بيضا ينبه المؤرخين الشباب من مطبات اعتماد الوثيقة المرقمنة

سكينة بنزين الأربعاء 07 يونيو 2023
No Image

AHDATH.INFO - الرباط

نبه جامع بيضا، مدير مؤسسة"أرشيف المغرب"، الباحثين الشباب الذين يخطون نحو بوابة التوثيق والتأريخ، إلى توخي الحذر عند التعامل مع الوثائق التي تشكل قيمة حجية وتراثا يسعف على كتابة التاريخ، خاصة عند التعاطي اليوم مع الوثائق المرقمنة القابلة للتزوير أو التحريف غير المقصود.

بيضا أشار خلال الندوة التي احتضنها فضاء المعرض الدولي للنشر والكتاب، في دورته 28، إلى ضرورة تحلي الشباب بالصبر وطول النفس الممزوج بالحذر عند البحث عن الوثيقة، سواء كانت صورة او مخطوط او كتاب او رسالة ... حتى يتجنب انتاج قراءات خاطئة، بناء على الوثيقة الخطأ التي يرجح تعرضها للطمس أو التوجيه المقصود، أو المتضمنة لجزء يسير من الحقيقة، مشيرا أن الرقمنة خففت على الباحث مشقة البحث الطويل وهينت طرق العثور على كم هائل من المعطيات، لكنها في النهاية لا تغني عن الوثيقة الرسمية الخاضعة لمعايير التدقيق العلمي.

مدير مؤسسة " أرشيف المغرب"، أكد أن الوثيقة على أهميتها الكبيرة، لا تكتسب قيمتها إلا من خلال دراستها ضمن سياقات صحيحة تجنبا للمطبات التي تعترض البحث التاريخي، مشيرا أن التأريخ محاولة استرجاع للماضي وتوثيقه بثغراته وصعوباته، ما يجعل من عملية تجميع الوثائق مهمة صعبة قد لا يتقنها البعض، موضحا أن المؤرخ الذي يتسم بالموضوعية والصدق مع نفسه، يدرك أنه لن يجمع كل القطع المكونة للصورة النهائية والمثالية لفصل معين من التاريخ، لذلك عليه أن يختم بحثه بالقول" هذا ما توصلت إليه"، مع افتراض وجود وثيقة في المستقبل تغطي ما يظهر من الثغرات.

وفي نصيحته للباحثين الشباب، أكد بيضا على ضرورة الابتعاد عن اختراع أمور لا سند لها، من باب الانتصار لتوجهات معينة، مع استحضار الحذر المنهجي في كل مراحل البحث، مؤكدا أن الحصول على وثيقة واحدة لا يسعف أبدا على الفهم، لأنها تبقى بدون قيمة وبدون معنى إذا لم تعضد بالكثير من الوثائق، وهو ما يدفع "أرشيف المغرب" إلى توفير كم هائل من الوثائق وفق تصنيفات متنوعة، تحتاح باحثين مجتهدين ومتمكنين للاشتغال عليها وفق مناهج متعددة.

من جهته أكد المؤرخ عبد الواحد أكمير، خلال الندوة التي تناولت موضوع "كتابة التاريخ: تبدلات الوثيقة وبناء المعنى"، أن الوثيقة شريعة المؤرخين شريطة وجود صنعة وقدرة على المواكبة لضبط الوثيقة، موضحا أنه يقف كأستاذ على عدد من الأطروحات الجامعية التي يحاول الباحث الشاب تضمينها أكبر قدر ممكن من الوثائق، معتقدا أن الأمر يعد إنجازا، في الوقت الذي اعتبر أكمير أن الأمر يبقى مجرد تجميع بدون قيمة إذا لم يتم تسخير هذه الوثائق ضمن نسق لبناء المعنى.

أكمير أوضح أن بناء المعنى من خلال الوثيقة، يتم بتقاطع البعد الأفقي المرتبط بالوثيقة ا وما تتضمنه من معطيات، إلى جانب البعد لعمودي الذي يمثل وجود خيط ناظم يشكل سلسلة تحمل رسائل ضمن عمل متراص ومتقن، يمكنه أن يحمل الباحث نحو نتائج غير متوقعة لكنها منطقية في تسلسلها ومتشعبة.

واستعان المؤرخ بمثال لرسالة ذات طابع أسري بين أب من فاس وابنه الذي رحل نحول اسبانيا تاركا زوجته وابنه، ليوضح المؤرخ أن تتبع هذه الرسالة الوثيقة، انتهى برصد الوجود الفاسي داخل المجتمع الاسباني، وهجرة المغاربة عموما وحركة التجارة والحركة التي تحاوزت اسبانيا نحو دول ابعد، كما أن البحث في هذه الرسالة وما تقاطع معها من وثائق بالأرشيف الاسباني كشف عن وجه آخر من التواجد العسكري للمغاربة في الجيش الاسباني، وتغلغل الأسر الفاسية بين أوساط الأسر الاسبانية العريقة عن طريق المصاهرة او التجارة، إلى جانب انتشار اليهود المغاربة ... وغيرها من المعطيات الغنية والمتشعبة التي بدأت مع تتبع المؤرخ لرسالة عادية ...