عمر إسرى: جيل تمغرابيت مشروع مجتمعي لنهضة وطنية شاملة

حاوره: ياسين حكان الخميس 18 أبريل 2024
No Image

يدور النقاش في المغرب هذه الأيام حول إصلاح مدونة الأسرة، والجدل الذي صاحب التعديلات التي ستتضمنها المدونة الجديدة، والخطابات المرافقة لها، ولاسيما أن هناك تدافعا وسجالا مجتمعيا حولها.

في هذا الحوار مع جريدة الأحداث المغربية و موقع أحداث. أنفو، يسلط الإعلامي عمر إسرى، رئيس منظمة جيل تمغربيت، الضوء على المنظمة الفتية وتصورها لقضايا مجتمعية مثل مدونة الأسرة وإصلاح التعليم والصحة والأحزاب والتعدد اللغوي بالمغرب.

1- بداية، ماذا تعني لكم تمغربيت التي اتخذتموها شعارا لمشروعكم ومنظمتكم، هناك من يعتبرها مجرد شعار شعبوي لدغدغة العواطف بعيدا عن منطق المشروع، ما هي ملامح هذا المفهوم انطلاقا من أدبياتكم؟

تمغربيت التي حاولنا التأصيل لها في تيارنا انطلاقا من سنة 2019، ليست كلمة تردد أو شعارا شعبويا يطلق على عواهنه، هي بالنسبة لنا مشروع مجتمعي، تصور للتغيير يمس مختلف جوانب السياسة والمجتمع والاقتصاد والثقافة وغيرها، تمغربيت هي محاولة لخلق نهضة شاملة من خلال العودة إلى ثقافتنا وقيم أجدادنا والتراكم الحضاري الذي وصلت إليه المملكة عبر التاريخ، عوض استيراد نماذج جاهزة من الشرق والغرب ومحاولة تفعيلها في سياق مختلف، هي تحمينا من الوقوع في أحضان الاستلاب لكنها لا تدعونا أبدا إلى التقوقع على ذواتنا.

تمغربيت بالنسبة لنا على ضوء تأصيلنا، مشروع جاهز لتحويله إلى سياسات عمومية تمس مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، الأسرة والتعليم والإعلام والأحزاب وغيرها، في سبيل تربية أجيال جديدة متشبثة بوطنها وتجعل من مصالحه العليا أولوية الأولويات، أجيال تفتخر بحضارتنا العريقة وتقوي وحدتنا الوطنية من داخل تنوعنا الذي يغني هذه الوحدة ويميزنا عن بقية شعوب العالم، أجيال تتربى داخل الأسرة وفي المدرسة والإعلام وداخل الأحزاب والجمعيات على قيم الوطنية والتسامح والتعايش والانفتاح والنزاهة والمسؤولية والانضباط، هي قبل كل شيء منهج لصقل مناعة وطنية وهوياتية ضد الاستلاب والاغتراب والتفريط في هويتنا الجماعية وفي قضايانا المصيرية، هي بوصلة للأجيال الحالية والقادمة من شأنها أن تهديهم إلى المستقبل بأمان دون فقدان خصوصياتهم، ودون أن يصيروا لقمة سائغة أمام أنياب العولمة في عالم متقلب موسوم باهتزاز القيم.

مثلا حينما نتحدث عن المدرسة فلدينا مشروع واضح يرمي إلى تحويلها إلى فضاء حقيقي لتلقي العلوم ومواكبة التطور الذي تعرفه خدمة لتنمية وطننا، مع ترسيخ قيم أجدادنا التي نراها أساسية، فضاء لتعزيز استعمال لغتينا الرسميتين والانتصار لثقافتنا أولا، لشعرائنا وأدبائنا، لتاريخنا وأعلامنا وملاحمنا، حتى نرسخ في عقل الطفل ووجدانه مركزية الحضارة المغربية والافتخار بالانتماء لهذه الأرض المباركة، كمركز لا كهامش، كما تحاول بعض التيارات ذات التوجهات المستوردة الفوق-وطنية أن تجرنا إليه، كما ندعو إلى تكثيف الأنشطة التي ترسخ الانضباط وتنمية الحس الوطني، طبعا مع الانفتاح على اللغات الأكثر تداولا في العالم وعلى كل ما هو مفيد في جميع الثقافات والحضارات الإنسانية.

2- انتقدتم ظاهرة البلقنة الحزبية وأبرزتم مخاطرها على الحياة السياسية، ألا ترون أن استمرار تكاثر الأحزاب يكرس هذه الظاهرة ويسهم في تنامي العزوف السياسي؟

بالنسبة لمسألة الإصلاح الحزبي، فنحن نعتقد أن هذا الأمر حتمي ومستعجل، لأننا وصلنا إلى وضع صعب جدا في علاقة الأحزاب بالمواطن، مع تفشي المحسوبية والمقاربات العائلية والخلود في المسؤوليات الحزبية وجمود الأفق الفكري والاستراتيجي لبعض الأحزاب، وتحويل أخرى إلى "حوانيت" شخصية. كل هذا أدى إلى تنامي العزوف عن السياسة خصوصا لدى شباب بعقليات وتصورات وطموحات وتطلعات لم تستطع الأحزاب القائمة مواكبتها، أو ربما حتى التأقلم معها في بعض الأحيان، وهنا طبعا لا نعمم، فهناك أحزاب تقوم بمجهودات محترمة من أجل التأقلم مع الواقع الجديد والعقليات الجديدة، وأخرى تحاول تجديد نخبها.

وفي مسألة النخب لدينا تصور أيضا يقوم على "استنبات النخب" لا "استنساخها"، فالممارسات الموجودة داخل الكثير من الأحزاب ومعايير إسناد المهام، تجعل من هذه العملية وسيلة لإعادة إنتاج نخب بنفس السلوك والممارسات، ونحن نريد نخبا جديدة بسلوك وممارسات جديدة، وأحزابا بفكر سياسي متجدد، أحزاب قادرة على استرجاع ثقة المواطن وعلى الإسهام في الدفع بعجلة التنمية إلى الأمام.

الإصلاح يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تخليق الحياة الحزبية في اتجاه وضوح التمايزات الفكرية والسياسية بين مختلف الأحزاب، وحل مشكلة البلقنة من خلال تشريع قوانين تلفظ بعض المقابر الحزبية التي ولدت ميتة مع قطع الطريق على بعض السلوكات التي تنفر المواطنين من العمل الحزبي، وتمتين الديمقراطية الداخلية، وتكثيف مراقبة مالية الأحزاب ومجالات صرفها، والتوجه نحو "التجميع" على أساس فكري وإيديولوجي، حتى نكون أمام أقطاب حزبية محدودة وتمثل مختلف التوجهات.

3- كإعلامي وكخريج المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، من خلال تجربتكم في المجال التي ناهزت عشرين سنة، ما موقفكم من خطوة إصلاح الإعلام في اتجاه خلق هولدينغ عمومي؟

لا بد من الإشارة إلى أن الحاجة إلى إعلام عمومي مهني قوي هي مسألة ملحة، وهذا اختبار عشناه أيام جائحة كورونا ثم أثناء زلزال الحوز، حيث عاد المشاهد بقوة إلى القنوات العمومية كمصدر موثوق للمعلومة أمام حجم الشائعات والأخبار الزائفة التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنه لابد أن أشير هنا إلى المجهود الكبير الذي تم بذله منذ تحويل مؤسسة الإذاعة والتلفزة المغربية إلى شركة، مجهود أعطى نتائج إيجابية من خلال تنويع العرض الإعلامي وتشبيب القنوات وتجديد الإمكانات اللوجستيكية، لكن هناك دوما حاجة لمواصلة الإصلاح في اتجاه مواكبة تطور الأذواق وتطلعات المشاهد وتقوية النموذج الاقتصادي للمؤسسات الإعلامية، في هذا الإطار أعتقد أن التوجه نحو خلق هولدينغ إعلامي عمومي مبادرة شجاعة يتطلب استراتيجية وتصور واضحين تمكنه من لعب دور أكبر في تقديم خدمة عمومية في مستوى انتظارات المغاربة، وتواكب التحولات التي يعرفها المجتمع والدولة، خصوصا بالتزامن مع إطلاق عدد من المشاريع الوطنية الاستراتيجية وعلى رأسها الجهوية الموسعة، بالإضافة إلى النموذج التنموي الجديد ومشروع الدولة الاجتماعية.

دون نسيان الحاجة إلى دفعة إعلامية جديدة قادرة على خدمة قضايانا المصيرية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية باللغات الوطنية والأجنبية كذلك، وهنا نرى في منظمة جيل تمغربيت أن الدفاع عن قضايانا ومصالحنا يقتضي كذلك تقوية حضورنا الإعلامي على المستوى الدولي باللغات الأكثر انتشارا، ففي أمريكا الجنوبية مثلا نجد أن أغلبية الناس لا يعرفون شيئا عن المغرب وقضاياه سوى من خلال ما يقرِؤونه على بعض الجرائد الدولية التي تبث أو تكتب باللغات التي يفهمونها، كجريدة إلموندو وإلباييس  الاسبانيتين مثلا، وهنا لا يأخذون الحقيقة عنا كما هي وإنما ما يريد الآخرون أن يصورونا به بخلفيات ترتبط بمصالح من يتحكم في هذا الإعلام.

المشروع من شأنه كذلك رفع تحديات عولمة العرض السمعي البصري، الذي جعل المشاهد تائها أمام عرض مكون من آلاف القنوات المتنافسة، ومنها قنوات تخصص جزءا صغيرا أو كبيرا من برامجها للجمهور المغربي من خلال منتوج محلي يحاول لمس قضايانا بشكل موجه طبعا، دون أن نتحدث عن منافسة وسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب للتلفزيون عموما، كل هذا يفرض على الإعلام العمومي تغييرا عميقا للحفاظ على المشاهد المغربي، المسألة هنا سيادية، من شأنها أيضا حماية المغاربة من عروض إعلامية أجنبية تنشر قيما غريبة عن قيمنا، يمكن أن تصل إلى مستوى التحريض على العنف والإرهاب، وأخرى تؤطرها إيديولوجيات ومصالح لا تتقاطع مع مصالح وطننا. خطوة مهمة مستعد كواحد من أطر الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة الانخراط فيها إلى جانب كل الأطر والكفاءات بكل مسؤولية.

4- كيف تنظرون في "منظمة جيل تمغربيت" إلى تدبير التنوع اللغوي بالمغرب، خصوصا بعد إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها؟

جلالة الملك حفظه الله، دائما يفاجئنا بمبادراته الشجاعة المتبصرة، فمنذ تولي جلالته العرش وهو يولي اهتماما كبيرا لتقوية التنوع اللغوي من داخل الوحدة وبما يخدم الوحدة، من خطاب أجدير مرورا بترسيم حرف تيفيناغ لكتابة الأمازيغية، ثم تأسيس قناة تمازيغت سنة 2010، فدستور 2011 الذي جعل من الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية مع التنصيص على مختلف روافد الثقافة المغربية، وصولا إلى قرار 03 ماي 2023 القاضي بإقرار رأس السنة الأمازيغية، عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها. كلها قرارات تندرج ضمن الرؤية الملكية المستنيرة، وتؤكد الإرادة الملكية القوية لإنصاف الأمازيغية لغة وثقافة إلى جانب كل المكونات الثقافية الأخرى. القرار الأخير المتعلق بترسيم "إيض ن يناير" له أبعاد رمزية عميقة، حيث سيسهم في تحصين الوحدة الوطنية والهوية الموحدة التي نسميها نحن "تمغربيت" الجامعة المانعة، مع تقوية كل مكوناتها وعلى رأسها المكون الأمازيغي والعربي الإسلامي واليهودي العبري ومختلف روافد ثقافتنا التي نفتخر بها جميعا. هذا القرار من شأنه كذلك تقوية حس الانتماء إلى المغرب كبلد عريق بتاريخ طويل يمتد إلى آلاف السنين، وجعل المغاربة جميعا من طنجة إلى الكويرة يطبعون مع هذا التاريخ غير المجزأ ويتملكونه بفخر واعتزاز، كما سيسهم في تمتين مكانة وطننا كبلد ذو حضارة ضاربة جذورها في أعماق التاريخ وكمنارة دولية للتعايش والتسامح والانفتاح".

5- ما هو تصوركم في منظمة جيل تمغربيت لإصلاح مدونة الأسرة، وما رأيكم في النقاش الدائر حولها والذي يصل في بعض الأحيان إلى مستوى الانقسام والتقاطب الحاد؟

من مساوئ الطفرة التي تعرفها وسائل التواصل الاجتماعي، جعلها من طرف البعض بشكل ممنهج أو عن جهل، منصات لنشر الإشاعة والمعلومات الزائفة، حيث أن هناك للأسف بعض الجهات التي تسعى لابتزاز المؤسسات في هذه المرحلة من خلال جعل المدونة ورقة سياسية وحصان طروادة جديد للوصول إلى مآرب معروفة، وفي طريقها لذلك تنشر بعض الإشاعات وتحولها إلى اتهامات وتهديدات مبطنة، فالبعض اليوم يناقش مضامين النسخة الجديدة من المدونة بينما مسار المصادقة عليها لم ينته بعد، فالسيد رئيس الحكومة تسلم للتو مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة قصد رفعها لنظر جلالة الملك، وليست هناك إلى حد الآن أية نسخة يمكن أن تناقش وما يسمى ب"التسريبات" مجرد نصوص لا يمكن التأكد من مصداقيتها، كما لا يستقيم مناقشة قانون لم يستوف بعد جميع مراحل التشريع.

من جهة أخرى فجلالة الملك بصفته أميرا للمؤمنين، حرص على أن تتم مراجعة المدونة وفق مبدأ تشاركي، والهدف هو تمكين الأسرة المغربية من لعب أدوارها كاملة في مغرب اليوم، جميل أن يكون هناك نقاش وحوار للوصول إلى مدونة تواكب تطور المجتمع وتحافظ في نفس الآن على قيم المغاربة وعلى تماسك الأسرة خصوصا، لكن النقاش السياسوي والإيديولوجي المنغلق لا يخدم الهدف الأسمى من ذلك، لأن مراجعة المدونة ليس ورقة ولا مشكاة، هي حاجة مجتمعية يمليها التطور الذي يعرفه المجتمع المغربي والمغرب كجزء لا يتجزأ من عالم يتقدم. هناك جوانب يجب أن تتم مراجعتها، وأظن شخصيا أن دفاع البعض عن تزويج القاصرات ليس رأيا بل هو تحريض على اغتصاب الطفولة، وهناك قضايا أخرى أبدت فيها مختلف التيارات والحساسيات الجمعوية والحقوقية والسياسية رأيها، وفي النهاية فنحن نثق تماما في المؤسسة الملكية وفي إمارة المؤمنين. في منظمة تمغربيت لا نريد العودة إلى الماضي البعيد لنعيش فيه بمعطيات الحاضر، هذا غير ممكن، كما أننا لا نريد الذوبان في عالم متسم باهتزاز القيم، أو نتيه فيه بدون بوصلة، التغيير يجب أن يمس المدونة في إطار ثوابت الأمة ومتطلبات الانخراط في تطور المجتمع الدولي وطموحات المرأة كما الرجل نحو مساواة في الحقوق والواجبات، تضمن لنا التماسك الأسري وحماية قيم تمغربيت.

وهنا لدينا تصور آخر يبتعد شيئا ما عن بعض المقاربات التي تنظر دوما إلى التغيير والإصلاح من نافذة قانونية حصرا، نحن نعتقد أن المقاربة ذات الأولوية القصوى هي مقاربة تربوية، تتعلق بترسيخ الثقافة الديمقراطية وقيم المساواة والتسامح والانفتاح في عقول الأجيال، حتى تكون في مستوى تملك واستيعاب تغيير وإصلاح القوانين باستمرار، لأن القوانين وحدها لا تكفي لتحقيق المراد.