في حوار خاص مع عثمان كاير: المرصد الوطني للتنمية البشرية يطلق بحثا ميدانيا حول تمثلاث ورضى الأسر المستفيدة من برنامج الدعم الاجتماعي المباشر

أوسي موح الحسن الاثنين 25 مارس 2024
No Image

أكد الدكتور عثمان كاير رئيس المرصد الوطني للتنمية البشرية أن "تحسن تصنيف المملكة في التقرير الاخير للأمم المتحدة حول التنمية البشرية يعد إنجازا مهما، سواء من حيث المرتبة 120 التي أضحت تحتلها بلادنا برسم هذا التصنيف العالمي، أو من حيث الارتقاء بترتيبها الإنمائي بثلاث رتب دفعة واحدة", وأضاف أن التقرير أبرز المجهودات المتواصلة لبلادنا من أجل معالجة الفوارق المبنية على النوع".
وأشار في نفس السياق أن الإنجاز يعد اعترافا أمميا بالمجهودات التي بذلها المغرب من أجل تنفيذ مختلف أوراش الدولة الاجتماعية طبقا للرؤية الملكية السامية.
واعتبر كاير أن إخراج برنامج الدعم الاجتماعي المباشر في ظروف جيوسياسية واجتماعية واقتصادية صعبة يعد بحد ذاته مكسبا ورهانا مهمين؛ كما أن إرساء بلادنا لهذه الآلية التضامنية، أفقية الاشتغال، سيمكن من توفير خلفية داعمة لرهانات تحسين مؤشرات التنمية , مضيفا أن مختلف البرامج المندرجة في إطار مشروع الدولة الاجتماعية ربطت بين الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر وشرط متابعة الأطفال لدراستهم وتتبع الأم الحامل لصحتها وصحة الجنين، على نحو يمكن من الاستثمار في الإمكان البشري وتأهيله وتطوير إمكانياته المستقبلية.
حاوره : أوسي موح الحسن

  • بداية، ما هي خلفية إحداث المرصد الوطني للتنمية البشرية والمهام المنوطة به؟
تأسس المرصد الوطني للتنمية البشرية بتعليمات ملكية سامية سنة 2006، في سياق اتسم على نحو خاص بنشر تقرير "50 سنة من التنمية البشرية، آفاق سنة 2025"، الذي شكل مشروعا جماعيا وتشاركيا لاسترجاع مسار التنمية البشرية بالمغرب، طوال نصف قرن من الاستقلال، واستشراف آفاقها، على مدى العشرين سنة اللاحقة. قبل ذلك، أطلق جلالة الملك محمد السادس نصره الله المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005، والتي شكلت بدورها آلية أساسية لدعم الفئات في وضعية هشاشة وتعزيز فرص الإدماج الاجتماعي، عبر جيل جديد من المبادرات المحدثة لفرص الشغل، وتطوير الأنشطة المدرة للدخل.
في هذا الإطار، وانطلاقا من الاختصاصات الموكلة إليه، اضطلع المرصد الوطني للتنمية البشرية طيلة أكثر من 17 سنة بمهام دراسة وتحليل آثار برامج التنمية البشرية المنجزة وتقييمها، بالإضافة إلى الإدلاء برأيه للمتدخلين في السياسات العمومية ذات الصلة، فضلا عن إصدار للتقرير الوطني للتنمية البشرية. وهو بذلك، قد راكم رصيدا مهما من الدراسات والتقارير والأبحاث الميدانية، وطور خبرة معتبرة في مجال تقييم السياسات العمومية الاجتماعية المتعلقة بمجالات التعليم والصحة والتشغيل وديناميات الفقر والدخل إلخ...
  • ماهي إضافة المرصد داخل حقل مؤسساتي يُعنى بالتقييم يمكن وصفه بالمتضخم؟
أعتقد على أن وصف الإطار المؤسساتي المعني بالتقييم بالمتضخم لا يعدو أن يكون مجرد انطباع عام لا ينبني على معطيات واقعية أو موضوعية، إذ يتم في العمق إغفال التمايز الحاصل في الوظائف والمهام بين مختلف المؤسسات التي تتوزع بين هيئات للديمقراطية التشاركية بغايتها التداولية، والبرلمان بوظيفته التشريعية، والمجلس الأعلى للحسابات كمؤسسة عليا للرقابة المالية، والمندوبية السامية للتخطيط كجهاز لإنتاج المعلومة الإحصائية.
لذلك، يظل دور المرصد متفردا، سواء تعلق الأمر بالاختصاص الحصري بتحليل وتقييم سياسات وبرامج التنمية البشرية، أو بتموقعه المؤسساتي فوق القطاعي ذي الطابع العرضاني، وهو ما يمنحه إمكانيات للتأثير في صياغة السياسات وتوجيهها في ضوء التقييمات التي يقوم بإنتاجها.
  • الجميع يتحدث عن الدولة الاجتماعية، من موقعكم المؤسساتي هل يمكن تقديم بعض عناصر تعريف لهذا المفهوم؟
الدولة الاجتماعية هي رؤية ملكية للفعل العمومي في المجال الاجتماعي، بوأها جلالة الملك محمد السادس نصره الله مرتبة الأولوية الاستراتيجية لبلادنا بناء على تحليل موضوعي للعجز الاجتماعي وطموح التنمية البشرية والاجتماعية كما تصورها النموذج التنموي الجديد للمملكة، وهي تهدف في العمق إلى تسريع التحول الاجتماعي عبر مداخل التغطية الصحية، والتعليم، والصحة، والدعم الاجتماعي المباشر والدعم المباشر للسكن، بالإضافة إلى تعميم الانخراط في أنظمة التقاعد، والتعويض عن فقدان الشغل إلخ...
هذا الورش الملكي ينتمي إلى الزمن الاستراتيجي في أفقه الإِصلاحِي وطبيعته المُهيكلة، حيث يستشرف بناء نموذج اجتماعي جديد من شأنه أن يحدث تحولاً جذرياً لِمُحدِّدات العلاقة بين المواطن والدولة، كما تطال آثاره بشكل عميق كل منظومة الفعل العمومي في أبعادها ذات الصلة بالسياسات، والقيم، ونموذج الحكامة.
  • هل هناك تملك عمومي لهذا المفهوم؟
يجب الإقرار في هذا الإطار أنه، وإدراكاً لحجم الإكراهات ذات الصلة بالسياق الدولي وقساوة الظروف المُناخية، وحجم الطلب الاجتماعي، فقد أبانت الحكومة عن فعالية في الاستجابة للأجندة المعلنة للورش الملكي للدولة الاجتماعية سواء من حيث وضع الإطار القانوني والتنظيمي أو من خلال تعبئة المواد اللازمة وضمان استدامتها، بالإضافة للقطيعة الواضحة مع طريقة في التدبير كانت تُمعن في أدلجة الحوار العمومي وتسعى لترسيم توتر العلاقة بين المؤسسات والفئات الاجتماعية.
بالمقابل، يمكن أن نسجل عجزا في شبكات قراءة الواقع الاجتماعي لدى بعض الفاعلين السياسيين، وضعف إدراك للتحولات العميقة التي مست السياسات العمومية الاجتماعية وأدواتها، مقابل الارتهان إلى نماذج اجتماعية أصبحت متجاوزة، ترتكز في الغالب على شعارات تجاوزها الواقع، وهو ما يعكس المعارضة التقنية للمبادرات والإصلاحات المنتهجة، والاستعمال المنبري لفضاءات المساءلة، في ظل غياب بدائل واقعية تتماشى مع انتظارات المواطنات والمواطنين ومتطلبات المرحلة.
  • كيف تتصورون أدوار المرصد في سياق ورش الدولة الاجتماعية؟
أفرز مشروع الدولة الاجتماعية تحولاً نوعياً ببلادنا على مستوى المقاربات المنهجية ومضمون السياسات العمومية، وهو ما يفترض أن يجد صداه لدى الهيئات المكلفة بتقييم السياسات العمومية، ومن بينها المرصد الوطني للتنمية البشرية الذي يتولى مهمة مركزية في السياق الوطني الحالي، بالنظر لكثافة البرامج الاجتماعية من جهة، ورهان الفعالية المرتكز على البرمجة الزمنية المضبوطة والأهداف المحددة من جهة أخرى. هذا التمرين الجديد في تدبير السياسات العمومية، جعلنا نبلور تصورا يرتكز على ضرورة الربط بين تقييم مؤشرات التنمية البشرية في ترابط بدراسة الأثر الاجتماعي ومستويات الرضى لدى المواطنات والمواطنين.
تجد هذه المقاربة مرجعيتها في الديمقراطية التشاركية والحاجة إلى تملك المواطنات والمواطنين للبرامج والسياسات التنموية المنتهجة من جهة، وتمكين الحكومة من أدوات فهم الطلب الاجتماعي من أجل بلورة الإجابات الملائمة من جهة أخرى.
في هذا الصدد، أطلقنا شهر يناير الماضي بحثا ميدانيا حول تمثلاث ورضى الأسر المستفيدة من برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، على نحو سيمكننا من تبيان سبل تطوير هذا البرنامج وضمان تحقيقه للأهداف المتوخاة منه.
  • ماذا عن قابلية الحكومة للإنصات والتجاوب مع الملاحظات الناتجة عن أعمال التقييم؟
يجب التأكيد بشكل عام على أن تدبير السياسات العمومية يتطلب تفاعلا من طرف الحكومة مع مختلف الجهات المتدخلة أو المعنية بتلك السياسات سواء قبليا أو بعديا، وهو ما يفترض إقامة حوار مؤسساتي يهدف بالأساس إلى تطوير فعالية البرامج المنتهجة.
أما بخصوص علاقة المرصد بالحكومة، فيمكن التأكيد على أننا لمسنا التزما جديا لدى السيد رئيس الحكومة بأخذ ملاحظاتنا بعين الاعتبار لتصحيح أو إعادة توجيه بعض الإجراءات في ضوء التقارير التي نعدها في إطار مواكبتنا للأوراش الاجتماعية المفتوحة ببلادنا.
من جهة أخرى، نسجل بكل اعتزاز الطابع الإرادوي لعدد من القطاعات الوزارية، التي تحيل على المرصد الوطني للتنمية البشرية طلبات للتقييم، وهو ما يعد اعترافا بمهنية المرصد وخبرته في مجال تقييم وتحليل برامج التنمية البشرية.
  • وماذا عن برنامج الدعم الاجتماعي المباشر؟
إطلاق نظام الدعم الاجتماعي المباشر هو بمثابة تتويج لمسار تم التأسيس له في إطار التوجيهات الملكية السامية واعتمادا على منهجية حكومية تعتمد التدرج في إرساء دعائم الدولة الاجتماعية، كما تعتمد منطقا إصلاحيًا استباقيا يجعل تثبيت البدائل مدخلا لتقليص اللجوء التلقائي للعمل بنظام المقاصة.
أهمية هذا المنطق تتجلى في أمرين أساسيين: أولا تحسين الاستهداف العمومي لحالات العوز الاجتماعي التي تستدعي إعمال منظومة التضامن الاجتماعي وذلك من خلال عقلنة الولوج لخدمات الدعم العمومي وتوحيد آليات الاستهداف باستخدام الرقمنة والتقنين الشفاف للاستفادة عبر ضبط المعطيات الكمية المحصلة من جهة عبر آلية السجل الوطني للسكان وآلية السجل الاجتماعي الموحد من جهة اخرى. وثانيا توجيه الدعم الاجتماعي للأسر المعوزة، حيث العناية بالأسرة كوحدة مرجعية للدعم العمومي من شأنه أن يحصنها من مخاطر الهشاشة الاقتصادية المؤدية إلى تعطيل الأداء الوظيفي لمؤسسة لن تتحصن اللحمة الاجتماعية من دونها.
من هذه الناحية، فإن إخراج برنامج الدعم الاجتماعي المباشر في ظروف جيوسياسية واجتماعية واقتصادية صعبة يعد بحد ذاته مكسبا ورهانا مهمين؛ كما أن إرساء بلادنا لهذه الآلية التضامنية، أفقية الاشتغال، سيمكننا من توفير خلفية داعمة لرهانات تحسين مؤشرات التنمية المرتبطة بالقطاعات الاجتماعية الأساسية، خاصة التعليم والصحة، من خلال الاعتناء بأوضاع الأسرة والمرأة والطفولة والأشخاص المسنين والأشخاص في وضعية إعاقة.
نجاح بلادنا في إطلاق هذا الورش أنهى كذلك مرحلة تردد دامت عشر سنوات.
أخيرا، تتجلى أهمية هذا الدعم في كون آثار السياسة العمومية فيه تعد أكثر قابلية للمراقبة والتقييم والتقليل من خسائر آليات الاستهداف التقليدي المستخدمة في مراحل سابقة بشكل غير مقيد بمؤشرات نجاعة التوجيه القائمة على مبدأ الاستحقاق.
  • الانتقاد الأولي للدولة الاجتماعية قد يكون هو إشكالية تكريس ثقافة الاتكالية؟
يهدف مشروع الدولة الاجتماعية في العمق إلى تمكين الفئات الهشة والفقيرة من فرص الارتقاء الاجتماعي عبر الولوج المتكافئ لخدمات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية. وهو بذلك يسعى إلى تخليص تلك الفئات من التبعية والحاجة الدائمة إلى الدعم، عبر توفير إمكانيات الإدماج الاجتماعي والاقتصادي ورعاية الأجيال الصاعدة.
لذلك، ربطت مختلف البرامج المندرجة في إطار مشروع الدولة الاجتماعية بين الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر وشرط متابعة الأطفال لدراستهم وتتبع الأم الحامل لصحتها وصحة الجنين، على نحو يمكن من الاستثمار في الإمكان البشري وتأهيله وتطوير إمكانياته المستقبلية.
  • ماهي في نظركم خلفية جعل الأسرة في صلب مختلف الإصلاحات والبرامج الاجتماعية؟
لقد جددت الخطب الملكية التأكيد على المحدّدات المرجعية للمشترك القيمي للمجموعة الوطنية، باعتبارها قاعدة صلبة للوحدة وللتلاحم المُجتمعي، ومُنطلقا ضروريا للسياسات والبرامج التنموية. في هذا الإطار نستحضر مبدأ التضامن بين الفئات والأجيال والجهات، كما تبرز مركزية الأسرة والروابط العائلية كعناصر إِسناد لكل التوازنات المجتمعية؛ ولا شك أن الورش الملكي للدولة الاجتماعية يحمل في طياته هذه الخلفية النبيلة، حيث يضع نُصب أهدافه وبرامجه الأسرة كموضوع رئيسي للسياسات العمومية، وكبنية حاسمة لتحقيق التماسك المجتمعي.
  • ماهي قراءتكم لارتقاء المغرب بثلاث رتب في المؤشر العالمي للتنمية البشرية دفعة واحدة؟
سجل التقرير العالمي حول التنمية البشرية 2024/2023 المجهودات التي يبذلها المغرب في مجال التنمية البشرية، لا سيما في مجالات التعليم والصحة والتنمية الاقتصادية، على نحو يضمن الإدماج الاجتماعي وفرص الإنصاف لجميع المواطنات والمواطنين.
ويجب التأكيد في هذا الإطار، على أن تحسن تصنيف المملكة يعد إنجازا مهما، سواء من حيث المرتبة 120 التي أضحت تحتلها بلادنا برسم هذا التصنيف العالمي، أو من حيث الارتقاء بترتيبها الإنمائي بثلاث رتب دفعة واحدة.
كما أن التقرير العالمي للتنمية البشرية أبرز المجهودات المتواصلة لبلادنا من أجل معالجة الفوارق المبنية على النوع، مؤكدا في الآن ذاته ضرورة مواصلة الاهتمام بتسهيل ولوج المرأة للتعليم والصحة وفرص الادماج الاقتصادي.
وبشكل عام، سجل التقرير العالمي للتنمية البشرية الانجازات الملموسة للمغرب في اتجاه تحقيق التنمية المستدامة والإدماج الاجتماعي، مؤكدا على مواصلة جهود المملكة في مجالات تعزيز الولوج للتعليم، والصحة والإدماج الاقتصادي ومكافحة التغيير المناخي.
هذا الإنجاز يعد اعترافا أمميا بالمجهودات التي بذلها المغرب من أجل تنفيذ مختلف أوراش الدولة الاجتماعية طبقا للرؤية الملكية السامية.
  • ما هي المكونات التي ساهمت بشكل أكبر في تقدم مؤشر التنمية البشرية في المغرب؟
المكونات التي ساهمت بشكل أكبر في تقدم مؤشر التنمية البشرية في المغرب هي تلك المتعلقة بمتوسط ​​العمر المتوقع ومدة الدراسة المتوقعة، والتي سجلت زيادة بنسبة 1.4% و4% على التوالي.
من ناحية أخرى، فإن المكونات المتعلقة بنصيب الفرد من الدخل الوطني الإجمالي ومتوسط ​​مدة الدراسة قد أثرت على تقدم مؤشر التنمية البشرية. وبالتالي، لم يساهم نصيب الفرد من الدخل الوطني الإجمالي إلا بنسبة 0.1%، وهو ما يعوض جزئيا فقط بعض الخسائر المسجلة في أعقاب أزمة كوفيد-19. أما متوسط ​​مدة الدراسة، فقد ظل دون تغيير منذ عام 2020 عند 6.1 سنوات.
  • لا يمكن لهذا الحوار أن يتجاهل نقطة أساسية تتعلق بقضية المؤشرات والنقاش الدائم حولها؟
لطالما شكلت مؤشرات التنمية والتصنيفات الدورية التي يصدرها بشكل خاص برنامج الأمم المتحدة الإنمائي موضوع نقاشات فكرية ومنهجية، سواء في الفضاء الجامعي أو على المستوى الرسمي. في هذا الإطار، أثيرت سابقا بعض الملاحظات العلمية والمنهجية التي كانت تجعل من مجهودات بلادنا في مجال التنمية لا تنعكس دائما على الترتيب الدولي للمغرب.
في هذا الإطار، سيواصل المرصد الوطني للتنمية البشرية فتح النقاش وطنيا ودوليا بشأن مؤشرات قياس التنمية، مساهمة منه في إثراء الرصيد المعرفي في هذا المجال. كما لا تفوتني الفرصة في هذا الصدد، دون أن أنوه بعلاقات التعاون والشراكة التي تربطنا ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مجالات الدعم التقني وتبادل الخبرات.