إعلامنا بين زمنين !

بقلم: المختار لغزيوي الاحد 16 أبريل 2023
No Image

كان بلاغ الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين الصادر الخميس الماضي، بلاغا واضحا، صريحا، شفافا، غيرمنافق، وغير راغب إلا في قول الأشياء مثلما هي في مشهدنا الإعلامي، و "اللي ليها ليها".

ويشهد الله أولًا، ثم نشهد، كاتب هاته الأسطر، وبقية من معه من زميلات وزملاء في المكتب التنفيذي للجمعية، أننا تريثنا غير مامرة لتفادي الرد على التجريح الواضح الذي كان يصدر في حقنا من بلاغات زملائنا في الفدرالية، أو ماتبقى فيها (طالما أن المؤسسين وأغلبية أعضائها غادروها تاركين الجمل بما حمل).

ويشهد الله أيضا أننا أجلنا حكاية الحديث بالبلاغات هاته غير مامرة، لإيماننا بأن عملنا يتحدث عوضا عن كلامنا، وأن ماحققته الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين في ظرف وجيز، هو خير محام عنا، وأفضل مدافع عن وجودنا الذي كان ضروريا حقا، مع أننا لانحتاج محاميا ولا حاجة لنا بدفاع.

لكن الأمور تمادت بشكل صغير جدا في الإساءة، وانتقلنا من مرحلة (الاستقطاب الانتخابوي لأسماء ومواقع لاتتوفر على 1 % من شروط المقاولة الإعلامية) إلى مرحلة الهجوم المباشر علينا واستعداء قادة أحزاب خرجوا من العمل الحكومي، ( مثل ابن كيران وبنعيد الله)، ووجدوا فائضا من وقت الفراغ يمضونه في الاهتمام بميدان بعيد عن تخصصهم تماما (الأول أعتقده كان مسير مدرسة تملكها السيدة حرمه، والثاني أعتقد أنه كان ترجمانا محلفا أو شيئا من هذا القبيل، والله أعلم، أي أنهما دخيلان على ميدان الصحافة، متطفلان وكفى).

لذلك تحدثنا هذه المرة، وقلنا بأن هذا الهجوم الصغير علينا لن يوقف المسيرة الإصلاحية الجادة التي أطلقناها منذ أزمة كورونا ومافعلته تلك الأزمة في صحافتنا.

منذ ذلك الحين، اقتنعنا أننا إن بقينا نسير وراء طريقة التسيير القديمة في مقاولاتنا الإعلامية، سنقفل أبوابنا الواحد بعد الآخر.

فهمنا أن الإيمان بالمصلحة الجماعية لايستقيم مع من لايؤمنون إلا بالمصالح الشخصية الصغيرة.

مع الفهم قررنا الذهاب بعيدا، وإنشاء تجربة جديدة بنفس جماعي حقيقي. لم نطمع في مقر نحن جميعا من اقتنيناه، ولم نتحدث عن ميزانية كبرى تركناها في الصندوق، ولم ننازع قانونيا شرعية أي شيء وإن كانت رئاسة الفدرالية معنا، لماذا؟

لأننا اعتبرنا أننا أكبر من هاته الصغائر، ولأننا فهمنا حقا أن الوقت يداهمنا، وأن أزمة أخرى مثل كورونا - لاقدر الله - لو مست ميداننا، ستقتله فعلا هذه المرة.

انخرطنا في عمل جدي ملموس على أرض الواقع، وحققنا مكتسبات حقيقية لمسها أبناء الميدان، وتركنا عنا منطق الرحلات والجولات وتنظيم الهياكل حتى فقدت الهيكلة معناها، بهدف الحفاظ على المصالح والمناصب، لمن يتقنون ذلك، وحاولنا قدر الإمكان ألا ننجر للردود التي لن تفيد في شيء.

اليوم ومع تعيين الحكومة للجنة مستقلة لتسيير شؤون الصحافة والنشر، بعد تعذر احتكام الطرف الآخر للمنطق السوي السليم، ندخل مرحلة أخرى لابد من سيرها بشكل عاقل وذكي.

اليوم، زملاؤنا وشركاؤنا في نقابة الصحافيين الأكثر تمثيلية، أي النقابة الوطنية للصحافة المغربية، يطرحون سؤال الإصلاح العميق، ويعيدون التأكيد على أن انتخابات المجلس الوطني للصحافة لن تكون ذات نفع إذا لم نعد النظر في مدونة الصحافة والنشر كلها.

زملاؤنا، عاشوا مثلما عشنا نحن تجربة انتخابات المجلس السابقة، وفهموا أننا سنعيد إنتاج نفس الأخطاء التي ارتكبناها سابقا، إذا ظلت مسببات هاته النتائج قائمة، وهي فعلا لاتزال قائمة.

نحن في الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين (الهيئة الأكثر تمثيلية، ومن بعيد، للمقاولات الإعلاميةالحقيقية في المغرب) نقول نفس الكلام ونضيف إليه أن الهدف من مجلس وطني للصحافة، ليس إيصال فلان أو علان لسدة الرئاسة، لأنه أصبح مهووسا بها، بل الهدف هو التنظيم الذاتي الحقيقي للقطاع ( لا التنظيم الذاتي في الشعارات والبلاغات وملء المكان بمواقع لاتتوفر فيها أدنى شروط المقاولة بهدف التجييش فقط لاغير).

هذا التنظيم الذاتي الفعلي، وهذه المشاريع الاستثمارية التي وجدنا من يشجعها داخل الجهات الرسمية، ومن يرى فيها إجابة على أسئلة ظل القطاع يطرحها منذ مناظرة الإعلام الأولى تسعينيات القرن الماضي، وهذه الرغبة في التخلص من منطق الريع الذي جعل بعض أرباب المقاولات يغتنون دون مبرر وجيه ظاهر، وجعل وضعية العاملين في القطاع تزداد سوءا يوما بعد يوم، وهذا الاحترام الذي نلمسه ونحن نترافع عن مهنتنا وعن كرامتها وكرامة المنتسبين إليها، وهذا الانخراط الوطني الذي نريده لكل مقاولاتنا الإعلامية المغربية في الدفاع أولًا وقبل كل شيء عن خط تحريري مسبق على ماعداه يسمى المغرب، وقضايا المغرب، وبعد ذلك مرحبا بكل الاختلافات، وهاته الروح التي نلمسها داخل المشهد الراغب في تجديد نفسه، في تغييرالملامح، في ضخ الدماء الجديدة فيه لعل وعسى...

كل هذا يجعلنا أكثر اقتناعا أن خطوتنا إبان أزمة كورونا كانت في محلها، ويعطينا إيمانًا قويا أننا سائرون في الطريق السليم، ويعيد إقناعنا بضرورة مد اليد مجددا - رغم الإساءات والتهجمات - لمن كان صادقا في الضفة الأخرى لكي ينخرط معنا في مسلسل البناء والتنظيم، لكي نوقف أخيرا مسلسل الهدم والتخريب الذي بدأ قبل أن نأتي بوقت طويل، والذي نعرف جيدا أسماء وملامح المتسببين الحقيقيين فيه.

نعلنها بشكل واضح اليوم: حاضر الإعلام المغربي سيء جدا بفعل الماضي الأليم الذي صنعه من يعرفون أنفسهم، ومستقبل هذا الإعلام سيكون دونهم، لأننا لن نكرر نفس الأخطاء التي أوصلتنا إلى مانحن فيه اليوم.

إنتهى الكلام، وليتواصل العمل الذي بدأ قبل هذا اليوم بشكل أكيد.