محمد سعيد قروق أستاذ علم المناخ بجامعة محمد الخامس لأحداث. أنفو :  الظواهر الطبيعية ‘‘الحادة‘‘ مستمرة في المغرب وندخل فترة ‘‘المناخ الجديد المحتر‘‘ 

أحداث. أنفو الاثنين 25 مارس 2024

مثل كل مرة، يعيد أستاذ علم المناخ بجامعة محمد الخامس بالرباط، والخبير الوطني والعالمي في الأنظمة المناخية، فتح ملف الوضعية المناخية للمملكة على ضوء المستجدات الملاحظة سواء من المواطن العادي أو المتخصص أو الدارس للظاهرة. في هذا الحوار يفكك الخبير المغربي والدولي الحالة المناخية الخاصة جدا التي يمر منها المغرب هذه السنة، والمتميزة خصوصا بحدة الظواهر الطبيعية وارتفاع مقاييس شدتها، وتسارعها في الحدوث في الزمن والمكان، مع دخول المملكة لفترة مناخية جديدة يطلق عليها محمد سعيد قروق ‘‘المناخ الجديد المحتر‘‘.

كيف يفسر علم المناخ ظاهرة الرياح المصحوبة بالغبار التي تكررت خلال الأشهر الماضية في المغرب ؟

يجب أن نحلل ظاهرة الرياح المصحوبة بالغبار في الأشهر أو السنوات الأخيرة في المغرب على مستويين. المستوى الأول يفسر ظاهر الغبار في الرياح بكون التربة جافة يعني أنها لم تتشبع بالأمطار التي يمكن أن تجعلها تثبت على الأرض، وهي ظاهرة كنا نلاحظها مقتصرة على فصل الصيف سابقا. الملاحظ الآن امتداد الظاهرة إلى الفصول الأخرى، وهو أمر عادي جدا لأننا في المغرب نجتاز الآن فترة جفاف، يكفي فقط قليل من الرياح لتحرك الأتربة المجففة أصلا.
في المستوى نجد الرياح التي أصبحت ظاهرة قوية وتحولت إلى ثابت مناخي خلال السنوات القليلة الماضية حيث أصبحت أكثر قوة مما كانت عليه وتهم كافة التراب المغربي. في الأوساط العلمية، هذا التغير وهذه الحدة كانت منتظرة لأن الميزانية الطاقية للارض صارت عالية، وهو ما أدى إلى ارتفاع حرارة الأرض، وبالتالي فكل الظواهر المناخية أصبحت عنيفة وليس فقط الرياح.
يمكن أيضا تفسير الظاهرة من خلال معطى طبيعي آخر هو الرمال. هي أيضا تنقلها الرياح مثل الأتربة، إلا أن خصوصيتها تكمن في انتقالها في الأجواء العليا، لدرجة يمكن فيها أن تصل رمال الصحراء الافريقية إلى القارة الأمريكية، وتعمل على تضخيم التساقطات المطرية في هذه المناطق لأنها تسرع عملية التكاثف (عملية تقنية ترتبط بما يعرف نواة التكاثف المؤدي لسقوط الأمطار).
أحيانا تختلط الأتربة مع الرمال إذا كانت الرياح قد حملت هذه الأخيرة إلى مستويات أقل علوا، ثم تتوجه إلى خارج الحدود المغربية، ويمكن أن تصل إلى أوروبا.

الملاحظ أن الظواهر الطبيعية المصاحبة للتغير المناخية أصبحت أكثر حدة (رياح أقوى / موجات حرارة أعلى..). هل علينا أن نستعد للأسوء في السنوات القادمة ؟

أمام حدة الظواهر التي تواكب ما أسميه بالمناخ الجديد لأن مرجعيته هي الميزانية الطاقية للأرض، المختلفة تماما عن المناخ البائد الذي تطورنا فيه، تظرا لتسارع أحداثه التي لا علاقة لها البتة بالزمن الجيولوجي. الأمر لا يرتبط فقط بالنشاط الإنساني او دور الإنتاج الصناعي أو الأحفوري الكاربوني، ولكن يرتبط بما هو أكبر من ذلك وله علاقة بتغير معالم سطح الأرض. هذا التغير يؤثر في الميزانية الطاقية وبارتفاع الحرارة يرتفع التبخر أيضا، ما يركز ارتفاع غاز بخار الماء في الهواء ( الغاز الذي يمثل أكثر من 80 بالمائة من غازات السقيفة أو الاحترار الأرضي).

اليوم تجوز تسميته ‘‘المناخ الجديد المحتر‘‘ (حار يتوجه أكثر نحو الاحترار ) وهو بالمناسبة مازال يتطور لأن الميزانية الطاقية للأرض لم تستقر بعد. للتذكير فسنة 2023 سجلت درجات حرارة غير اعتيادية، وبلغ متوسط هذا الارتفاع 1.5 درجة مئوية وهو ما كان قد نبه إليه اتفاق باريس 2015 على اساس أن تكون هذه النسبة هي سقف ما سيصله الاحترار الأرضي على مدى القرن ال21 بأكمله.

الميزانية الطاقية للأرض المتسارعة، تجعل الخبراء غير قادرين على التنبؤ بما يمكن ان يحدث في ظل هذا التغير المتنامي والمستمر. الحرارة عامل يمكن قياسه وبالتالي فنحن نعرف في كل مرة أين تصل، لكن بالنسبة لباقي الظواهر فمسبباتها متداخلة ومعقدة ومتفاعلة مع بعضها ما يعني أنه ليس لدينا الكثير من عوامل التنبؤ بما سيحدث.

علينا الاستعداد للأسوء طالما أن الحرارة لم تستقر، ولاستقرار الحرارة لا بد من استقرار الميزانية الطاقية للأرض.


لماذا يوجد حوض البحر الأبيض المتوسط في قلب التغيرات المناخية الجارية اليوم ؟

حوض البحر الأبيض المتوسط مجال جغرافي ومناخي في أن معا، وعليه فإن مجموعة من العوامل تتداخل فيه لتعطينا وضعيته الخاصة جدا.

لكي نفهم هذه المعطيات أكثر علينا أنه شمال افريقيا يحده شمالا البحر المتوسط ثم القارة الأوروبية. إنه نظام جيولوجي استقر بطريقة عفوية، لكن عندما نضع الآلة المناخية فوق هذا المعطى الجغرافي فأنهما مرتبطان بعلاقة تأثير وتأثر، يرتكز عليهما النظام الجوي الذي يجمع السطح بالأجواء العليا والهواء، فوق شكل كروي مقوس (جغرافيا) بين خط الاستواء والقطب، تجعل الحركات الهوائية تنتظم بطرق مضبوطة.

يشهد المجال الاستوائي تصاعدا للتيارات الهوائية بها شحنات طاقية ثم تنحرف باتجاه القطب الشمالي لكن عند وصوله لمستوى انحناء يقارب ال30 درجة (بفكل كروية السطج الأرضي) تفقد سرعتها بفعل الانحناء والجاذبية ودوران الأرض. نضيف إلى ذلك أن الميزانية الطاقية للأرض (ما يحدث من تفاعل بين المكونات الجوية بين السطح والأجواء العليا) تكون موجبة بين خط الاستواء والمدار، وسالبة من هذا المستوى إلى القطب، ما يعني أننا أمام نظامين طاقيين والنتيجة هي أن ذلك الهواء الذي تصاعد من الاستواء وتوجه نحو القطب حينما يصل إلى مجال الانقلاب الطاقي، فإنه يخضع لدينامية جديدة، ما يجعل هذا الهواء ينزل إلى سطح الأرض. وهنا بيت القصيد فيما يخص الحالة في البحر المتوسط.

فبعودته إلى سطح الأرض يخلق ما يسمى بالضغوط المرتفعة شبه المدارية، والضغط الذي يهمنا نحن في المغرب هو الضغط الأصوري، وهي ضغوط قوية يسببها الهواء النازل والقادم من خط الاستواء، ما يحعل تلك المناطق جافة وهذا بالمناسبة هو سبب استقرار الصحراء الكبرى مثلا..

بناء عليه منطقة شمال افريقيا توجد على عتبة منطقة الانتقال الطاقي.. كل هذه المعطيات تجعل منطقة المتوسط مجالا حساسا جدا من الناحية المناخية، لأنها مجال انتقالي وهش بفعل الحركات التي تخلق الضغوطات شبه المدارية. الان مع الارتفاع الحراري تمدد المجال الموجب نحو الشمال، وجعل منطقة حوض البحر الابيض المتوسط بكاملها ضمن هذا المجال الممتد، ما حوله على مستوى الطقس أيضا إلى المجال الموحب بعدما كان يتراوح بين المنطقتين الموجبة والسالبة، وهو ما يعني أن تطوراته المستقبلية ستكون حادة وقوية وستنعكس علينا جميعا.

بيت القصيد هنا أن نحلل الظاهرة المناخية التي أصبحنا نعيش فيها لكي نضع تصورا لكيفية المقاومة. يجب أن نعلم أن هذه التحولات ستؤثر على الأنظمة البيئية من غابات وفلاحة وموارد مائية والتي ستؤثر بدورها على النشاط الإنساني والتنوع والبيئي وتطور الأمراض الجديدة التي تبدي مقاومة أكثر للأدوية الجديدة وهو مجال يعرفه المتخصصون في المجال الطبي.