القناع والمستنقع : حالة سقوط أخلاقي اسمها ادريس فرحان..!

بقلم : حنان رحاب الأربعاء 03 أبريل 2024
No Image

من المتعارف عليه أن المعارضة سواء للحكومة، أو حتى لأي نظام سياسي، تمر عبر قناة تنظيمية معلنة، على رأسها قياديون معروف تاريخهم في النضال السياسي، وتؤطرها فكرة أو إيديولوجيا أو مشروع تعتبره بديلا للوضع القائم، وعادة تلتزم المعارضات بأقصى ما تستطيعه من التزامات أخلاقية، لأنها تطرح نفسها قوة أخلاقية في مواجهة ما تمتلكه الدولة أو الحكومة من قوى لا تمتلكها المعارضات (المعلومة، القرب من المواطنين عن طريق الخدمات التي تقدمها، الميزانية...) ولذلك كانت المعارضات (تنظيمات وأفرادا) أحرص على ما يمكن تسميته بالتحصين الأخلاقي، لأن السقوط الأخلاقي هو مقدمة لانصراف الناس عن مشروعها ودعايتها.

ومن هذا المنطلق وجب التمييز بين المعارضة التي تمتلك مشروعا منافسا لما تقدمه الحكومة، وتسعى بالوسائل السلمية إلى التداول على السلطة من مدخل العملية الانتخابية لتجريب برنامجها الذي اقترحته على المواطنات والمواطنين، وبين الظواهر الصوتية التي انتشرت مع سهولة فتح حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، أو فتح قنوات على منصات البث الرقمي، والتي تكتفي بالتهجم على المؤسسات أو المسؤولين، مع تطعيم ذلك بسيل من الأكاذيب أو تضخيم وقائع عادية، بالتخفي خلف ستار "حرية الرأي والتعبير".

يوميا، ينتقد الكثير من المغاربة السياسات العمومية في مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى منصات بث الفيديوهات، وأحيانا بلغة حادة، كما يتظاهر آخرون في الفضاءات العمومية، وهو أمر صحي، بل إنه مطلوب وقيام بواجب المواطنة من مدخل إعمال آليات الرقابة الشعبية المشروعة.

غير أن هناك فرقا بين القيام بواجب المواطنة عبر النقد والاعتراض، وبين التستر حلف حرية التعبير لممارسة نقيض المواطنة والوطنية معا، أي الخيانة والتواطؤ مع أعداء الوطن ومصالحه. وسنقف اليوم على حالة من حالات البؤس "اليوتيوبي"، وهي حالة المدعو" ادريس فرحان".

إن اختيار هذه الحالة، مرده إلى إسهاله المتواتر مؤخرا، وإلى سلكه مسلكا جديدا في التضليل والتشهير والتهجم غير المبني على دلائل قطعية الثبوت وواضحة الدلالة. يمكن أن نضع التقسيم التالي لممتهني التهجم على المغرب ملكا ومؤسسات وحتى شعبا أحايين كثيرة، عبر وصفه بالجبن والذل والخنوع (فقط لأن المواطنين لم يسايروا ترهاتهم، ولم يلقوا لهم بالا) إلى 3 فئات :

الفئة الأولى: أشخاص يصفون حسابات "نفسية" بالدرجة الأولى، بسبب قضائهم محكوميات حبسية في ملفات الإرهاب، أو لتوقيف ريع كانوا يحصلون عليه، أو منعه عنهم، أو لإبعادهم عن وظائف كانوا يشغرونها، بعدما ثبت عدم كفاءتهم، أو استهتارهم بالواجب المهني، أو استغلال المنصب في الرشوة والمحسوبية ونهب المال العام، أو فقط لإثارة الانتباه، وبعضهم كانوا في الأمس ممن ينظمون قصائد المدح في رجالات السلطة السابقين.

الفئة الثانية: ممتهنو الابتزاز، بحيث يستغلون إقامتهم في الخارج، وخصوصا في الدول التي لا تربطها بالمغرب اتفاقيات لتبادل المطلوبين للعدالة، وتقوم بابتزار أشخاص قد يكونون متورطين في قضايا جنائية، أو غير متورطين لكن يخشون التشهير بهم بسبب حساسية وضعهم الاجتماعي أو العائلي أو الوظيفي، ومن لا يستجيب لهم يتم التشهير به، ويصبح ذلك التشهير بمثابة تهديد لضحايا آخرين، ويخفون نواياهم الإجرامية بادعاء أنهم فاضحو الفساد.

الفئة الثالثة: المتكسبون من التمويل الأجنبي، وخصوصا الجزائري منه، وهؤلاء يمكن كشف مشغليهم بسهولة من خلال مدحهم لدولة ما، أو إجراء مقارنات سخيفة وكاذبة بينها وبين المغرب، أو سفرياتهم لتلك الدولة، أو فواتير الإقامة في الفنادق، وتذاكر الطائرات الممولة من سفارات أجنبية، وعادة ما تكون مادتهم مرتبطة بقضية الصحراء المغربية، أو الاحتجاجات الاجتماعية التي يتم إلباسها لبوسا انفصاليا كذبا وتضليلا. أو المحاولة غير المجدية لتبخيس نجاحات المغرب الدبلوماسية.

غير أن اللافت هو اتفاق هذه المجموعات المختلفة (والمتناقضة وأحيانا المتصارعة فيما بينها) على استهداف المؤسسة الأمنية والاستخبارية المغربية، وهو أمر غير مستغرب باعتبار أنها حائط الصد لممارساتهم الإجرامية، وباعتبار أنها واحدة من عناصر القوة المغربية، ليس على المستوى الأمني الداخلي فقط، بل بسبب مساهمتها المعترف بها دوليا في التصدي للإرهاب العابر للقارات، وشبكات الجريمة المنظمة دوليا، وهو ما مكنها من النجاح في ممارسة مهام الدبلوماسية الأمنية والاستخبارية، والتي تعد اليوم واحدة من عناصر القوة في العلاقات الدولية.ذ

وإذا كانت هذه "الميليشيات" الاسترزافية تعمد إلى إعادة تدوير ما ينشر في الإعلام الوطني والدولي، وتحويره، والتضخيم من وقائعه، مع محاولات فاشلة في التحليل، عبر القيام بعمليات ربط وهمية بين وقائع لا رابط بينها، وعبر ادعاء حصولها على معلومات من مصادر موثوقة (في الحقيقة مثقوبة)، وإلصاق ارتباط شخصية عمومية أو صحافي بجهاز استخبارتي ما للإيهام بامتلاكها معلومات خاصة، فإن المدعو ادريس فرحان طور منحى الأساليب الرخيصة، وجمع بين ما تقوم به كل هذه المجموعات، فجمع بين الابتزاز والتشهير والعمالة وتصفية حسابات شخصية على حساب الوطن الذي أطعمه من جوع وآواه من خوف غير ما مرة.

استغل بانتهازية مقيتة انفتاح سفارات وقنصليات المغرب على مغاربة العالم الذين يتطوعون للتعريف ببلادهم، أو الترافع لمصلحة وحدته الترابية، والتي كانت تقدم المساعدات المادية والعينية لأنشطة المجتمع المدني المغربي بالخارج ( والذي يتطلب مستقبلا إعمال المزيد من المراقبة عليها، لتفادي كل إمكانات الريع أو التكسب، ولو انها تبقى استثناءات)، فكان يستدعي مسؤولين مغاربة إذا سافروا في مهمات رسمية لأوروبا (وخصوصا إيطاليا والدول القريبة منها) للقاءات عبر جمعيته لتأطير ندوات وحوارات حول قضايا الصحراء المغربية أو الإسلام المغربي أو دور مغاربة العالم.

وهو ما كان يستجيب له أغلب المسؤولين لحساسية تلك الموضوعات ولوعيهم بأهمية مساهمة مغاربة العالم في الدفاع عن القضايا العادلة لبلدهم، فكان ينتهز الفرصة لالتقاط الصور معهم، ليدعي بعدها أن له علاقات قرب مع مؤسسات أمنية أو مع مسؤولين كبار في الدولة، ليشرع بعدها في عمليات نصب واحتيال ، أدين ببعضها قضائيا، وما زالت أخرى تحت المتابعة، ولم يسلم منها حتى مواطنون مقيمون بالمغرب. وللأسف توجد شبهات اليوم أن بعض المسؤولين لم يقطعوا صلتهم به أن توضحت نواياه الإجرامية، وعمالته وخيانته، وهو الأمر الذي من شأن البحث القضائي المفتوح حوله اليوم، أن ينير بعض العتمات في ارتباطات هذا الشخص المشبوهة.

هكذا بدأ مساره الإجرامي، ليتوجه اليوم بتوظيف كل ما سبق في تقديم نفسه على منصة عروض الأقنعة عبر يوتيوب، شخصا له دراية بعالم المخابرات المغربية ودهاليزها، من خلال اختلاق وقائع لا شهود عليها، وزعم تواصله مع غاضبين في المؤسسة الأمنية لا وجود لهم، وتقديم روايات مفككة لا رابط بينها.

يعتمد في كل ذلك على ما تسميه أدبيات تحليل الخطاب بالإعنات والمغالطة، بحيث يقدم سيلا متدفقا من المعلومات تتضمن أحداثا كثيرة، وأسماء شخصيات متعددة، منها المعروف، ومنها المجهول، بحيث لا يتسنى للمستمع أن يدقق في صحتها بفعل تدفقها، وقد يدمج واقعة حقيقية واحدة ضمن عشرات الوقائع المختلقة، لممارسة الإيهام والتغليط.

وإذا كانت تقنيات الذكاء الاصطناعي حاليا تسمح بإنتاج فيديو مختلق، لا يستطيع إلا الحاذقون في تكنولوجيا المعلوميات والاتصالات الكشف عن مناطق التضليل فيه، فإن ادريس فرحان لا زال يعتمد اختلاق أوديوهات رديئة التسجيل لا تكاد تتبين منها هوية المخاطبين، ولا موضوع الحديث وعناصره وسياقه، للإيهام بأنه حقيقي، وقد يكون كذلك، لكنه يبتر أجزاء كثيرة منه ليخفي هوية المتحاورين الحقيقين، وهم غير من صرح هو باسمهم، وموضوع الحديث، ليقدم رواية بعيدة عن موضوع التسجيل الأصلي.

وللإمعان في التضليل، يعتمد المدعو ادريس فرحان إضاءة خافتة في فيديوهاته، تمكنه أولا من إخفاء عناصر الارتباك التي قد تظهر على ملامحه، وتوهم ثانيا بأنه لا يمتلك مصادر دخل كبيرة، بحيث يسجل بتقنيات بسيطة جدا، مع العلم أن تسجيل فيديو وبثه حاليا بجودة مقبولة أصبح في متناول الجميع، ثم وهذا هو الأهم لتوهيم مشاهديه أنه يشتغل وحيدا، ولا يوجد خلفه فريق عمل، حتى يخفي ارتباطاته المشبوهة.

غير أنه حين يغادر "قاعة عروض الأقنعة" في اليوتيوب، ويعود إلى موقعه الإلكتروني، تبدأ مراسيم الحفلة التنكرية عنده، حين ينتحل صفة الصحافي الاستقصائي، ويمكن ببساطة أن نكتشف أن الأمر لا يرتبط بشخص، بل بشبكة جريمة منظمة، فحين نطلع على المقالات (تجاوزا) التي يوقعها باسمه الحقيقي، نجد أنها لا تعود لكاتب واحد، فبعضها تقترف أخطاء لغوية ومعرفية فادحة (وهي الأرجح أنها له)، وبعضها مكتوبة بأسلوب التقارير والمحاضر الاستخبارية لا باللغة الصحافية المعهودة ( وهي التي تأتي من جاهزة من سفارة دولة أجنبية)،
تتأرجح هذه المقالات (التي يعاد تدويرها في اليوتيوب) بين التشهير بشخصيات عمومية، ويتم التركيز على تلك التي تنتمي لمجالات الأمن والدبلوماسية والاقتصاد والمالية والرياضة والحقل الديني والإعلام، وبين اختلاق وقائع مرتبطة بعالم الاستخبارات والأمن باعتماد الإثارة.

يوظف بدناءة في عمليات التشهير موضوعات الجنس والقوادة والخيانة الزوجية، مستغلا رغبات المتلقين في الاطلاع على حميميات الآخر، أو ما يسميه أومبرتو إيكو بالرغبة التلصصية، فيختلق أحداثا لا تختلف عن تلك التي يجدها المتلقي في السينما والدراما التلفزيونية، وخصوصا التي تشتغل على موضوعات الجاسوسية في ارتباط بعوالم الدعارة والقوادة واستغلال النساء، إنه بذلك يقوم بمهادنة أفق انتظار المتلقي كما يقول إيزر، ويجعله رهينة في انتظار إكمال باقي مسلسل التشويق "الغرائزي"، وما أسهل فبركة مثل هذه الوقائع، وفبركة الأسناد الموهمة بها ( صنع تسجيلات، وتوضيب رسائل نصية).

وليكمل عناصر هذه الفرجة المجانية، يسرد وقائع يدعي أنها وصلته عبر عناصر غاضبة في سلك الأمن الوطني أو المخابرات ( نفس حبكة الأفلام الهوليودية: عنصر سابق في الأمن أو المخابرات يلتقي سرا بصحافي استقصائي، لكن للأسف بخيال ضعيف وإخراج رديئ).

وحين يشعر أنه راكم أكاذيب كثيرة، ومن شأن مراكمتها أن تترك ثقوبا كثيرة في روايته، قد تجعل المستمعين لهرطقاته ينفضون عنه، ينتقل إلى الإثارة القصوى، متمثلة في الكشف عن "مصدر" من "مصادره". فينشر صورا مع مسؤولين في أنشطة قديمة، ثم يتبعها بحوار مع "رجل أمن"، يمنحه اسما، للإيهام بوجوده الفيزيقي.

اختار لهذا المسؤول الأمني اسم" أحمد ايت لمقدم"، وطبعا لم ينشر الحوار إلا مكتوبا، ببساطة لأن احمد ايت لمقدم هو نفسه ادريس فرحان، بمعنى أن ادريس فرحان أجرى حوارا مع ادريس فرحان، فهو السائل والمجيب، أو أن شخصا آخر، هو من كتب ذلك الحوار، إذ لا وجود لموظف بهذا الإسم في مؤسسة الأمن الوطني، لا حاليا ولا سابقا.

بحث ادريس أو المجموعة التي توظفه عن اسم شائع، فاختاروا أحمد اسما شخصيا، وأيت لمقدم اسما عائليا (لقب شائع في المغرب وكذلك في الجزائر)، لكن لسوء حظه/ هم لا يوجد أحد بهذا الاسم في المؤسسة الأمنية، والوحيد الذي يحمل الاسم العائلي ايت احمد قرر مقاضاة ادريس فرحان لاحتمال الضرر الذي قد يقع عليه.

لم يتعظ المدعو ادريس فرحان بواقعة اختلاق جريمة سرقة هاتف على برنامج مباشر في إذاعة خاصة، فزاد في مراكمة أخطاء تكشف تهافته، لقد اعتمد على النظرية الغوبلزية التي تقول اكذب ثم اكذب وراكم الكذب حتى تتحول الأكاذيب إلى حقائق مع مرور الوقت، متناسيا أن بروباغندا غوبلز لم تنفع ولي نعمته هتلر، ومتناسيا حديث الرسول صلى الله علية وسلم، والذي يفيد أن كثرة الكلام كاشفة عن عوراته ومزالقه، وأن الكذب يهدي إلى الفجور، وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذابا.

ومن آيات المنافق حسب الحديث النبوي أنه إذا حدث كذب، و‘ذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وقد كذب المدعو ادريس فرحان، وغدر، وأخلف وعودا، وفجر.