وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ
وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ
الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ
لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ
وَالـعَـرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي
وَالـمُـنـتَـهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ
وَحَـديـقَـةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا
بِـالـتُـرجُـمـ انِ شَـذِيَّةٌ غَنّاءُ
منذ القديم يحتفل الناس هنا بميلاد خير الورى، عليه الصلاة والسلام، ولم يطرحوا على أنفسهم يوما السؤال الغريب: هل يجوز الاحتفال بذكرى عيد المولد النبوي؟
بالعكس، المغاربة كانوا دوما يسألون أنفسهم والآخرين: هل يجوز عدم الاحتفال بهاته الذكرى العظيمة؟
وكانوا يجيبون فورا ودون تردد: لايجوز طبعا، فهي في المقام الأكبر لديهم، وهي طريقة من بين أخر كثيرة وعديدة، يقولون عبرها، بشغفهم المعهود حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولآل النبي عليهم الرضوان والسلام، ولكل من انتسب لهذا السلسال المجيد منذ البدء وحتى نهاية الخليقة.
طبعا هناك الغرباء عنا، الذين يحملون معنا البطاقة الوطنية نفسها، لكن يعيشون في دواخل دواخلهم خارج المغرب، وبعيدا عن المغاربة.
هؤلاء يحلو لهم كل مرة التنغيص علينا، بمناسبة وبدونها، فقط لكي نتذكر أنهم لازالوا فوق سطح الأرض يشاركوننا هذا الأوكسيجين الغالي الذي يقول كل علماء الإيكولوجيا إننا نعتدي عليه اليوم بعد الآخر.
هواة الكآبة والتنغيص هؤلاء يقولون لنا : نحن لانعرف إلا عيدين فقط: الفطر، وإسمه عند المغاربة الصغير، والأضحى، وشعبنا يسميه الكبير، وفيما عدا ذلك هي بدع، ليس إلا عند الخائفين من رحابة الدين ومن رحمة الاجتهاد .
المغاربة، شعبنا الطيب البسيط، المؤمن إيمانًا فطريا يبغي به وجه الله، لا إيمان التفاخر على الناس، وتزكية النفس على الله، لاينصتون لهذا الكلام أبدا، ويخصون هذه الذكرى العظيمة بجميل التقدير وباذخ الاحتفال، حتى أن هناك مدنا بعينها (مكناس، مراكش، سلا، وغيرها كثير)، أصبحت مرادفة للمولد النبوي الشريف، وللتجويد في الاحتفال به، والمبالغة الحسنة المقبولة في تعظيم الذكرى من باب تعظيم صاحبها عليه الصلاة والسلام.
وحين يقول لنا القائل: مالنا وكل هذا الكلام اليوم؟ نجيب بأن المناسبة شرط، ونذكر من يرغب في الإنصات إلينا أن حداثة العقل لا تتعارض مع إيمان القلب، وأن احترام عقائد الناس، وتدينهم، وطريقة ممارسة هذاالتدين، هي أولى أولويات الإيمان الحق بالحرية، وهذه مسألة صغيرة ينساها عدد كبير من أصدقائنا من تيار (الحداثة) ويضعونها على الرف، ولعلها سبب من أسباب اتساع الهوة حد الفراق الأخير بينهم وبين جزء كبير من شعبنا، وهو أمر غير ذكي كثيرا.
أيضا هذه المناسبة العظيمة هي فرصة لتذكر أخلاق من أرسله الله عز وجل "رحمة للعالمين"، ومن وصفه الباري جل وعلا بأنه لم يكن فظا ولا غليظ القلب، ومن أوصاه ربه دوما بالدفع بالتي هي أحسن، ومن استطاع بالصبر الجميل على الأذى العظيم إيصال رسالته إلى العالم أجمع، صلى الله عليه وسلم.
ولو قارن بعض من يتحدثون باسم الدين مايقترفونه من ساقط القول والفعل بأخلاق نبي الرحمة لخجلوا، ولفهموا أن المسافة بعيدة بينهم وبين الدين الحق، بل لاستوعبوا أنهم يسيئون للإسلام وهم يدعون العكس.
لكن ما باليد حيلة، هم هكذا بالقلوب الشهيرة التي عليها أقفالها، ونحن لانهتم بهم كثيرا، خصوصا في يوم عظيم مثل هذا نكثر فيه من الصلاة والتسليم على حبيب الله محمد، ونعتبر- نحن المغاربة هنا في المغرب - أنه من الممكن أن تكون عاشقا متيما بالحياة، وأن تكون متدينا في الوقت ذاته، مؤمنا فطريا بأن الإسلام العظيم هو الدين الذي يضمن العلاقة المباشرة بين العبد وخالقه، دونما حاجة لوسطاء يقحمون نفسهم بكل فضول في علاقة لاتحتمل الوساطة ولا تقبلها.
تلك هي الرسالة، وذلك هو المغزى من الاحتفال الذي يقيمه دوما الإسلام المغربي، الوسطي، المعتدل، بهاته الذكرى العظيم.
كل العام وشعبنا بألف خير وفي أتم تصالح بين دينه ودنياه، مهما كره الكارهون.