لغزيوي يكتب: التهمة…مؤثر (ة)!

بقلم : المختار لغزيوي (عن الأحداث المغربية) الأربعاء 21 يونيو 2023
No Image

صافي، جفت الأقلام، ورفعت الصحف، و "مول المليح باع وراح"، و "إنتهى الكلام"، مثلما كان يقول الآخر وهو يسخر منا.

ذلك أننا علمنا من مصادر موثوقة جدا أن المغاربة لم يعودوا قادرين على تصديق الصحافيين، وأنهم عوضوا هاته المهنة بمهنة أخرى (هي كالمهنة أو تكاد) لكي يستقوا منها الخبر، ولكي يجعلوا منها مصدر معلوماتهم الأول والوحيد، وهي مهنة "مؤثر"، و "مؤثرة"، الجديدة.

لااعتراض لدي على الأمر، فكل المهن شريفة، بما فيها أقدم مهنة في التاريخ، لأنها وإن تضمنت بيعا للعرض أو الشرف من طرف ممتهنها أو ممتهنتها، إلا أنها تظل في العمق ردا من محترفها أو محترفتها على الزمن وعطالته، لذلك لااحتقار إطلاقا لأي مهنة كيفما كان نوعها، والسيء هو أن يظل الإنسان جالسا القرفصاء ولايقوم بأي شيء، وهذا مبدأ ثابت يجب أن نتفق عليه قبل المرور إلى تتمة النقاش.

"آرانا دابا" هذه المهنة، وماتعنيه، وماتقوم به أو تقدمه، وهل يستحق فعلا محترفوها أن يكونوا مصادر للمعلومات كل في مجاله؟

سأصدم الكثيرين وأنا أرد : نعم. هناك مؤثرون أذهب إلى محتواهم في ميدان الأنترنيت والتكنولوجيا الرقمية لكي أستفيد منه أنا الأمي في هذا الميدان.

وهناك مؤثرون في الرياضة، يقدمون في صفحاتهم عبر مختلف المواقع والمنصات منتوجا يفوق في الجودة، مضمونا وشكلا، مايقدم في أغلب القنوات الرياضية المتخصصة.

وهناك مؤثرون يقدمون حوارات سياسية رفيعة لم يعد تقليديو الصحافة قادرين عليها.

وقس على المنوال ذاته بقية المجالات من الاقتصاد حتى الثقافة، حتى الضحك والفكاهة، إذ تعثر في الأنترنيت على جواهر من المستملحات لم يستطع برنامج "كوميديا" على امتداد كل هاته السنوات التي عاشها أن يعثر على مثيل لها.

بالمقابل، وهنا لابد من تلك "اللكن" اللعينة التي ترافق كل شيء لدينا هنا في البلد، هناك كوارث تسمي نفسها مؤثرا ومؤثرة، مكانها الأول، إذا ما آمنا بالطب والعلم الحديثين حقا، هو تلك الكنبة الشهيرة التي يرخي فيها المرء جسده، ويشرع في البوح، أي عيادة الأمراض النفسية لمن كان قادرا ماديا على زيارة"البسي"، أو في حالة الفقر وضيق الحال (الله يرحم ضعفنا) مستشفياتنا العمومية من برشيد حتى بوياعمر التقليدي الذي تم إغلاقه وترك عدد كبير من مريديه يمتهنون حرفة التأثير الخارق للعادة هاته.

لماذا نقول هذا الكلام الآن؟

فقط لكي نفصل بين الصالح والطالح، ولكي نميز بينهما، ولكي نعترف أن هناك جودة في التأثير مثل الصحافة ومثل كل الميادين، وهناك رداءة في التأثير مثل الصحافة ومثل كل الميادين، ووضع كل بيض المؤثرين، وخصوصا المؤثرات في سلة واحدة أمر ليس عاقلا كثيرا.

بعبارة أخرى، نحن اليوم أمام شكل جديد من أشكال التعبير فرض نفسه علينا قسرا، ووجب البحث له عن تقنين (مثلما وقع في فرنسا مؤخرا) ووجب البحث في دواخله عن الجودة لأجل الاستفادة منها وتشجيعهاحقا، وبالمقابل وجب البحث عن الرداءة لصفعها بقوة على مؤخرتها، لأنها ناقصة تربية، وعلى بقية أعضاء جسدها معادة التشكيل، والتي تعتمد عليها من أجل المزيد من "فلوس الأدسنس".

فقط لاغير.

أما الهروب من النقاش بدفن الرأس في الرمال واتهام كل المؤثرين وكل المؤثرات بأنهم سفراء تفاهة لن يهزوا في الصحافة التقليدية شعرة واحدة، فمجرد جبن منا نحن عن مواجهة مافعلناه بميداننا، حتى أصبح فاقد مصداقية لدى الناس، يهربون منه لكي يلتمسوا الحكمة والصدق والخبر في أماكن أخرى لم نكن نتوقعهاعلى الإطلاق.