رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحنا يخص الأحداث المغربية بمقال حصري: علاقة المغرب وإسرائيل متطورة بفضل القيادة الشجاعة والمتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس

الثلاثاء 06 يونيو 2023

AHDATH.INFO


بمناسبة زيارته للمغرب خص رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحنا الأحداث المغربية بمقال حصري أكد فيه أن علاقة المغرب وإسرائيل تطورت بفضل القيادة الشجاعة والمتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس

بقلم أمير أوحنا- رئيس الكنيست الإسرائيلي



سيكون لي غدا موعد مع التاريخ، حين سأصبح أول رئيس للكنيست الإسرائيلي يقوم بزيارة رسمية إلى برلمان دولة مسلمة. الدعوة، التي تلقيتها من صديقي السيد رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب المغربي، والتي أشعر حيالها بالكثير من مشاعر الامتنان، لابد وأن تكون قد استحضرت العلاقات الخاصة التي تجمع بلدينا، بالقدر الذي لا تشعرني معه بأي اغتراب عن المملكة المغربية.


كسليل لأسرة تكونت من أبوين مغربيين، كنت محاطا في الكنف العائلي ومنذ نعومة أظافري باللغة والثقافة والألحان ونسائم المملكة، وكلها أبعاد وجودية استقرت في دمائي، وأدفأت قلبي بشتى الطرق.


أجيال متعاقبة من اليهود رأت النور على أرض المملكة المغربية، ولكنها ظلت تصلي من أجل العودة. خلال ألفي سنة، أبعد الشعب اليهودي عن أرضه وعاش متفرقا في كل أنحاء العالم، ولم تخل قارة من الوجود اليهودي من أدنى الأرض إلى أقصاها.. من أمريكا إلى اليمن ومن بولندا إلى المغرب. ترددت الصلاة طيلة تلك القرون بنفس العبارة: «نلتقي العام المقبل في أورشليم».


انتقلت الصلوات من الآباء إلى الأبناء، كحلم تعاقب على كل الأجيال. والحمد لله، وبعد توالي مئات الأجيال، أصبح الحلم واقعا. لقد عدنا إلى أورشليم «القدس»، وعدنا إلى أرضنا، وأقمنا عليها دولة مستقلة تحتضن بحب كل مواطنيها اليهود والمسلمين والمسيحيين. لقد بنى اليهود دعائم حياة جديدة في بيتهم القديم.


هاجر آلاف اليهود من كل بقاع العالم نحو وطنهم من خلال برامج مؤسسات الدولة، وشكل اليهود المغاربة واحدة من أكبر وأرقى التجمعات البشرية. بتوالي السنوات، شغل اليهود المغاربة مناصب مهمة في أبرز القطاعات كالأمن والاقتصاد والعلوم والثقافة. وبمرور الوقت، وضع الشعب الإسرائيلي ثقته في الكثير من وجوه اليهود المغاربة لانتخابهم في مواقع المسؤولية، كأعضاء في الكنيست أو وزراء، واليوم ولأول مرة مثلا، اختاروا واحدا منهم ليصبح رئيسا للكنيست الإسرائيلي.


ومنذ تحملي لهذه المسؤولية، لم أدخر جهدا في تمتين العلاقات مع المملكة المغربية عبر فتح آفاق التعاون في مجالات شتى. لكن التطور الأبرز في هذه العلاقات يعود فيه الفضل إلى القيادة الشجاعة والمتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، عندما أعلن انضمام المملكة إلى اتفاقيات أبراهام.


هندسة الاتفاق التاريخي، الذي وسع دائرة السلام وقرب شعوب المنطقة، كانت ثمرة مجهود ثلاثي تمثلت أضلاعه في المملكة المغربية تحت قيادة الملك محمد السادس ورئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب والوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. الحمد لله، انضمت دول إسلامية إلى ركب اتفاق السلام لاحقا، ونعتقد جازمين أن دولا إسلامية أخرى في الطريق للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام قريبا وهو مسعى نشتغل عليه جميعا. السلام الحافل بفرص التعاون في مجالات عديدة يشق طريقه على الأرض الآن، وفرص أكبر تلوح في الأفق. والواقع أن مجالات التعاون بين البلدان المنضمة لاتفاقيات السلام شملت كل القطاعات.


غدا، بإذن الله، سأزور البرلمان المغربي. الطريق التي ستأخذني إلى هناك تمر عبر شارع الملك محمد الخامس، طيب الله ثراه، جد الملك محمد السادس، وأول ملك لمغرب الاستقلال، الذي حكى لي والدي كمية الحزن العميق التي اعترت المغاربة والمغاربة اليهود عندما نفته سلطات الحماية الفرنسية إلى مدغشقر، مثلما استعاد علي الأغاني الدافقة بالمشاعر الجياشة التي نظمت لعودته.


عند مروري من شارع محمد الخامس، سأتذكر كلماته السامية التي يتردد صداها في تاريخ أمتنا حين قال: «لقد عاش اليهود في أرض المغرب المباركة لآلاف السنين حتى قبل وصول الإسلام إليها، لقد عاشوا بيننا بكل مشاعر التقدير والاحترام، ومن خلال عملهم لفائدة المغرب، ستظل مكانتهم ثابتة في قلبي. وعلى الرغم من انتقالهم للعيش في بلدان بعيدة، سيبقى اليهود المغاربة رعايا مغاربة تجب علينا حمايتهم حتى لو كانوا بعيدين علينا. سنواكبهم في مساراتهم الجديدة بالكثير من الاحترام والاهتمام». لقد حمى الملك الراحل محمد الخامس يهود المملكة خصوصا من الخطر النازي خلال الحرب العالمية الثانية، وهو ما سيظل الشعب اليهودي مدينا به إليه.


حفيده، الذي يحمل اسمه، جلالة الملك محمد السادس، يسير على خطاه وخطى والده الحسن الثاني رحمه الله، والحق أن جلالته تخطى بثبات وعزم كل الأعمال السابقة من أجل الحفاظ على الثقافة اليهودية المغربية. شوارع وأزقة أصبحت تحمل أسماء أعلام يهودية، والمتاحف والمواقع الثقافية اليهودية تفتح أبوابها اليوم بفضل الجهد المبذول من طرف جلالته.


الجالية اليهودية في المغرب تزدهر بفضل عناية جلالة الملك وسهره على أمنها، حرصا منه على أمن وسلامة كل المواطنين المغاربة.


الزيارة، التي أقوم بها غدا، ثمرة اتفاقيات أبراهام التي أتشرف بأنني كنت ضمن وزراء حكومة إسرائيل الموقعين عليها، تعتبر لبنة أخرى تنضاف إلى صرح العلاقة بين البلدين.


أستغل المناسبة لأتوجه بأسمى عبارات الود والصداقة لشعب المغرب. لقد عشنا بينكم لقرون عديدة إلى أن اختلطت دماؤنا، وانفصلنا مؤقتا، واليوم تصلكم مشاعر الحنين التي نحس بها تجاهكم. ومنذ تاريخ توقيع اتفاقيات أبراهام، زار المئات من الإسرائيليين المملكة، التي تحولت إلى قبلة سياحية ذات أولوية إثر ذلك. العائدون من المغرب يقصون بالكثير من الحماسة تفاصيل الكرم والحفاوة والدفء الإنساني والحب التي بلغتهم من خلال احتكاكهم بالمواطنين المغاربة.


أعلم أن بينكم من تساوره شكوك عديدة، وتتطلعون إلى أن تشمل دائرة السلام أقرب جيراننا. وأصدقكم القول أن تلك رغبتنا أيضا، والله تعالى شاهد يعلم كم حاولنا لبلوغ هذا الهدف، لكننا لم نصل بعد إلى تلك اللحظة التي ننتظرها، لأسباب ربما لن أخوض فيها هنا. لكنني مؤمن أشد الإيمان أن ذلك اليوم قادم، وسيأتي بفضل قيادة رشيدة مثل تلك التي يتحلى بها جلالة الملك محمد السادس، وتلك التي أبان عنها قادة آخرون لدول إسلامية عديدة انضمت بدورها إلى اتفاقيات أبراهام وهي الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان، ثم بطبيعة الحال قادة الدول العربية، التي وقعت اتفاقيات سلام مع إسرائيل قبل سنين عديدة كمصر والأردن.


ويظل الهدف الأسمى للحكومة الإسرائيلية هو توسيع اتفاقيات أبراهام، في الكم والجودة. ونسعى إلى انضمام دول إسلامية أخرى للاتفاقيات، كما نرمي إلى تعميق وتعزيز الروابط مع الدول التي انضمت سابقا. ونؤمن أنها الطريق الكفيلة أيضا بتعبيد المسعى إلى تعزيز السلام مع جيراننا الأقرب.


نعرف كيف نعبر عن مشاعر تقديرنا لأصدقائنا، الولايات المتحدة الأمريكية حليفنا الأول، تعلم هذا جيدا وكذلك باقي أصدقائنا عبر العالم. دولة إسرائيل، والتي لم ينعم عليها الرب بجغرافية أو ديمغرافية كبيرة، تمتلك قدرات وافرة لمد يد العون لجيرانها، من خلال تقدمها في التكنولوجيات الحديثة والأمن والحرب ضد الإرهاب والطب والعلوم والسياحة والثقافة والحفاظ على الماء وإنتاجه. عندما كنت طفلا، ترعرعت على احترام الماء وفق مبادئ صارمة، فقد كانت دولتنا تعاني من الجفاف، وبحر طبريا كان تقريبا فارغا وكان علينا أن نتعلم كيف نحافظ على كل قطرة ماء. اليوم صار هذا من الماضي، ليس بسبب وفرة مصادر المياه، بل بفضل التطور التكنولوجي الذي طورته المختبرات الإسرائيلية، ما يسمح لنا اليوم باستهلاك المياه المدورة، وتحلية مياه البحر، بل حتى استخراج الماء من الهواء.


الشعب الإسرائيلي يحب الشعب المغربي ومن خلال زيارتي للمملكة، أعتقد أن هذه المشاعر متبادلة. لنعمق الروابط بيننا، ولنجعلها أكثر متانة. لنضخ فيها معان جديدة للعلاقات بين الشعوب، لتكون نموذجا فريدا.


أود أن أعبر عن شكري للشعب المغربي من أعماق قلبي على حفاوة الاستقبال والكرم الدافق. وأود أن أشكر مضيفي المحترم السيد رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب على دعوته لي لزيارة المغرب. كما أود أن أعبر عن شكري الخاص لجلالة الملك محمد السادس لقيادته السديدة والمحتضنة لرؤية السلام، ولتبصره وحكمته، وأطلب من العلي القدير أن يبارك خطواته ويحمي باقي أفراد العائلة الملكية.


شكرا جزيلا للمملكة المغربية. ليبارككم الرب جميعا.