هل مستوى الإجهاد المائي، الذي يعيشه المغرب الآن، مرحلي يرتبط بسنوات الجفاف التي تعاقبت على المملكة في السنوات الأخيرة؟ وهل تكفي مواسم من التساقطات كما عودتنا دورة المناخ لتعود الأمور إلى حالها كما كانت عليه؟ الجواب على هذه الأسئلة لن تكون صعبة، خصوصا وأن تحذيرات من خبراء ودراسات سبقت اليوم تفيد بأن المغرب يسير نحو أزمة في الماء بسبب تزايد الاستهلاك نتيجة النمو الديموغرافي وتناقص المخزون لعدم التوازن بين الاستهلاك والتزود، وأيضا لضعف مصادر الماء.
لقد أفادت دراسات، منذ سنوات، أن حصة الفرد في المغرب من الماء تتناقص بشكل كبير، وهي الآن أقل من 650 مترا مكعبا للفرد بعدما كانت في ستينيات القرن الماضي تتجاوز 7000 متر مكعب.
وسبق لخبراء أن حذروا من وقوع أزمة في الماء في المغرب، وارتفعت أصوات تطالب بإيجاد حل قبل استفحال الوضع. لكن للأسف تأخرت الحكومات المتعاقبة في إعطاء الموضوع حقه. وطبعا مع كل تأخير ترتفع التكلفة سواء المادية منها أو النتائج التي يحصدها المواطن والبيئة والمجال. وكل ما كان هو حملات تحسيسية لم يثق المواطن فيها ولا في جدواها خصوصا في جانب ارتكازها على الحلقة الضعيفة، التي هي المواطن، وإغفال المجال الذي كان من الواجب أن يكون مكمن الترشيد في الماء بحق. وللأسف فعدم الثقة في الحملات السابقة سيستمر لحد الآن وهذا فيه خطورة كبيرة، خصوصا وأن أزمة الماء بلغت مرحلة مخيفة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
المرحلة صعبة جدا ويجب مواجهتها بحزم وجدية. والحملات التحسيسية يجب أن ترافقها إجراءات ترسخ مستوى الثقة عند المواطنين. كما أن المواطن يجب أن يعي بأن مرحلة الرفاه في الماء قد انتهت وهناك ضرورة ملحة للتعامل مع الماء بشكل عقلاني يقوم أساسا على الترشيد وعدم التبذير. كما أن الحكومة يجب أن تسرع في إنجاز المشاريع المائية منها تحلية مياه البحر. لكن الحكومة أيضا يجب أن تعمل على إدارة الموارد المائية من خلال تطبيق تقنيات الري الدقيقة، وإعادة استخدام المياه بعد معالجتها وحماية الموارد المائية والحفاظ على النظم البيئية المائية، وأيضا التوعية والتعليم ونشر المعرفة حول أساليب استعمال الماء وطرق الحفاظ عليه. إضافة إلى كل هذا هناك حاجة ماسة لدعم البحث العلمي والتطوير في مجال الماء.
لا مفر من الاعتراف بأن مستقبل العيش في رفاه وسلم لن يتوفر في حالة انهيار المنظومة المائية، وهذا ما أقرته كل الاتفاقيات الأممية المهتمة بالماء. ولهذا فإن بلادنا أمام تحد خطير وعلى أهمية قصوى. وكل تأخير في محاصرة الأزمة هو تسريع لحدوثها. والكل هنا معني، وعلى رأس المعنيين السياسات العمومية في المجال الفلاحي. لقد تسببت بعض السياسات التي اتبعها المغرب في المجال الفلاحي في خلق أزمة الماء، خصوصا في عدم انتباه تلك السياسات إلى جانب المنظومة الأيكولوجية للماء. فقد أدت زراعات إلى استنزاف الفرشة المائية في العديد من المناطق، وما وفرته مئات السنين لهذه الفرشة تم هدره في أقل من عقدين من الزمن في ما سمي بالمغرب الأخضر. والحكومة مطالبة بإعادة النظر في مخططاتها الفلاحية، وهو القطاع المستهلك الأول للماء. كما يجب اتباع تدابير تأخذ البيئة في عين الاعتبار.