إعادة انتخاب رشيد الطالبي العلمي.. تهنئة ملكية بإشارات تقويمية

حنان رحاب الخميس 18 أبريل 2024
No Image

 تلقى السيد رشيد الطالبي العلمي تهنئة ملكية، بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا لمجلس النواب، بعد انتصاف الولاية التشريعية الحالية، وقد دأب الملك على تضمين مثل هكذا رسائل بروتوكولية بتوجيهات وإشارات، تمثل استجابة للسياقات المقترنة بما تمثله الشخصية المتلقية للتهنئة من وضع اعتباري، مرتبط بمنصبه السياسي أو المؤسساتي أو الوظيفي.

وقد جاء في رسالة التهنئة الملكية لرئيس الغرفة الأولى في البرلمان: "فالله تعالى نسأل أن يلهمك التوفيق والسداد، في مواصلة العمل الجاد، بمعية كافة مكونات مجلس النواب، من أجل نهوض الغرفة الأولى للبرلمان، في انسجام مع مجلس المستشارين بمهامها التشريعية والرقابية والتقييمية، على أكمل وجه، وتعزيز مساهمتها، بروح من المسؤولية العالية والتوافق البناء وتغليب الصالح العام، في تفعيل ما أطلقناه من إصلاحات مجتمعية، وتنموية كبرى، والدفاع عن المصالح والقضايا العادلة للوطن، وخدمة المواطنين، وتخليق الحياة البرلمانية، ترسيخا للثقة في المؤسسات المنتخبة"

  وبتفكيك لهذه الرسالة، نجدها تتضمن أربع رسائل أساسية:

  الأولى: التذكير بالأدوار الدستورية للمؤسسة التشريعية، وهي الأدوار التي تتكامل في أبعادها الثلاثة: التشريعية  (إنتاج مقترحات قوانين، والمصادقة على مشاريع القوانين) والرقابية (مراقبة العمل الحكومي ومرافقته في الآن نفسه بمنطق التكامل لا التصادم) والتقييمية (تقويم السياسات العمومية)، مع التشديد على ابتغاء التنسيق والتكامل بين غرفتي البرلمان، بما يفضي إلى التجويد والنجاعة والاستثمار الأمثل للزمن التشريعي.

الثانية مرافقة الإصلاحات المجتمعية والتنموية الكبرى التي أعلن الملك نفسه عن انطلاقها، بصفته الدستورية رئيسا للدولة، وتبعا للصلاحيات الحصرية للملك ذات الأفق الاستراتيجي، ذلك أن الملك في هذه النقطة ينبه مشرعي الأمة إلى أن التشريع لا يجب أن يكون برؤية محدودة في الزمان مرتبط بمدة ولايتهم الحالية، بل أن تتم موضعة وتحيين والمصادقة على القوانين بما يجعلها تخدم الاستراتيجيات الوطنية، سواء على مستوى الرقي بالمجتمع المغربي أو على مستوى الأوراش الكبرى المهيكلة، وهو الأمر الذي حسب الرسالة الملكية يقتضي تحلي البرلمانيين والفرق والمجموعات البرلمانية كذلك بثلاث قيم/ مداخل: المسؤولية العالية (الوعي بخطورة الأدوار المناطة بالمؤسسة التشريعية، والعمل وفق هذا الوعي)، ثم التوافق البناء الذي هو ضرورة وطنية في هذا السياق الوطني، ولكنه التوافق الذي يجب أن يكون إيجابيا، يخدم المستقبل، وليس ذلك التوافق السلبي المبني على التواطؤات المصلحية الأنانية، وأخيرا تغليب الصالح العام، بما يجعل المصالح الوطنية الكبرى، ومصالح المواطنين مقدمة على المصالح الحزبية أو الاصطفافات الإيديولوجية .

الثالثة: الدفاع عن المصالح والقضايا العادلة للوطن وخدمة المواطنين: وعلى هذا المستوى نلحظ أن الملك لا يفصل بين تحقيق الغايات الوطنية وبين الاستجابة لاحتياجات المواطنين، فالمؤسسات الوطنية يجب أن تلبي تطلعات المواطنين المشروعة، وبالتالي فإن الدولة هي دولة المجتمع وليس العكس، وأن غايتها هي أمن واستقرار ورفاهية المواطنين، وهو تصور يعكس الإلحاح الملكي على ضرورة إنجاح الانتقال نحو الدولة الاجتماعية المأمولة.

الرابعة: تخليق الحياة البرلمانية ترسيخا للثقة في المؤسسات، وهذا التذكير الأخير يسير في الاتجاه نفسه الذي سار عليه الخطاب الملكي الأخير بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، والرسالة التي وجهها الملم بمناسبة الذكرى الستين لإقامة البرلمان في المغرب، ومن الناحية الشكلية فإن ختم الرسالة الملكية لرئيس مجلس النواب بهذا المقتضى التخليقي، هو إشارة إلى ضرورة التبئير عليه، وبالتالي جعل ما تبقى من عمر هذه الولاية التشريعية تدشينا لمسار تخليقي، أصبح ضروريا في كل المؤسسات المنتخبة.

 فإذا كانت المؤسسة التشريعية قد عاشت في الماضي على وقع الصراعات الحزبية، وأحيانا إلى محطة لتصريف المواقف من الدولة (دعما أو معارضة)، مما جعل الأدوار التشريعية متراجعة قياسا إلى الوظائف السياسية، إلا أنه مع ذلك كانت المؤسسات المنتخبة تحظى بمقبولية مجتمعية، بخلاف ما يقع اليوم، بحيث تراجع النفس السياسي، ولكن ليس في اتجاه إقامة نوع من التوازن مع الأفق التشريعي، بل كان التراجع لصالح تمدد المصلحية والانتهازية وخدمة المصالح الضيقة، وأحيانا إلى ممر للحماية من المتابعات القضائية، أو البحث عن شبكة من العلاقات الزبونية، وهو الأمر الذي جعل قطاعات كبيرة من المجتمع تفقد ثقتها في المؤسسات المنتخبة.

 إن الدعوة الملكية المتجددة إلى تخليق الحياة البرلمانية، وكذا تحليق المؤسسات المنتخبة، وبالمثل المؤسسات الحزبية، يعني ضمن ما يعنيه الإصرار الملكي على استكمال المسار الديموقراطي في بلادنا، إذ لا ديموقراطية بدون مؤسسات منتخبة ديموقراطية وقوية، لا أن تكون هذه المؤسسات معطلة للتنمية، فإذا كان المغرب يعرف نهضة تنموية تعكسها الأوراش الكبرى، ونجاحات دبلوماسية لافتة بقيادة المؤسسة الملكية، واستقرار وأمن أصبح مرجعية على المستويين الإقليمي والقاري، فإنه للأسف لا يوازي هذه الإنجازات أداء مشرف على مستوى المؤسسات المنتخبة، وبالتالي فإن التوجيه الملكي هو دعوة ضمنية إلى إحداث التوازن بين مختلف مؤسسات الدولة على قاعدتي التخليق والنجاعة.