الدعوى. إن سياق متابعتك، كان مطبوعا بمتابعة زملاء آخرين، وبملفات كان فيها الطرف المدني يضم كذلك زميلات صحافيات، وعضوات كذلك في النقابة، فهل كان يستقيم أن تنحاز النقابة إلى طرف على حساب آخر، وفي ملفات من الناحية المسطرية لا علاقة لها بحرية الصحافة؟ ولعلمك، فإن هذا الموقف هو نفسه موقف الاتحاد الدولي للصحافيين حينها، وقد اجتمع رئيسه بكل الأطراف، واستمع لها، وهنا أسألك ثانية، ما دمت قد ذكرت رسالة الاتحاد الدولي للصحافيين الموجهة للنقابة الوطنية للصحافة المغربية بخصوص حالتك. لماذا لم ينصب الاتحاد الدولي للصحافيين أي محام دفاعا عنك، وهو الذي ينصب محامين للدفاع عن الزملاء الصحافيين في الملفات التي لها علاقة بحرية الصحافة، والتي تكون محط اهتمام؟ ولماذا لم يصدر أي بيان واضح في اعتبار محاكمتك لها علاقة بحرية الصحافة والنشر؟ أما الرسالة الأخيرة التي سبقت العفو عنك بأشهر قليلة، فهي رسالة مرتبطة بالمقرر الأممي الذي اعتبر متابعتك في حالة اعتقال إجراء تعسفيا، وهنا كان عليك أن تكون واضحا مع الرأي العام، فالمقرر الأممي كان واضحا في أنه لا يتطرق لموضوع الدعوى، أي لا يعتبرك لا بريئا ولا مدانا، وأنه يحترم حكم القضاء وحقوق كل أطراف الدعوى، وأنه يتطرق فقط للإجراء المسطري المرتبط باعتقالك، ومتابعتك في حالة اعتقال، ويدعو إلى تمتيعك بالحرية، حتى تمثل أمام المحكمة في حالة سراح، فالقرار الأممي لم يعتبر قرار المحكمة بإدانتك ظلما، لأنه صدر قبل البث في الملف قضائيا، وكان يتحدث فقط عن جزئية رفع الاعتقال، مع استمرار باقي الإجراءات القضائية. وفي هذه النقطة بالذات، فالنقابة الوطنية للصحافة المغربية كانت منذ البداية تطالب بمتابعتك في حالة سراح. لقد كنت عضوا في النقابة الوطنية للصحافة المغربية، واستفدت من مؤازرة النقابة لك عبر توكيل محام في قضية نزاع الموقع الذي كنت تديره "الأول" مع "جمعية الشباب الملكي"، فمتى أصبحت النقابة مشلولة كما قلت؟أهي أصبحت كذلك، لأنها طالبت بمحاكمتك محاكمة عادلة وفي حالة سراح، في ملف آخر، به أطراف مدنية أخرى؟ طبعا، لن أذكرك بمساعي النقابة لكي توقف إضرابك عن الطعام، الذي آلمنا جميعا، لأن ذلك من الواجب الذي لا نسعى لكي نشكر عليه، ولكن أتذكر سعي رئيس النقابة الحالي وكان حينها نائبا للرئيس السابق، ليس فقط من أجل توقيف إضرابك ضمانا لحقك في الحياة، وحقك في السلامة الجسدية، ولكن كذلك لبحثه الصادق عن حل لهذا الملف بما يمكنك من العودة لحضن أسرتك وزملائك، دون الإضرار بحق أي كان، بحيث يكون الحل مفيدا للجميع ولصورة الوطن كذلك، لكن للأسف ناله من طرفك في حوارك الأخير، وفي حقي ما أعتبره تجاوزا غير مقبول منك. وهنا أستغرب إقحامك للمقاولة التي نشتغل فيها سوية، أنا والأخ رئيس النقابة الزميل عبد الكبير اخشيشن.فلقد كنت عضوا في النقابة، وكنت والأخ عبد الكبير اخشيشن عضوين في المكتب التنفيذي، ونائبين للرئيس، ولم تطرح يوما الربط بين صفتنيا النقابية، والمقاولة التي نشتغل بها، فما استجد اليوم؟ ومما يستغرب له في حوارك الأخير، ادعاؤك أن بيانا صدر للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، وصفك والزملاء الذين شملهم العفو، بالصحافيين السابقين، وهو ما لم يحصل، فكل بلاغات النقابة السابقة للعفو واللاحقة عليه، كانت تصفكم دوما بالزملاء، ولم تصفكم يوما بالصحافيين السابقين، فهل هي زلة منك؟ أم هي وشاية كاذبة؟ أم زعم مضلل لهدف ما اقترفه الصحافي المحاور لك؟ يحق لي أن أسألك، هل كنت تطلع على ما ينشره الإعلام بخصوص ملفك، حين كنت معتقلا؟فلم يسبق لي ولا للأخ عبد الكبير اخشيشن، ولا للمدير العام للمجموعة الإعلامية التي نشتغل فيها الأستاذ أحمد الشرعي أن تحدثنا عنك بسوء، ولا شهرنا بك.ويمكنك أن تعود للتقرير الذي أصدرته منظمة هيومان رايتش ووتش بخصوص ما سمته صحافة التشهير، وهو تقرير لا أخفي تحفظاتي الكثيرة عليه، لا في منهجيته ولا في خلاصاته، ولكن أستحضره لأنك تستشهد بتقارير هيومان رايتش ووتش بخصوص ملفك. ففي هذا التقرير الذي عنونوه "فيك فيك"، لم يتم إيراد ولو مادة واحدة من المنابر العديدة التي تصدرها مجموعتنا الإعلامية فيها تشهير. وإن كات قدم حالات من مواقع مختلفة (مع إعادة التذكير بأننا لا نتقاسم مع التقرير تشخيصه) الزميل سليمان الريسوني: لا يمكن أن نحارب التشهير بالتهجم على الآخرين بدون دليل، ولا يمكن أن نعتبر الاختلاف في التقدير بخصوص أي موضوع، مما يدخل في النسبية، مبررا لتوزيع صكوك الغفران. أرفض أي مساس بشخصك، ولكن أرفض كذلك ما أعتبره عنفا لفظيا تمارسه في حق من أخترت أن تخندقهم في خانة معينة. ويؤسفني أن أذكرك بتوصيفات قادحة ،ووصم متضمن لعبارات نابية نالتني منك، (وأصبح يكررها كل من يريد النيل مني، ومنهم من يحيل عليك "قالها سليمان")، وقد سامحتك، أملا في أن نتوجه نحو المستقبل، لكنك تعيد الكرة مرة أخرى. أتمنى أن تتحرى الأخبار والوقائع التي حصلت في غيابك من مصادر متعددة، وحتى متناقضة، حتى تكون أكثر موضوعية، والأهم أكثر استيعابا للكثير من الأشياء. ستكون هذه آخر مرة، سأرد على ما أعتبره إساءة منك في حقي، فليست لنا خيارات كثيرة، فإما أن نظل في الماضي بأخطائه وصراعاته وأحقاده، وإما أن نرمي كل ذلك وراءنا، لأن أمامنا ما هو أهم وأكبر، ويستحق بذل الجهد فيه. وليست نصيحة مني، ولكن هو كلام يقوله كثيرون، ولا يجرؤون على مواجهتك به: لقد سقطت في إطلاق الرصاصات الطائشة دون تحديد الهدف بدقة، وأدمنت ردود الأفعال غير المحسوبة وغير المسؤولة، وابتعدت عن نهج التحري والتروي، مع العلم أن لك من الإمكانيات ما يؤهلك لما هو أسمى وأنضج وأجدى. وفي الختام: أتمنى لك موفور الصحة والسكينة،وصادقة أرجو أن تفتح نوافذك على المستقبل. مع تذكير بقوله تعالى: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى.