AHDATH.INFO – خاص من إعداد عبد الواحد الدرعي
كانت دائما تردد «لقد حررت ألف عبد .. كان بإمكاني تحرير ألف عبد آخرين، لو أنهم عرفوا فقط أنهم عبيد» ، إنها «هارييت توبمان» إمرأة كانت مشهورة ومحترمة جدا في حياتها، ثم أصبحت رمزا أمريكيا بعد وفاتها، شكلت مصدر إلهام للكثير من الأفريقيين الأمريكيين الذين يجاهدون في سبيل الحصول على المساواة والحقوق المدنية.
على قيد الحياة، لم يكن يشغلها أن تكون مشهورة، ولكن أن تكون قادرة على أن تعلن مقولتها «لم أفقد أبدا أحد الركاب»، «لم أخرج بقطاري خارج السكة الحديدية أبدا»، فجميع العبيد الذين ساعدتهم على الفرار وصلوا سالمين إلى نهاية رحلتهم: الحرية.
«امرأة، قيادية، ومناضلة من أجل الحرية، لا أستطيع التفكير في خيار أفضل لورقة 20 دولار من هارييت توبمان» هكذا هتفت هيلاري كلينتون، المرشحة للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة في تغريدة على تويتر.
«على مر التاريخ، حققت المرأة مساهمات كبيرة في مجتمع حر وديمقراطي، ويسرني أن وزارة الخزانة تكرم هذه الإنجازات» تقول جانيت يلين، أول امرأة تترأس مجلس الخزينة الفيدرالية (البنك المركزي الأمريكي).
مناسبة الأقوال السابقة، هي صدور إعلان وضع حدا لتشويق استمر أكثر من سنة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ففي سابقة من نوعها، ستظهر على ورقة نقدية أمريكية امرأة سوداء عانت من العبودية.
كان والدها ضحية للعبودية، لذلك ولدت هارييت توبمان عام 1822، وعاشت في ظل نظام الرقيق، في مزرعة بولاية ماريلاند، عن سن 26، تزوجت رجلا حرا، جون توبمان، لكن زواجهما كان معقدا بسبب نظام العبودية، وتمكنت من الفرار إلى ولاية بنسلفانيا التي تخلصت من نظام العبودية.
بعد سنة في ولاية ماريلاند، عادت لإنقاذ أفراد أسرتها، ثم عادت من جديد إلى الولايات الجنوبية، التي تتمسك بنظام العبودية، وساعدت على إطلاق سراح مئات من العبيد، وشاركت في ما يسمى بـ(السكة الحديدية تحت الأرض) وهي شبكة سرية من الطرق سمحت للعبيد بالفرار إلى كندا.
عندما اندلعت الحرب الأهلية، انضمت إلى جيش الاتحاد، طاهية، ممرضة ثم جاسوسة، خلال الحرب الأهلية، وفي يونيو 1863، قادت حملة بحرية عبر نهر (كومباهي) بجورجيا، ونجحت في تحرير 750 من العبيد، وفي وقت لاحق شاركت في النضال من أجل حق المرأة في التصويت.
كانت توبمان واحدة من السود، الذين تعرضوا لنظام العبودية، في السادسة من العمر فصلت عن عائلتها، وبيعت لعائلة أساءت معاملتها كثيرا، وتعرضت لإصابة خطيرة في الرأس بعد رميها بأداة حديدية من رجل أبيض غاضب، عانت من مخلفاتها طوال حياتها، حيث كانت تعاني من اضطراب النوم والكوابيس، انتهى بها المطاف إلى عاملة في الحقول بين عشرات من العبيد التي مزقتهم العبودية عن أسرهم، والمصير نفسه لقيته شقيقتاها، بعد بيعهما لتجار الرقيق.
كان الفرار مغامرة جد خطيرة، وصائدو الجوائز في أوج نشاطهم، حيث يخوضون حملة للقبض على الهاربين، والذين يتم القبض عليهم يواجهون عقوبة الوصم بالحديد المحمي على النار، حيث كان أصحاب الرقيق يرسمون على عبيدهم بالنار الأحرف الأولى من أسمائهم لثنيهم عن الهرب، الخطر نفسه كان يتهدد أولئك الذين يساعدون العبيد الهاربين على الانضمام إلى الشمال.
توبمان لم تكن تستهدف مجرد الهرب والإفلات من قيود الرقيق، إذ بعد بضعة أشهر من الفرار قررت العودة إلى الجحيم، لمساعدة عائلتها للحصول على الحرية، قرار متهور ولا يصدق، أكسبها في وقت لاحق لقب «موسى»، فقد عادت إلى البقعة نفسها التي هربت منها، حيث كان رأسها يساوي جائزة ثمينة، وكان من المرجح أن يتعرف عليها الناس.
توبمان أنقذت أفراد عائلتها، ولم تكتف بل عادت مرة ومرة أخرى، لمساعدة عشرات العبيد الأخرين، ويبدو أنها كانت خالية من الخوف، حيث إن فكرة إلقاء القبض عليها من قبل صائدي الجوائز أو مالكي العبيد، لا يبدو أنها عبرت ذهنها، أخرجت عائلتها من الولاية ببطء على مجموعات، وقادت العشرات من العبيد إلى الحرية. كانت توبمان أو موسى كما كانت تدعى تسافر ليلا وبتكتم وسرية ولم تفقد أيا من المسافرين معها أبدا.
على مدى أحد عشر عاما، استمرت توبمان في التردد على الساحل الشرقي لماريلاند، حيث أنقذت مئات العبيد، خلال تسع عشرة حملة تقريبا، ومن ضمنهم أشقاؤها الثلاث: هنري وبين وروبرت، وزوجاتهم وعدد من أطفالهم، كما قامت بتزويد حوالي خمسين إلى ستين من الهاربين نحو الشمال بتوجيهات دقيقة. عملها الخطير كان يتطلب مهارة فذة، كانت توبمان تحمل مسدسا، ولم تكن خائفة من استخدامه، فبمجرد انضمام أي عبد إلى حملتها فلا مجال لعودته، فقد كانت تهدد بإطلاق النار على أي شخص يحاول العودة.
اعتادت توبمان على العمل أثناء أشهر الشتاء، حتى تقلل من إمكانية رؤيتها، وكانت رحلاتها إلي أرض العبودية حافلة بالمخاطر العديدة واستخدمت العديد من الحيل لتجنب كشف أمرها، ففي مرة تنكرت توبمان بطاقية، وكانت حاملة في يديها دجاجتين حيتين لإعطاء نفسها مظهر شخص يقوم بعمل بعض المهمات. وفجأة وجدت نفسها متجهة نحو مالك سابق، فانتزعت الخيوط التي تربط أرجل الدجاج، وهذا أدى إلي إثارة الدجاج مما سمح لها بمنع اتصال الأعين٠ وفي وقت لاحق، اكتشفت بأن أحد ركاب القطار الذي تركب فيه ماهو إلا سيد سابق. لذلك فقد خطفت جريدة بالقرب منها وتظاهرت بالقراءة. وقد تجاهلها الرجل بسبب ما يعرف عن توبمان بأنها أمية.
عندما أصدر الرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن، إعلان تحرير العبيد في يناير 1863، اعتبرتها توبمان خطوة مهمة نحو هدف تحرير السود من العبودية، قامت مجموعتها تحت أوامر سكرتير الحرب ادوين إم ستانتون، برسم خريطة للأراضي غير المعروفة واستكشاف القاطنين بها، وعملت بعد ذلك مع العقيد جيمس مونتغمري، وقدمت له معلومات استخبارية مهمة ساعدته في احتلال جاكسون ڤيل في ولاية فلوريدا.
كما اعترفت الصحف رسميا بوطنية، وحكمة، وهمة، وقدرات توبمان، وأشادت بجهودها في التجنيد، لأن معظم الرجال المحررين حديثا، انضموا إلى جيش الاتحاد، كما عملت توبمان بعد ذلك مع الكولونيل روبرت جولد شو في معركة فورت واجنر، وقيل أنها هي من أعدت له وجبته الأخيرة.
بعد نهاية الحرب، أمضت توبمان بقية حياتها في أوبورن، تعتني بعائلتها بالإضافة إلى العديد من الأسر المحتاجة، كما عملت في وظائف متعددة لتعيل والديها المسنين، مما دفعها إلى طلب المساعدة من الآخرين لدفع فواتيرها، وكان السيد نيلسون ديفيز (محارب قديم في الحرب الأهلية) من ضمن الذين طلبت منهم المساعدة، بدأ ديفيز حياته في أوبورن كعامل بناء، ومع مرور الوقت وقعت توبمان في غرامه، بالرغم من أنه كان يصغرها باثنين وعشرين عاما، في الثامن عشر من مارس 1869، تزوجا في كنيسة برسبترين المركزية، ثم عاشا مع بعضهما البعض لمدة عشرين سنة، وفي عام 1874 تبنيا طفلة تدعى جيرتي.
في آخر حياتها، سقطت توبمان في الفقر، وقد سألت راتبا على شكل تقاعد قدماء المحاربين، لكن الفكرة لم ترق الجميع، في الكونغرس، كان منتخبو ولاية كارولينا الجنوبية، معادين جدا لفكرة دفع راتب تقاعدي لها، واستغرق الأمر 30 سنة للحصول عليه، رغم كل الدعم من جيش الاتحاد.
مع تقدم توبمان في العمر استمرت نوبات النوم، ومعاناتها من إصابة رأسها في إزعاجها، وفي أواخر 1890 خضعت لعملية جراحية في الدماغ في مستشفى ماساتشوستس العام في بوستن، حيث سألت الطبيب إن كان بإمكانه إجراء العملية لأنها لم تستطع النوم بسبب الآلام والأزيز في رأسها، لم تتلق أي تخدير للعملية، واختارت بدلا عنه أن تعض على رصاصة، فقد رأت جنود الحرب الأهلية يفعلون ذلك عندما بترت أطرافهم.
عندما حصلت عليه أخيرا، كان هذا التقاعد أول دخل قار في حياتها، لكنها كانت شخصا سخيا بشكل لا يصدق، فقد تبرعت توبمان بأرض عقار، ورخصتها للكنيسة، بموجب تعليمات من أجل استغلالها كمنزل للمسنين والفقراء السود وذوي البشرة السمراء، لم يفتح المنزل لخمس سنين إذ طلبت الكنيسة من المستفيدين أن يدفعوا 100 دولار كرسوم للدخول.
قالت توبمان: «إنهم وضعوا قانونا بعدم دخول أي أحد، مالم يكن معه 100 دولار، أنا الآن أريد أن أضع قانون لا يمكن أي أحد من الدخول، إلا إذا كان لا يملك أي نقود على الإطلاق»، كانت توبمان محبطة تجاه هذا القانون لكنها مع ذلك حضرت كضيفة شرف، في حفل افتتاح منزل المسنين والفقراء في 23 يونيو 1908 .
بحلول عام 1911 كان جسدها ضعيفا جدا، واضطرت لدخول دار الرعاية المسماة بإسمها، حيث وصفتها صحيفة نيويورك بأنها: «مريضة ومفلسة» مما دفع المناصرين لتقديم حملة جديدة من التبرعات، في عام 1913 توفيت هاريت توبمان عن عمر يناهز 91 عاما، وهي محاطة بالأصدقاء وأفراد الأسرة بسبب الالتهاب الرئوي، دفنت توبمان مع مرتبة الشرف العسكرية في مقبرة فورت هيل في مدينة أوبورن، وقبل وفاتها قالت لمن معها بالغرفة: «سأرحل لأجهز مكانا لكم».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });