تجاوز سن الثامنة عشر لا يعني بالضرورة أن الشخص ذكرا كان أو أنثى، قد أصبح في خانة "العقلاء"، أو راشدا قادرا على التمييز بين ما فيه مصلحة و بين ما يحمل له مضرة مركبة قادرة بتداعياتها المعقدة على تدمير حياته.
سنكون متحاملين للغاية لو اعتقدنا أن الظروف التي تجعل منا راشدين واحدة، أو متاحة الوصول للجميع ضمن مسارات عادلة ، لأن النضج المتأني الذي يكسب الشخص رشدا لا يرتبط بتوالي الأيام، بل هي منظومة متكاملة بدايتها من الأسرة المتوازنة، والعلاقة الصحية المتكافئة بين الأبوين، مرورا بالمدرسة التي يفترض فيها أن تشرع أمام الطفل نوافذ يطل من خلالها على معارف ومهارات تساهم في تشكيل وعيه، تمهيدا لانتقال سلس من عالم القاصرين نحو عالم الراشدين الذين يستبعدهم القانون من دائرة المغرر بهم.
ومن يقتطع من وقته بضع دقائق، سيجد مئات الحالات لرجال ونساء مغرر بهم على قنوات إلكترونية تطل علينا بأجناس صحفية ما أنزل الله بها من سلطان، مهمتها "غير النبيلة" هي تعرية ضعف الناس، والتشهير بهم وتحويلهم إلى مادة للسخرية، وجعل قصصهم وكلماتهم مادة خام لصفحات تنتعش على التنمر والسخرية والتحرش ، وغيرها من الظواهر التي قطعت الجمعيات الحقوقية والنسائية أشواطا لانتزاع اعتراف بتجريمها، قبل أن تصبح هناك مواقع تواصل يشرف على تسييرها مراهقون ينسفون نسفا وبكبسة زر كل المكاسب التي بذلت من أجلها معارك على امتداد عقود.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
الحديث عن الانحرافات والسقطات الأخلاقية المتتالية لبعض المنابر يطول، لكن بالمقابل يجب الاعتراف أنها تكشف عن وجه من أوجه المجتمع البشعة التي لا نود مواجهتها خاصة في الشق المتعلق بالنساء، فنكتفي بإشهار صفة "الرداءة" كمبرر للقفز على الوضع وتركه على ما هو عليه، بدل فتح نقاش حقيقي حول كم النفاق الذي يغلف مجتمعا محافظا يحترف "ذكوره" التغرير بالنساء بدافع الحب والرغبة في الزواج، كما جاء على لسان عدد كبير من النساء اللواتي يمارسن في حقهن جلدا علنيا وموثقا للذات، من خلال تقاسم قصصهن المحزنة عبر منابر "الإثارة الإعلامية".
من يستمع لهذه العينة من نساء المغرب، لن يبالغ لو رفع مطلبا لتوسيع مفهوم التغرير حتى يشمل نساء قاصرات على المستوى التعليمي، والعاطفي، والحقوقي، والقانوني، والثقافي، والديني ، وإن تجاوزن سن الخمسين .. ذلك أن المتتبع "الراشد" سيكتشف كم التخبط والسذاجة، وأحيانا البلادة الصادرة عن هذه الفئة من النساء المطحونات ممن حرمن طفولة سوية وحبا أسريا حد التشبع ، إلى جانب غياب توعية حقيقية داخل المدارس حول طبيعة العلاقات التي ستجمعهم مع الجنس الآخر، دون إغفال تأثير العوالم المثالية الجارفة للعالم الرقمي التي تحولت لمصدر معرفة مشوهة تدفع "مغررا بهن" إلى التوهم أن مشاركة حاجاتهن العاطفية، وأسرارهن الحميمية أمام ميكروفون، سيكسبهن تعاطفا، أو سيجلب لهن رجل الأحلام عبر زر اللايك والمشاركة.
والمثير للدهشة والصدمة، أن أخريات لا يترددن في ترك أرقام هواتفهن على مواقع الكترونية "إخبارية" طلبا للمساعدة "العاطفية" ، ما يشكل مثالا صارخا لجريمة "التغرير بنساء راشدات " مع سبق الإصرار والترصد بهن في شوارع المملكة، حيث يبدو جليا أن حاملي الميكروفونات يتصيدون بكل خبث ضحاياهم من الفئات الهشة المفتقدة لما يلزم من وعي و توازن نفسي وعاطفي، واستقرار مادي ... في مشهد يكشف استمرارية إحكام حلقة التغرير بهذا النوع من النساء خارج حدود السن، مع فداحة الأضرار المرتبطة بمواقع التواصل، انطلاقا من التشهير مرور بالتنمر وصولا إلى محاولات تعميم نماذج مكانها الطبيعي فضاءات خاصة لتقديم الدعم النفسي والإرشاد.