بقلم حسن حليم.. القصة الرائعة لرحلة أيقونة الموسيقى المغربية الدكالي لأرض بني مسكين

حسن حليم الأربعاء 22 مايو 2024

بعد نجاح اللقاء التاريخي الذي جمع الموسيقار عبد الوهاب الدكالي مع تلميذات وتلاميذ مجموعة مدارس دار الشافعي2 تلقيت عدة رسائل عبر شبكات التواصل،عبارة عن سؤالين مباشرين، حيرا واضعيهما...

" كيف استطعت اقناع الموسيقار لقبول دعوتك ؟؟".

" ماهي الطريقة التي استدرجت بها الدكالي حتى يلبي دعوتك ؟؟.

سؤالان ينم أولهما عن حسن نية وعن فضول مشروع، فيما يخبئ الثاني خبثا وسوء نية...

كتت أجيب عن السؤالين بشعور اقتنعت به :

" رضات الوالدين او صافي".

مايربطني بسي عبد الوهاب يفوق منطقي الربح والخسارة. مايجمعنا بدأ بالفن واستمر بإحساس إنساني وثقة متباذلة.. قال لي ذات مرة أحد أصدقائه المقربين " عندما يثق فيك الدكالي، يجلس معاك فوق لحصيرة ويشرب معاك اتاي". البداية كانت من خلال ورقة نقدية لأغنيته الرائعة " مولد القمر" التي عشقتها حد الجنون. كانت قد نشرت عبر صفحات جريدة الأحداث المغربية من خلال سلسلة " أغاني بعيدة عن الجمهور، قريبة من أصحابها". كان تحليلا أعجب الدكالي كثيرا ، وهاتفني ذات مرة وقال لي " ياسلام أبدعت وأمتعت، كأنك كنت معي وأنا ألحنها' اتصال هزني ورفع من معنوياتي وأجبته " أنت المبدع الحقيقي يا أستاذ ".

بعدها توالت المكالمات واللقاءات، وكان في كثير من المرات يستدعيني لحضور لقاءاته الفنية، وكان يبعث لي ببعض أغانيه الجديدة. من بينها أغنية عن الطفل ريان ، رحمه الله، وآخرها أغنية عن إنجازات الفريق الوطني في مونديال قطر.

كلنا نعرف تراكمات عبد الوهاب الدكالي الفنية، لكن الكثيرين لا يعرفون إنسانية هذا الرجل. خارق الذكاء في التواصل. لا يقبل النفاق، لأنه يستشعره في الآخرين، يحب البساطة والصراحة.

كنت دائما عتدما أجالس الموسيقار، أتحاشى الإكثار في الكلام ،أو المبالغة في المدح، فهو يكره ذلك. كنت في كثير من الأحيان أنزع قبعة الصحفي وأضعها جانبا، وكان يحب ذلك. نتناقش في أمور شتى..عندما اقترحت عليه الذهاب إلى منطقة بني مسكين، قبل الفكرة وحبذها، خاصة عندما أقنعته أنه سيكون داخل حرم مؤسسة تعليمية عمومية ، إسمها مجموعة مدارس دار الشافعي 2. وأن الفئة المستهدفة، هن تلميذات وتلاميذ العالم القروي. اتفقنا على الزمان والمكان. لا أخفيكم سرا فرحتي وسروري، لكن شيئا ما أرقني وجعلني أتخوف لأسباب أجهلها حتى الآن. فعلا على الساعة العاشرة من يوم الجمعة 17 ماي 2024 كتت عند باب العمارة التي يسكنها الدكالي. كان برفقتي الصديق عبد المجيد بريش أحد عازفي الكمان الماهرين، الذي أبى إلا أن يضع سيارته رهن إشارتنا لنقل الدكالي.

 عندما توقف المصعد وفتح بابه، بدا لنا العميد بأناقته المعهودة وشموخه الراقي. لكن ما أثار انتباهي ، هو أنه أصر على حمل آلة العود. قلت في نفسي " أواااه الدكالي غادي يغني لينا" . ركبنا السيارة رفقة صديقه عبد السلام الخطيب وتوجهنا نحو مدينة سطات، ثم بعدها منطقة دار الشافعي بقبائل بني مسكين.

في الطريق كنا نتباذل النقاش حتى ننسيه عبء السفر. عندما وصلنا إلى منطقة عين البلال المحادية لواد أم الربيع، أحس الدكالي بانتعاشة ساحرة، تنهد من خلالها وقال " الله على بريد، ياسلام"  تنفست الصعداء عندما تأكدت أن الدكألي منشرح.

عند وصولنا إلى باب المؤسسة التعليمية، وجدنا في استقبالنا، الساكنة والأطر التربوية ،عند مدخل الباب كانت التلميذات والتلاميذ يرفعون الأعلام الوطنية، فيما قدمت له إحدى التلميذات باقة ورد وقالت له " اننا نحبك يا أستاذ" .

لاحظت حينها أن العميذ غمره شعور بالاعتزاز، وبدت دموع الفرح على عينيه،قبل أن يجيبها " وأنا كذلك صغيرتي". بعفويته وتواضعه ، التزم الدكالي بالبروتوكول الذي سطره المنظمون. زار حجرات الدرس وبعض الورشات، وتقاسم الحديث مع الأطر التربوية والتلميذات والتلاميذ، وتقمص دور المعلم حينا ،ثم دور التلميذ حينا آخر.

لاحظت من خلال ماشاهدت أن عبد الوهاب الدكالي كان  سخيا في تعامل مع الجميع، كان يقبل الجميع ويأخذ الصور مع الجميع. وكانت الابتسامة لاتفارقه. خلال الحفل ، أصر العميد على الغناء رفقة عوده، صاحبه أعضاء فرقة القمر الأحمر. أدى معهم ثلاث قطع غنابية في تماهي جميل مع التلميذات والتلاميذ والحضور. ما أجمل تلك اللحظات. عند انتهاء الحفل قال لي" اتدري ياحليم ماالذي أفرحني" قلت له " لا ياستاذ " قال لي " تلك النظرات البريئة التي بدت على ملامح الأطفال أسعتدني، وكذلك نسيم البادية الجميل أنعشني وأعطاني قوة خارقة".

عند وصوله إلى السيارة ، بعدما ودع الجميع قال لي " كلم لي مدير المؤسسة بغيت نشكرو" قلت له " أنا هو مدير المؤسسة " ، نزع نظارتيه وصمت برهة. قلت في نفسي " ناري ماقلتش ليه أنا هو المدير، ربما تقلق من هذا السر" قبل أن يقول لي " سير الله يرحم الوالدين ".