المهرج الحزين !

بقلم: المختار لغزيوي الجمعة 22 ديسمبر 2023
No Image

(كلام لابد منه، إلى بهلوان، لم يعد قادرا على تسلية الجمهور)

أسوأ ماقد يقع لأي بهلوان في سيرك الحياة كله، هو أن يصبح عاجزا عن الإضحاك.

يتحول حينها إلى مهرج حزين، يثير في قلوب جمهوره القديم، كل آيات الحزن وعلامات الرثاء.

يتذكرون مقالبه اللطيفة سابقا، ويستعيدون نكته التي كانت مرحة في الماضي، فيرغبون في ثنيه عن المواصلة، ويفكرون في التوسل إليه أن "كفى"، ولسان حالهم الداخلي يقول "إرحم شيبتك ياهذا".

لكنهم لايستطيعون.

منهم من يشفق عليه من أثر صدمة جملة مثل هاته.

ومنهم من يقول "لاداعي"، قبل أن يضيف متحسرا "مابقا قد مافات".

ومنهم من لايهتم أصلا. يكتفي بالابتسامة المداهنة المنافقة، ويحاول إقناع المهرج الحزين، أنه لم يفقد لياقته الكلامية، التي كانت تضحك الأتباع المساكين في زمن آخر، وأنه لازال - رغم الحزن الكئيب الظاهر عليه بشكل سافر - قادرا على الإسعاد.

أسوأ ماقد يقع لأي مهرج حزين، مثل الذي نتحدث عنه اليوم، هو عندما يعوض انقطاع صبيب الموهبة الكلامية عنده بالشر، وبالشتائم، وبالسباب، وباللعنات.

يصبح مجرد مجرى لتصريف المياه العادمة، قناة تعبر بواسطتها قاذوراتنا وأزبالنا، أعز الله قدر الجميع، إلى الخلاء، والفناء، مكانها الوحيد الذي يليق بها.

عادة، يقفل الناس أنوفهم، عندما يشرع المهرج الحزين في قذفهم بروائحه الكريهة. يكثرون من وضع العطور الطيبة، وكل وسائل تفادي الرائحة العطنة التي تند عن لسانه، ولا يترددون طيلة الوقت في ترديد الدعاء المأثور الجميل، الذي يتمنى من العلي القدير حسن الخاتمة (الله يجعل آخرنا أحسن من أولنا).

أحيانا، يحصل أن يسبنا المهرج الحزين نحن أيضا، مثلما سب العديدين قبلنا.

نحن، حينها، نطرح على أنفسنا السؤال: هل يستحق، وهو في هذه الحالة التي وصلها، الرد حقا؟

نجيب فورا "قطعا هو لايستحق"، لذلك لانرد على ترهاته.

نكتفي فقط بسرد قصص المهرجين حين يصيبهم الحزن بالكآبة، ويفقدون القدرة على تسلية الجمهور.

تخلو منهم ساحة المسرح، ويطردهم ركح الحياة، ولا تعفو عليهم الأيام، بل تعافهم، ولايعف الناس عن إعادة الشتيمة إليهم مضاعفة، خوفا أو خشية، بل عفوا من لديهم، لأنهم يشفقون حقا على المهرج الحزين، ويرثون أرذل الحال الذي وصله، والذي جعله اليوم غير قادر إلا على كل هاته الكآبة المحزنة.

في المغرب، لدينا مهرج حزين، يعرفه الناس جيدا، فقد اكتووا بمااقترفه يوم كان في موقع المسؤولية، ولازالوا يتذكرون جيدا كل الإحباطات التي ترتبط باسمه، في تلك السنوات العجاف التي جاء به فيها ربيع عربي كالخريف أو أسوء.

هو اليوم يحاول رتق البكارة السياسية من جديد، ويحلم بأن تصنع له "الأحداث المغربية"، معجزة مستحيلة، هي معجزة إحياء الموتى، أستغفر الله العظيم.

عذرا، أيها المهرج الحزين، نحن نستطيع كل شيء إلا هاته، لذلك نقولها لك بكل وضوح: أنت جثة سياسية، إكرامها الوحيد...الدفن، ونحن لانستطيع إعادة نفخ الروح فيك، مهما شتمتنا، ومهما حاولت عبر هذا الشتم، أن تستنشق من حديد أوكسيجين الحياة في سياسة هذا البلد.

الله يرحمك أيها المهرج الحزين. هذه هي الخلاصة. الله يرحمك، وكفى.