في أقل من عامين قام الملك محمد السادس باختراق غير مسبوق للتردد والإرتباك الفرنسي في موضوع السيادة المغربية على الصحراء، رسالة رئيس الجمهورية الى الجالس على العرش في ذكراه الخامسة والعشرين هي نتيجة ديبلوماسية ملكية صبورة، نشطة وفعالة.
منذ 2007 طبق المغرب مقولة ترك الوقت للوقت لتطوير الموقف القرنسي من نزاع الصحراء، غير أنه وفي صيف 2022 كان رصيد الوقت قد بدأ ينفذ من الفرنسيين.
يوم 20 غشت 2022، وفي آخر خطاب لثورة الملك والشعب قبل حذفه من برامج الخطب الملكية حتى بدا وكأنه خطاب التنبيه الأخير، قال الملك محمد السادس بحسم ووضوح : "ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل".
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
العاهل المغربي أوضح أيضا إن "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات".
عامان إلا عشرون يوما بعد ذلك، يوم 30 يوليوز 2024، الرئيس القرنسي إيمانويل ماكرون يؤكد في رسالة إلى ملك المغرب أنه يعتبر أن "" حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية".
وتحقيقا لهذه الغاية، شدد الرئيس ماكرون على أنه "بالنسبة لفرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية‘‘. ويضيف رئيس الجمهورية أن هذا المخطط "يشكل، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ".
الى حدود التوتر المغربي الفرنسي خلال زلزال الحوز في شتنبر 2023 لا أحد توقع حدوث هذا الزلزال الديبلوماسي الفرنسي في منطقة النزاع الإقليمي. الاعتراف الفرنسي اليوم بالسيادة المغربية هو بنفس قوة ومفعول الاعتراف الاسباني منذ الدينامية التي أطلقها قرار الولايات المتحدة في دحنبر 2020، لم تفتح واشنطن قنصليتها بالداخلة حتى الآن، لكن موقفها فتح أمام المغرب أبواب العواصم الأوروبية.
سارت فرنسا على نفس النهج الإسباني، موقف باريس اليوم يختلف عما كان عليه منذ 2007، فهي صارت تؤكد على أهمية الصحراء بالنسبة للرباط، وعلى السيادة المغربية على أقاليم النزاع، واستعار ماكرون "ألف لام" التعريف الإسبانية، لما اعتبر الحكم الذاتي ليس "أساس" فقط كما في السابق بل "الأساس" كما في رسالة بيدرو سانشيز.
غير أن باريس تجاوزت مدريد في اللغة، في الرسالة الإسانبة نقرأ أن مدريد تعتبر الحكم الذاتي " الأساس الأكثر جدية وواقعية .." وفي الرسالة الفرنسية نقرأ " الأساس الوحيد"، لم يكتف القرنسيون بحروف التعريف التي تستبعد أي خيار آخر، بل أكدوا على إغلاق باقي طرق الانفصال بإضافة " الوحيد".
سبق هذا الاعتراف الديبلوماسي اعتراف فرنسي اقتصادي وثقافي، توجيه الاستثمارات الفرنسية نحو الصحراء وفتح مؤسسات تعليمية هناك كانت أولى الإشارات على طريق القطع مع التردد والازدواجية في الموقف الديبلوماسي، واولى الإشارات في التحول من منطق" التبعية" الى منطق " الندية ورابح رابح".
في الواقع، كانت فرنسا بموقفها المتردد تسير نحو عزلة دولية في الصحراء، خطاب الملك في 20 غشت 2022 رسم أمامها صورة هذه العزلة، أشار العاهل المغربي الى الموقف الأمريكي، مواقف اسبانيا والمانيا وهولندا والبرتغال .. وأشار الى 30 دولة فتحت قنصليات في الداخلة او العيون، وعرج على الدول العربية ثم أمريكا الاتينية حتى أفريقيا.
شعر الفرنسيون بأن مصالحهم في المغرب تحفها المخاطر، مدريد على سبيل المثال بدأت تتجاوز باريس في السوق المغربية، ودخلت ألمانيا على خط المنافسة، لقد زاد ذلك من مخاوف الدولة القرنسية، عزلتها الدولية في الصحراء ستكون كلفتها مرتفعة.
من حسن جظ القرنسيين أن لدى العاهل المغربي وعي عميق بأهمية وفرادة العلاقة المغربية الفرنسية، وحتى حين جنح الفرنسيون الى التصعيد الاعلامي وفي البرلمان الأوروبي، ظل حريصا على الهدوء، التسامي، لديه تقدير كبير لقوة الروابط التاريخية، الانسانية، الثقافية، الاقتصادية بين البلدين والشعبين.
لما توجه المغرب شرقا نحو روسيا والصين والهند، وغربا نحو واشنطن واسرائيل، اعتقد الفرنسيون، وبعض الاوروبيون أن المغرب يطوي صفحة القارة العجوز، وأنه يسير نحو التخلي عن قارة فقدت ميزات " المركزية الأوروبية"، كل المناورات بدأت من تلك اللحظة، وظهرت أطروحة "تركيا جديدة في شمال افريقيا ينبغي لجم اندفاعتها".
كانت التجربة الإسبانية بالنسبة للمغرب تفنيدا عمليا لكل المخاوف التي تقف خلف الهجمات المجانية التي وصلت الى استهداف رمز الأمة ومؤسساتها السيادية، فرغم التوتر الشديد توصل المغرب واسبانيا الى توافق تاريخي في الصحراء وصفقات مربحة في الاقتصاد.
في خطاب ثورة الملك والشعب سنة 2021، مد الملك يده الى ماكرون ، طمأنه ودعاه الى السير على خطى بيدرو سانشيز، من الواضح ان ماكرون رد التحية بمثلها، ولو بعد حين، لكنها كانت تحية اعتراف بالسيادة في ذكرى العرش المغربي.
كان ذلك ذوقا فرنسيا مختلفا، فرنسا هي تاريخ عريق في البرتوكول والأيتيكيت، خصوصا لما يكون المعتي بالأمر هو المغرب وملك المغرب.