تحديات التنمية البشرية

حكيم بلمداحي الأربعاء 03 أبريل 2024
No Image

أثار تصنيف المغرب في تقرير التنمية البشرية بعض الضجة، خصوصا وأن ترتيب المغرب انتقل بدرجة واحدة على الرغم من مجهود عشرين سنة من برنامج التنمية المغربية الذي اعتمدته المملكة منذ سنة 2004.

التصنيف الجديد للمغرب شكل خيبة أمل تستدعي وقفة جديدة للتقييم، وتدعو إلى عمل مؤسساتي وشعبي ينتظر المغاربة، لبلوغ المرتبة المستحقة.

وبغض النظر عن بعض المؤشرات المعتمدة، والتي قد تؤثر نسبيا في الترتيب، لابد من الوقوف عند بعض النقاط الأساسية. فمن جهة يعتبر المغرب من بين البلدان التي تلتزم بتوفير المعلومة بالشفافية المطلوبة، تبعا لما تتطلبه مؤسسات وتنظيمات دولية، وتكون هذه المعلومات أساس التصنيف..

فالشفافية في المعلومة والوفاء بالالتزامات مع منظمات دولية يضع المغرب في وضع له تأثير واضح على التصنيف. لهذا يمكن لمقارنة مستوى العيش في المغرب ببلدان أخرى يكون ترتيبها أحسن من المغرب أن تثير بعض الشكوك في التصنيف ككل.

أيضا هناك مؤشرات يتم اعتمادها يكون لها تأثير على الترتيب في حين لا تعطي صورة حقيقية عن الوضع، على سبيل المثال فالبدو الرحل يصنفون في مراتب متدنية حتى وإن كانت ثروة بعضهم الحقيقية في مستوى متوسط أو عالي..

ليس هذا تبريرا لموقع المغرب في تصنيف التنمية البشرية، ولا يمكن اعتبار الملاحظات السالفة الذكر مؤثرا رئيسيا، بل هي ملاحظات يجب الوقوف عندها من الناحية المنهجية فقط. أما التنمية البشرية فلا يخفى على أحد وضعها في بلادنا.. ولمعرفة هذا الأمر عن قرب لابد من الوقوف عند الجوانب التي تعتمدها الأمم المتحدة في تصنيفها الخاص بالتنمية البشرية. هي مؤشرات تقوم على ثلاث عناوين رئيسية تتعلق أولا بالصحة وثانيا مستوى التعليم والمعرفة وثالثا المستوى المعيشي للفرد ويتعلق الأمر بالدخل الفردي والمستوى الاجتماعي والاقتصادي للأفراد..

إذا ما عدنا إلى واقعنا المغربي في العناصر الثلاثة المعتمدة في تقارير التنمية البشرية، نقف عند تواضع المغرب في كل جوانبها، سواء في ما يتعلق بالصحة أو التعليم أو المستوى المعيشي. هذا الأمر يدفعنا للاعتراف بمستوى التحديات التي يواجهها المغرب. وقد سبق لتقارير وطنية أن وقفت على واقع الحال وقامت بتشخيص شامل للوضع، وعلى أساسها تم تسطير مجموعة من البرامج في سبيل تنمية بشرية تحترم كرامة المغاربة.. كما أن المغرب بصدد أوراش كبرى سيكون لها تأثير كبير على حياة المغاربة، على رأس هذه الأوراش تعميم التغطية الصحية..

يمكن توجيه انتقادات لبرنامج التنمية البشرية، كونه كان بطيئا ولم يحقق كل أهدافه، وهو انتقاد له ما يبرره.. غير أن ما يجب الوقوف عنده في الأصل هو تساؤل عريض يمكن طرحه: لماذا لا تؤدي البرامج المعتمدة أدوارها بالشكل المطلوب وأين يكمن الخلل؟

لا أحد يمكنه التشكيك في فكرة برنامج التنمية البشرية، وفي سموها وكبرها، لكن للأسف، كما يحصل مع عدة أفكار أخرى خلاقة، تكون النتائج في أحيان كثيرة غير موازية للفكرة ومع ما يسطر على الورق.. وهذا الأمر معيق مغربي يتطلب وقفة حقيقية.. فما يسطر على الورق يجد صعوبات كثيرة في التنفيذ على أرض الواقع..

الازدواجية التي نجدها بين الفكرة والتنفيذ تكاد تكون عامة، وتكاد تكون مشتركة، إلا في بعض الجوانب ومع بعض المؤسسات.. هذه الازدواجية التي تعيق برنامج التنمية البشرية وأعاقت برنامج راميد وخلقت خللا في برامج أخرى تتطلب نوعا من الصرامة، سواء في ما يخص وضع البرامج نفسها، أو في رسم خارطة طريق لتنفيذها، تكون محددة في الزمن، وأيضا في تحديد مؤشرات للقياس، وشروط للمراقبة والمحاسبة.. إنها تتطلب استعمال مقومات الحكامة من شفافية ومراقبة وكفاءة ومحاسبة..

نعم ترتيب المغرب في مجال التنمية البشرية ما يزال متدنيا، لكن الطموح يبقى مشروعا في تجاوز العقبات، والتحدي كبير يتطلب تضافر الجهود من الجميع.