ثقافة وفن

الهاكا تنظر في شكايات برامج رمضان... وتنصر لحرية الإبداع

أحداث أنفو الاحد 01 مايو 2022
41987E8D-5263-452F-A6BD-69A496904BCD
41987E8D-5263-452F-A6BD-69A496904BCD

Ahdath.info

على مشارف نهاية شهر رمضان، عممت الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري بلاغا مركزا وعميقا، حول الشكايات التي تلقتها بخصوصالأعمال الدرامية أو الكوميدية التي عرضت طيلة الشهر الكريم على القنوات التلفزيونية المغربية.

المبدأ الثابت في المغرب أن للإبداع وحريته مؤسسات تحميه وقناعة تظلل عليه ولا تسمح للعوادي من يوميات النوازع والنفوس الخاصةوالمتضاربة حتى توقف عجلته، هذا المختصر المفيد الذي نستشفه من خلال بلاغ الهاكا، وقبلها قرار المحكمة بالرباط في ما يخص قضيةمسلسل "فتح الاندلس".

هو انتصار لحرية التعبير وحرية الإبداع الفني وحرية اختيار الشكل المناسب لتصريف الفكرة الإبداعية التي تعتمل في صدر صاحبها ولاأحد يجبره على اختيار شكل وقالب جاهز.

بالنسبة للهاكا، فإنها تؤكد على مبدأ حرية الإبداع وجدوى النقد والغاية الديمقراطية لتقنين الإعلام، وذلك بعد البث في شكايات عديدةبخصوص أعمال تخييلية رمضانية.

وقبل أن نغوص في بلاغ الهاكا، نشير على سبيل الاستئناس أن مثل هذا النقاش يتكرر في كل رمضان، وهو صحي في غالبه الأعم، يعطيحركية للعملية الفنية الإبداعية رغم أن البعض يريد أن يزج بالنقاش في خانة الوصاية وهو ما يرفضه مغرب المؤسسات وحرية الإبداعوالتعبير، وهو ما كان واضحا في قرار محكمة الرباط التي قالت بعدم الاختصاص في الدعوى المرفوعة ضد مسلسل "فتح الاندلس".

ويمكن اعتبار بلاغ الهاكا درسا في  الديمقراطية الخاصة بالممارسة الاعلامية والنقدية المتابعة والمواكبة لما تنتجه إبداعات المغاربة من أعمالتخييلية فنية، حيث جددت  "التأكيد على أن حرية الإبداع، لاسيما في الأعمال التخييلية، جزء لا يتجزأ من حرية الاتصال السمعي البصريكما كرسها القانون رقم 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري والقانون رقم 11.15 المتعلق بإعادة تنظيم الهيأة العليا."

وكان هذا البلاغ الصادر عقب اجتماع الهاكا في 29 من أبريل الحالي، يوضح بالمباشر أنه لا مجال للوصاية على الأعمال الابداعيةوالتخييلية من مسلسلات وسيتكومات وكبسولتت فكاهية المعروضة من طرف قناة الأولى والقناة الثانية خلال شهر رمضان 2022.

الهاكا في البلاغ نفسه، اعتبرت "أن كتابة سيناريو أو تشخيص وضعيات أو توزيع أدوار أو تمثل شخصيات أو تجسيد أحداث واقعية أومحاكاة حقب تاريخية في الأعمال التخييلية، يندرج بالضرورة ضمن الرؤية الفنية لصاحب العمل وتترجم حريته في تجسيدها؛ بل إن حريةالأعمال التخييلية، كجزء من قيمتها الفنية والإبداعية، لا تترسخ ولا تتطور إلا بإعمالها في الطرح والمعالجة والأسلوب."

فالخلاصة الأساسية والاهم في ما سلف من اعتبارات الهاكا، أنه لا مجال للتدخل بين المبدع وإبداعه، أو بين المبدع وطريقة تصريفه لإبداعههي حرية خالصة يبقى النقد البناء الذي يغرف من معين المحايدة ولا يميل لإرضاء أهواء ضدا على الإطار العام وهو حرية التعبير.

الهاكا اعتبرت أيضا "أن النقاش العمومي حول حرية وجودة الأعمال التخييلية، سواء من خلال النقد الفني الخبير أو النقد الصحافيالمتخصص، أو من خلال تقييمات عموم الجمهور إما استهجانا أو استحسانا، تمرين صحي ومحبذ يساهم في تطوير الممارسة الإعلامية،سواء فيما يخص الأعمال الإبداعية أو فيما له صلة بالسياسات الإعلامية العمومية، ككل."

وهو ما يشير رأسا على أن النقاش هو محرك التطور وارتقاء الأعمال الإبداعية نحو الأحسن، النقاش الذي ينطلق في صفوف الرأي العام هوجسر يوصل مباشرة إلى الجودة والجدية والتطور شريطة عدم الخوض في امور من قبيل الحجر على الأفكار والتعابير الإبداعية.

وفصلت الهاكا أيضا في موضوع مهم جدا، حين أكدت أنه ترى "أن مطالبة الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري بإعمال الوصاية والرقابةعلى الاختيارات البرامجية للإذاعات والقنوات التلفزية إما منعا أو سحبا أو إملاء، يتعارض وانتدابها المؤسسي، بوصفها مؤسسة مستقلةللتقنين، في السهر على احترام حرية الاتصال السمعي البصري وحرية التعبير وحمايتهما؛ إذ أن المشرع يضمن للإذاعات والقنوات التلفزيةالعمومية والخاصة بث برامجها بكل حرية، سواء كانت هذه البرامج إنتاجا داخليا أو إنتاجا مشتركا مع شركات خارجية أو مقتناة كأعمالجاهزة للبث؛ على أنها تظل خاضعة لمبادئ قانونية محددة ذات صلة بمثل ديمقراطية وحقوق إنسانية ثابتة، مثل واجب عدم المس بالكرامةالإنسانية، واحترام مبدأ قرينة البراءة، وعدم التحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف، وعدم التمييز ضد المرأة أو الحط من كرامتها.."

وتختم الهاكا بلاغها، بما يشبه الدرس الكبير حول حرية الإبداع، واكدت انها "مؤشر دال على مدى استنبات وترسيخ حريات أخرى داخلالفضاء العمومي، كما أن حرية التعبير في انتقاد الأعمال التخييلية، خصوصا، والمضامين الإعلامية، عموما، تبقى ضرورية للارتقاء بجودةهذه الأعمال وبتفاعلات الجمهور، إلا أن أثرها المستنير يظل رهينا بمدى نأيها عن خطابات الوصم أو التمييز أو التحريض... أما غايةالتقنين المستقل للإعلام فهي دعم وترسيخ مبادئ ديموقراطية بحتة، في طليعتها الحرية والتعددية والتنوع، على غرار حرية الإبداع وتعدديةالرؤى الفنية وتنوع الأنساق الثقافية في الأعمال التخييلية."

ومعلوم انه، في كل شهر كريم تتجدد مثل هذه الشكايات الموجهة إلى الهاكا وهو امر طبيعي جدا يعكس النقاش المتفاعل بين المشاهد وصناع الفرجة الدرامية او الكوميدية، لكن الامر يتجاوز في بعض الاحيان الرغبة في الانتقاد ومحاولة التغيير والتعبير عن وجهة نظر، بمحاولة فرض الوصاية ووضع قوالب جاهزة تصب فيها الإبداعات حتى تكون على مقاس ومذاق البعض دون موجب حق.

ونذكر هنا ما شهده مسلسل "فتح الاندلس" ووصول طارق بن زياد إلى ردهات المحاكم، وهو الخبر الذي تناقلته مختلف المنابر الإعلاميةليس المغربية فحسب بل العربية والدولية، ولسنا في موقع خجل من ذلك فالأمر هو تفاعل وانفعال ونحن بخير مادامت هناك مؤسسات تحمي حرية الإبداع ومنها مؤسسة القضاء التي قالت في القضية المذكورة  بعدم الإختصاص..