عيد الأضحى.. مهن موسمية تنعش جيوب العاطلين

رشيد قبول الاثنين 17 يونيو 2024

بين رافض للعيد داع إلى إيقاف الاحتفال به هذا العام بسبب الغلاء الذي ضرب أسعار الأضاحي، ومؤيد لهذه الشعيرة مفضلا عدم التفريط فيها تختلف الآراء وتتباين وجهات النظر..

ذلك أن دورة حياة كاملة تنتعش في "العيد الكبير".. كما اختار "عبد النور" تلخيص الحركة الموسمية التي يبثها عيد الأضحى في المجتمع، وخاصة في وسط الأحياء الشعبية التي تعرف انتشار الكثير من الأنشطة التي تعود ببعض المداخيل على ممتهنيها.. في الروبورتاج التالي محاولة لرصد هذه الأنشطة..

ليس عيد الأضحى هو الكبش أو الأضحية فقط، ولكنه فترة لتدبر بعض المداخيل لدى شرائح متعددة من المجتمع، ففي عيد الأضحى يشتغل الكبير والصغير، كل حسب ما يفضل أو يختاره سبيلا لمدخول مادي يغني الجيوب ويشرح الأنفس.

ففي هذا العيد تتجسد المقولة الشعبية القائلة "حج وحاجة"، حج بالاحتفاء بالأضحية وحاجة يقضيها كل من يسعى لتجاوز العطالة ولو مؤقتا في الأيام التي تسبق موعد النحر.

حمالون رهن الإشارة

ما يكاد المقتني لأضحية العيد بسوق الرحمة، التي غدت تحتضن "رحبة بيع الأكباش" على مستوى الجهة الجنوبية من البيضاء، حتى يحيط به عدد من الشباب وحتى الأطفال، فعند هذه اللحظة بالذات يصيح هؤلاء الأخيرون "خاصك شي قنب أعمي"، عارضين الحبال البلاستيكية المختلفة الألوان التي يحملون بعضها، والتي بواسطتها يتحكم المضحي في الكبش الذي اقتناه. وبعد ذلك يواجه الأخير طلبا آخر من شباب يعرضون خدماتهم لحمل الخروف وإخراجه من السوق إلى غاية موقف سيارات النقل، أو الدراجات الثلاثية العجلات التي يتسابق سائقوها لاقتناص زبائنهم من داخل "الرحبة".

وفي هذا السياق يقول "عبد الرحيم" وهو أحد المشتغلين على إحدى هذه الدراجات الثلاثية العجلات، إن "العيد يشكل فرصة له من أجل رفع مداخليه، وتدبير مصروف أسرته"، معترفا في الآن ذاته، أن "رواج العيد هذا العام عرف بعض التأخر"، مفسرا ذلك ب "الارتفاع الكبير في أسعار الأضاحي هذه السنة"، الأمر الذي "انعكس على الرواج بالسوق، وتأخر العديد من المواطنين في اقتناء الأكباش". لكن سائق التريبوتور هذا سرعان ما عاد ليؤكد أن "أيام خدمته بالرحبة كفيلة بجعل يحصل على ثمن عبده".

فنادق للخروف

في ظل التحول التي عرفته الكثير من بنيات الاستقبال الخاصة بالعديد من الأسر التي باتت تقطن شققا بالكاد تتسع لأفرادها، بعد أن غزت عمارات السكن الاقتصادي أحياء البيضاء، أصبح استقدام خروف العيد إلى هذه العينة من المساكن من "سابع المستحيلات"، إلا لمن اضطرته الظروف وفرض عليه "ضيق ذات اليد" التعايش مع هذه البهيمة لأيام تحت سقف واحد، سانحا لها بالفرقة لكي تحتل الشرفات أحيانا، أو الحمامات في أحايين أخرى.

لكن في ظل سعي بعض شباب الأحياء الشعبية إلى اغتنام فرصة العيد لكسب بعض الموارد المالية، فإن خرفان الجيران تنعم قبل نحرها بالاستقرار في "فنادق غير مصنفة"، لأنها لا تدخل في إحصاءات وزارة السياحة.

وكنموذج لهذه المآوي التي يسميها المشرفون عليها "فنادق الخرفان"، فإن شباب من منطقة الحي الحسني بالدارالبيضاء ينتمون لأحياء الوداد والرجاء وغيرهما، تنافسوا خلال الأيام التي سبقت عيد الأضحى في استقطاب زبائن من مقتني أكباش العيد.

وفي هذا السياق صرح أحد المشرفين على هذه العينة من الفنادق بأنه "دأب على استغلال أحد الفضاءات القريبة من سكنى أسرته لإعداد مأوى لخرفان الجيران"، مضيفا أنه "شرع قبل أسبوع من يوم العيد في استقبال الأكباش"، ومشيرا إلى أن "السومة المحددة لإقامة كل خروف هي 25 درهما لليلة الواحدة"، حيث يعتني رفقة مساعديه بهذه المواشي، و"يسهر على سلامتها ومأكلها إلى غاية الساعات الأولى من صباح العيد".

واعترف هذا الشاب أن "هذه الخدمة الموسمية لا تخلو من بعض المغامرة والمخاطر، في ظل تعامله مع عشرات من الخرفان التي قد يؤدي تناطح بعضها مع بعض إلى نفوق أحدها"، لكنه سرعان ما عاد ليؤكد أن "الأمور تخرج بسلام في كل عام".

تجارة موسمية

حيثما تولي وجهك هذه الأيام، خاصة بالأحياء الشعبية البيضاوية، من قبيل: الحي المحمدي، الحي الحسني، درب السلطان، درب الكبير ودرب علف وغيرها، لا صوت يعلو على صوت الاستعداد "للعيد الكبير"، من أجل هذه الغاية تمتلئ الشوارع بأكوام علف المواشي، وكذا أكوام الفحم والبصل، ولا غرابة في ذلك لأن مناسبة عيد الأضحى تتطلب توفر هذه المواد بكميات وفيرة داخل كل بيت، بالإضافة إلى السكاكين الصينية المصدر التي تتراكم على عربات العديد من الباعة الجائلين.

ولأن الإقبال يكون كثيفا، فإن هذه البضائع تصير "حرفة من لا حرفة له"، طمعا في كسب بعض المداخيل التي تعين مروجيها من الشباب على استقبال فصل الصيف الذي يتطلب السفر واقتناء بعض الملابس.

وفي تصريح لأحد الباعة الموسمين ل (أحداث أنفو)، صرح هذا الأخير أنه "اعتاد كل عيد أضحى اقتناء كميات مهمة من الفحم التي يقصد من أجلها "القريعة"، وبالضبط سوق الجملة للفحم الذي يقع خلف "سوق العيون" حيث تباع الدواجن ومختلف أنواع الطيوى، فمن هذا السوق "يقتني العشرات من قناطر الفحم التي يوزعها في نقط مختلفة لبيعها بالتقسيط".

وقد أكد هذا البائع الموسمي للفحم أن "عائدا ماليا مهما يجنيه من هذه التجارة"، التي سرعان ما يغادرها بانقضاء العيد ليعود إلى بضاعة جديد حسب الموسم، مرددا "في الحركة بركة"، و"بركة العيد الكبير - كما صرح بذلك - تنعش رأسماله وتشجعه على مواصلة تجارته".

هكذا هو العيد في الأحياء الشعبية بالبيضاء، إرهاق لجيوب الأولياء وانتعاشة لموارد بعض الأبناء، الذين يرددون: "اللهم أدمها نعمة"..