تنكشف سياسة اللعب على الحبلين، التي اعتمد عليها عدد ممن ابتلانا الله بهم في هذا البلد، مع مرور الوقت، وتظهر أيضا علاقتهم مع الأعداء الخارجيين للوطن.
لكن كيف لشخص أن يكون معنا بالعلن ويعادينا بالخفاء؟ كيف يمكن لشخص أن يكون فاعلا داخل مؤسسات الدولة وأحزابها، وفي الوقت نفسه يمول من يعادي بلده ويتجار فيما يضرها؟
سياق هذا الحديث، غير الشيق مع الأسف، إحالة أسماء مرموقة على أنظار وكيل الملك بالمحكمة الزجرية بعين السبع بالدار البيضاء، الثلاثاء 26 مارس، بتهم ثقيلة تتعلق بمساعدة وتقديم أموال لشخص يعادي المغرب، وهو المسمى إدريس فرحان.
هنا لا يهمنا لا إدريس فرحان، ولا سنفور غضبان، لأن القضاء كفيل بهم، فالصورة يجب قراءتها بالابتعاد قليلا عن النظرة الضيقة للحدث، لتشمل نظرة أكبر، وللأسف، تظهر الصورة سوداوية عن شخصيات ظننا فيها خيرا للبلد، ليتبن أنها ضباع تنهش جسم الوطن من الداخل، كانوا ممن يتعاملون مع مثل “فرحان” أو من هم أمام القضاء في قضايا مختلفة..
ولنقل إنهم يجلسون في الجانب الآخر من الطاولة.وتستوقفنا نظرة المملكة لمثل هذه الوقائع، ففي مناسبتين، على الأقل، كان عاهل البلاد قاطعا وحاسما في مسألة الخيانة، واحدة منها في خطاب المسيرة سنة 2009، حيث قال جلالة الملك محمد السادس بصريح العبارة “أي شخص إما أن يكون وطنيا أو خائنا فليس هناك مرتبة وسطى بين الوطنية والخيانة”.
ثم عاد جلالته سنة 2014 في المناسبة نفسها ليقول: “... ليس هناك درجات في الوطنية، ولا في الخيانة. فإما أن يكون الشخص وطنيا، وإما أن يكون خائنا ... أما من يتمادى في خيانة الوطن، فإن جميع القوانين الوطنية والدولية تعتبر التآمر مع العدو خيانة عظمى”.ورغم اختلاف سبب نزول وسياقات الخطابين، إلا أننا اليوم مطالبون، بكل موضوعية وتجرد، معرفة من معنا ومن ضدنا.. من يظهر انتماؤه لنا وهو في دهاليز “البؤس” يقتات ويستقوي بأعداء بلاده.. من يتفننون في رقعة “التسمسير”، رجالا كانوا أو نساء، ويقدمون أنفسهم كإطفائيين لحرائق أشعلوها بنار التلفيق والإشاعات..
وحتى أصحاب “مرتبة وسطى” نقول لهم “الله يجازيكم بيخير.. خرجو دويو معانا شوية”.ومن المؤسف أن إيضاح هذه الأمور سار بين عدد من الأوساط موضوعا ثانويا، أو موعدا للاصطفاف إلى جانب “البؤس”، وفرصة لتوجيه السهام لمن اختار الوضوح والصراحة، وغض البصر عن المرتزقة وجعلهم في العديد من الأحيان أبطالا، وإعطائهم فرصة لتسميم جسم الوطن، الذي لن يرضخ لمثل هذه الابتزازات، الداخلية والخارجية، طالما هناك من يقف في وجههم بصراحته.فمرحلة الاسترزاق بالبلاد، في أي موضع كان، قد انتهت منذ زمن، والخيار الوحيد للتقدم والتوجه بيقين وثبات، إلى ما ينتظرنا مستقبلا، لن يمر دون التخلص من هؤلاء بسلاح “القانون”.. أو كما يقول أجدادنا ومن حملوا حب البلاد في قلبوهم منذ قرون “صفي تشرب”، ونحن جيل نريد شرب من ماء هذا الوطن خاليا من الشوائب.
عن موقع كيفاش