الحشاشين

طارق جبريل الخميس 02 مايو 2024
No Image

ككل رمضان أحاول أن أستقطع وقتا لـ«دراما رمضان». قرأت كثيرا عن اللحظات الأخيرة من تصوير المسلسلات التي تجعل المشاهد «متسمرا» أمام الشاشة، اعتدت في البدء البحث عن أسماء المؤلفين وكاتبي السيناريو حتى لا أضيع وقتا كبيرا لتتبع عمل ما لأجده لا يستحق عناء المشاهدة، من بين الكتاب الذين أجد متعة في تتبع إنتاجهم الكاتب عبد الرحيم كمال، فعرفت أن «الحشاشين» ستكون عمله الذي يطل به علينا هذا العام فتابعته دون أدنى تفكير.

تمتاز أعمال عبد الرحيم كمال بأنه يضع لك «فخ» الفكرة الجاذبة والمبهرة من خلال أي حوار داخل العمل الدرامي قد تخاله حوارا هامشيا، لكن مع توالي الحلقات تكتشف أنه اللبنة، التي بني عليها العمل كما كان يفعل الفذ محمد جلال عبد القوي خصوصا في الجزء الأول من «المال والبنون»، الذي عرض منذ سنوات خلت، وكان نقطة مضيئة في الدراما الرمضانية، ففي الحوار الذي دار بين «عباس الضو» و«سلامة فرويلا» حول آية «المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا»، تلك كانت الإشارة الأولى لأحداث هذا العمل الماتع، عبد الرحيم كمال كانت لديه نفس الطريقة لكنه هنا اختار عدة رمزيات، ربما لأن العمل مستوحى من قصة فئة دينية كان عليها خلاف كبير في تقييمها كتجربة إسلامية وكذا خلفيته الصوفية التي ربما حاصرت ملكاته الإبداعية، خصوصا والعمل يتناول بعدا دينيا طائفيا، حاول كمال أن يأخذ مسافة من الصراع «السني الشيعي» في فترة غامضة من التاريخ الإسلامي ونهاية الدولة العباسية في القرن الحادي عشر.

الأعمال الدرامية تحتاج إلى رأي قاطع يصلك كمشاهد من البداية لجعلك قادرا على متابعة العمل بشكل جيد والاستمتاع بالحوارات التي فيه والقادرة على توصيل الفكرة. هذا الجانب أضعف شيئا ما فكرة المسلسل وجعل جزءا من الحلقات تبدو وكأنها إطارات سردية تاريخية. ضبابية الفكرة تجعل المشاهد تائها وربما يمل دون موقف قوي يوصل للمشاهد جوهر العمل ككل، وإن كانت ملامح العمل بدأت تتضح بعد أن استولى «حسن الصباح» وأتباعه على «قلعة الموت».

دون شك لا يمكن أن نقيم أو نحاكم أي عمل درامي من خلال أحداث تاريخية ثابتة وحتى وإن كانت فكرة المسلسل الأساسية مبنية على وقائع تاريخية أو حتى مستلهمة منها بشكل مباشر، يمكن للسيناريست أن يحور في الأحداث ودور الشخصيات وفقا للرؤى الدرامية التي يراها ويود من خلالها إيصال «فكرة» ما، أن يجعل من شخصية «عمر الخيام» شخصية ثانوية فهو يملك حرية مساحات أبطال العمل الدرامي وفقا لرؤاه، أن يستخدم اللغة العربية الفصحى أو غيرها هذا خياره، الدراما ليست وثيقة تاريخية، العمل هو عمل فني بحت وبالتالي من غير المعقول أن يصبح الخلاف التاريخي واحدا من أدوات تقييم العمل، قد يكون مقتبسا من رواية أمين معلوف «سمرقند» أو حتى من مؤلف محمد عثمان الخشت «حركة الحشاشين» لكنه وفقا لرؤى عبد الرحيم كمال ومن ثم للمخرج بيتر ميمي.

على مستوى الأداء الممثل كريم عبد العزيز يكاد يكون هذا الدور فرصته الذهبية لتثبيت نجوميته، وإن كنت على المستوى الشخصي يستهويني في الدراما الفكاهية لكنه أثبت أنه ممثل موهوب، أما فتحي عبد الوهاب فأجاد إلى درجة التماهي وامتلك أدوات كاريزما الشخصية بشكل كبير.

إنا لله.. كما توقعت أثار عبد الرحيم كمال جدلا كبيرا بمسلسله الجديد، رغم الملاحظات التي في مجملها لا تخل بالعمل ككل إلا أنه يظل مؤلفا بارعا، لذا حجم التوقعات لسيناريوهاته يزداد عاما بعد عام.