في ذكراها 48: روح المسيرة تواصل رسم الطريق وطنيا وقاريا

بقلم: المختار لغزيوي الأربعاء 08 نوفمبر 2023
No Image

الاعتزاز بقيم المغرب، البحث عن مشترك يوحد الإنسانية، رؤية استراتيجية متطورة لإفريقيا في علاقتهابالعالم، جعل الواجهة الأطلسية الإفريقية عنوان التقاء كل الشركاء الراغبين في تنمية بلدانهم وشعوبهم، التنويه بدور القوات المسلحة الملكية والقوات الأمنية والإدارة الترابية وكل القوى المدنية الحية في بقاءالمغرب قادرا على إشهار استثنائه النابغ وسط عالم يعج بكثير التطورات غير المسبوقة ولا المتوقعة التي تهدد بخلخلة كثير من الأشياء.

في خطاب ذكرى المسيرة الذي وجهه جلالة الملك إلى الأمة المغربية، الإثنين، كانت النبرة واضحة وغالبة علىماعداها : الاعتزاز بالمغرب والمغاربة، وتقديم قيم تمغربيت التي صنعت من هذا البلد ومن هذا الشعب ماهما عليه.

هي عبارة "المغرب أولًا" التي لايكتفي المغاربة بترديدها، بل يعتبرونها عنوان وجود اهم فوق هاته الأرض،تجعلنا نضع مصلحة بلدنا فوق وقبل كل اعتبار، وتجعلنا دوما وأبدا لاننظر إلى أي شيء إلا بنظاراتنا الأصيلة، فهي وحدها تجعل الرؤية لدى المغربية والمغربي سليمة سوية.

ذكرنا جلالة الملك جميعا، والذكرى تنفع المؤمنين، بأن القيم التي تميز الأمة المغربية، مكنت من توطيدالمكاسب المحققة في مختلف المجالات.

واستحضر جلالة الملك في هذا الصدد، "القيم الروحية والوطنية والاجتماعية التي تميز الأمة المغربية فيعالم كثير التقلبات"، مذكرا جلالته بأن المسيرة الخضراء جسدت هذه القيم العريقة، قيم التضحية والوفاءوحب الوطن، التي مكنت المغرب من تحرير أرضه، واستكمال سيادته عليها.

ويقول أيضا جلالة الملك في خطاب الذكرى 48: "عندما تكلمت عن الجدية، فذلك ليس عتابا، وإنما هو تشجيع على مواصلة العمل، لاستكمال المشاريع والإصلاحات، ورفع التحديات التي تواجه البلاد. وهو مافهمه الجميع، ولقي تجاوبا واسعا، من مختلف الفعاليات الوطنية".

قيم التضامن والتعاون والانفتاح، التي تميز المغرب، هي التي ساهمت مثلما قال جلالته في الخطاب فيتعزيز دوره ومكانته، كفاعل رئيسي، وشريك اقتصادي وسياسي موثوق وذي مصداقية، على المستوى الإقليمي والدولي، وخاصة مع الدول العربية والإفريقية الشقيقة.

قيم تمغربيت هاته هي التي تجعل هذا البلد عصيا على التشبيه بأي كان، وتجعلنا قادرين لحظة المحنوالشدائد على أن نقدم الدروس المغربية لكل راغب في الاستفادة، وتجعل وطننا قادرا على أن يكون في المنتصف بين كل من يستهويهم الانحراف الكامل لهاته الجهة أو تلك، وتجعل المغربية والمغربي يرددان عبارة"المغرب أولًا"، بكل اقتناع وإيمان وتصميم على جعلها نبراس الطريق والشعلة التي تضيء لنا كل الظلمات.

ثم هناك إفريقيا، الموضوع في قلب المغرب انتماءا جغرافيا وحضاريا لايزول، وهي تعني للمملكة كل شيء،حد تقديم جلالة الملك في خطاب الذكرى 48 لمشروع بحث عن المشترك القادر على توحيد إفريقيا بالعالم كله عن طريق الواجهة الأطلسية، هاته الشرفة التي تشكل لنا مصدر افتخار، وتشكل لأعداء هذا البلد سبب حزن دائم.

يقول جلالة الملك "وإذا كانت الواجهة المتوسطية ، تعد صلة وصل بين المغرب وأوروبا ، فإن الواجهةالأطلسية هي بوابة المغرب نحو افريقيا، ونافذة انفتاحه على الفضاء الأمريكي .

ومن هنا يأتي حرصنا على تأهيل المجال الساحلي وطنيا، بما فيه الواجهة الأطلسية للصحراء المغربية، وكذا هيكلة هذا الفضاء الجيو - سياسي على المستوى الإفريقي.

غايتنا أن نحول الواجهة الأطلسية ، إلى فضاء للتواصل الإنساني ، والتكامل الاقتصادي ، والإشعاع القاريوالدولي."

اقتراح جيو-سياسي شجاع ومتطور يضعه المغرب أمام أنظار العالم من أجل الرد على كل التحديات التيتواجه القارة الأم، قارة إفريقيا، والتي تواجه منطقة الساحل أساسا، التي استنفذت فيها القوى المتدخلة كلقدرات التدبير والتسيير، ووجدت نفسها مطالبة من طرف شعوب تلك المنطقة بالرحيل، لأن معادلة الوجودهناك مقابل التنمية لتلك البلاد لم تتحقق، وهي أساسا لن تتحقق دون تصور عادل مثل الذي اقترحه جلالةالملك في خطاب الإثنين قائم على أن نعمل "مع أشقائنا في إفريقيا، ومع كل شركائنا، على إيجاد إجابات عملية وناجعة لها، في إطار التعاون الدولي."

ولايكتفي الخطاب الملكي بالتنظير، بل يقدم نماذج للخطوات العملية التي قام بها المغرب من أجل تفعيل هذاالتصور، وجعله واقعا متحققا. يقول جلالة الملك "وفي هذا الإطار، یندرج المشروع الاستراتيجي لأنبوب المغرب - نيجيريا.

وهو مشروع للاندماج الجهوي، والإقلاع الاقتصادي المشترك، وتشجيع دينامية التنمية على الشريطالأطلسي، إضافة إلى أنه سيشكل مصدرا مضمونا لتزويد الدول الأوروبية بالطاقة.

وهو نفس التوجه الذي دفع بالمغرب، لإطلاق مبادرة إحداث إطار مؤسسي، يجمع الدول الإفريقية الأطلسيةالثلاثة والعشرين، بغية توطيد الأمن والاستقرار والازدهار المشترك.

إن المشاكل والصعوبات، التي تواجه دول منطقة الساحل الشقيقة، لن يتم حلها بالأبعاد الأمنية والعسكرية فقط ؛ بل باعتماد مقاربة تقوم على التعاون والتنمية المشتركة.

لذا، نقترح إطلاق مبادرة على المستوى الدولي، تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي.".

اقتراح أكثر من شجاع ورد أكثر من عملي على سؤال عجزت دول كثيرة بعتادها وقدراتها الرد عليه بجدية، بل لم تحاول أصلا ذلك، وحلت هنا في قارتنا محملة بكل أحكامها المسبقة عنا، وبنظرتها القديمة إلينا، والنتيجة رأيناها ونراها جميعا، ولاخروج منها إلا بالحلول التي يقترحها قادة القارة الصادقون وفيمقدمتهم جلالة الملك : التعاون الصادق وفق منطق الشراكة الحقيقي، ووفق تصور رابح/رابح، ووفق احترام قارة كانت هي مهد العالم وأمه، وستكون مفتاح كثير من حلوله إن صدقت النية ورافقها العمل الجدي المبني على التفكير السليم.

باختصار تذكرنا جميعا نحن المغاربة أن المسيرة الخضراء المظفرة ليست مجرد حدث سياسي عظيم مر منذ48 سنة، بل هي روح متجددة قادرة على إضاءة الطريق للمغرب ولإفريقيا لسنوات وعقود أخرى قديمة وطويلة.

لعله سر واحد فقط من أسرار النبوغ المغربي الكثيرة، التي يكفيك أن تكون مغربيا حرا وصادقا وأمينا، لكي تلمسها كل يوم وفي كل مناحي الحياة.