ثقافة وفن

"عبقرية إفريقيا" تجمع ثلاثة فنانين أفارقة في معرض مشترك بالدار البيضاء

أسامة خيي الجمعة 08 مايو 2015
"عبقرية إفريقيا" تجمع ثلاثة فنانين أفارقة في معرض مشترك بالدار البيضاء
ADG

AHDATH.INFO - و م ع

عبر ثلاث مسارات فنية، متقاطعة في رؤاها الإبداعية، ومتماهية في مشاكستها لمتخيل المتلقي وإدراكه الفني، يقدم معرض "عبقرية إفريقيا" الذي يحتضنه فضاء الفنون "أكتيا" بالدار البيضاء تحت عنوان "إشارات وصور"، احتفالية بصرية وتشكيلية تخرج الإبداع الإفريقي من مساحاته الضيقة نحو فضاءات أرحب، تتيح له الكشف عن قدراته الحقيقية في تمثل الواقع وإعادة رسم معالمه.

ويقدم المعرض، الذي افتتح مساء الأربعاء، وتنظمه مؤسسة التجاري وفا بنك إلى غاية 30 شتنبر المقبل، والذي سبق أن نظمت دورته الأولى على هامش فعاليات المنتدى الدولي للتنمية بإفريقيا الذي احتضنته العاصمة الاقتصادية للمملكة في شهر فبراير الماضي، أعمالا تنوعت بين فن الفيديو، والتصوير الفوتوغرافي ، والنحت والتشكيل، في شكل بساط يسافر بالزائر عبر فضاءات ومجالات جغرافية من الداخل الإفريقي بكل تلويناته البشرية والطبيعية، وبكل قضاياه التي تسكن المبدع الإفريقي، وتشكل بالنسبة إليه حافزا قويا على تعرية هذا العمق والصعود به نحو الواجهة، وإيجاد مساحة من الحوار والتفاعل مع المتلقي باختلاف انتماءاته الاجتماعية والثقافية والعرقية.

ففي هذا اللقاء الفني، الذي يجمع كل من سايدو ديكو من بوركينافاصو، وميشيل ماكيما من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وخليل النماوي من المغرب، تختزل القارة السمراء في خطوط متداخلة لتجارب إبداعية لكل منها خصوصيتها، لكنها تشترك في احتفائها بالإبداع الإنساني الإفريقي، من خلال تنقيبها في الذاكرة، وتجميعها للتفاصيل التي انشطرت عبر مراحل عمرية من سيرة كل فنان، لتقدم في النهاية عملا روائيا ينقل زوار المعرض إلى أماكن ومشاهد من حياة ذاك الإفريقي الأسمر المنقسم بين تشبثه بجذوره العميقة، ورغبته في الانطلاق نحو عوالم جديدة تمنحه الكثير لكي يعيش إنسانيته وفطريته.

ففي أعمال سايدو دوكو، حضور طاغ للظلال والألوان الإفريقية، وسطوة للمكان بإنسانه وعاداته، وحنين لذاك الراعي الساكن في طفولته، فيتنقل دوكو بين الخيمة الوبرية، والأنسجة التقليدية المطعمة برسوم حيوانات، وظلال نساء إفريقيات بألبستهن التقليدية ونضالهن اليومي من أجل ضمان عيش كريم لهن ولأبنائهن، لترصد عدسته حقائق عن الواقع الإفريقي كما هو، ضمن رؤية فنية تحاول أن تنسج الروابط بين كل تلك الحقائق لتقرب الآخر، دونما حاجة إلى وسائط، من الإبداع الإفريقي في فن العيش.

في حين اختارت الفنانة ميشيل ماكيما، التي غادرت بلدها نحو فرنسا وهي لم تتجاوز سنتها السابعة، لغة بصرية شاعرية، لكنها لغة ناقدة وملتزمة، تطرح بعمق إشكالات الانتماء المزدوج لثقافتين متباينتين، والبحث عن تحقيق السلم الداخلي بين هويتين، إلى جانب استحضارها للبعد السياسي والاجتماعي عبر التنقيب في الذاكرة الجماعية الحية، لإبراز حضور المرأة الإفريقية في المشهد العام، ونضالها من أجل المساواة والإنصاف، وبحثها الدائم عن تأكيد ذاتها، وفي الجهة الأخرى تحليل لمعنى القوة والسلطة في العالم الحالي، ومحدداتهما، وتوثيق لمقاومة الرجل الأسمر من أجل حقوقه المدنية والسياسية في مجتمعات يتحكم فيها الآخر بسلطة اللون والعرق.

وبين هاذين الاتجاهين، يأتي الفنان خليل نماوي ليجمع بين الساكن والمتحرك، ويساوي بين المتناقضات في لوحات فوتوغرافية تجسد امتدادات المكان وسكونه، ليستعيض عن الإنسان وضوضائه، بهدوء الطبيعة وروعة ألوانها.

إذ في هذه الصور الفوتوغرافية، استطاع نماوي، أن يوجد مساحة مشتركة مع المتلقي، ليدخله في حوارية مرئية مع المشاهد التي يعرضها، والتي تكاد أن تتحول من صور جامدة، إلى لقطات متحركة وناطقة، متحررة من سطوة الإنسان، منغمسة في سكونها، وكأنها ناسك متعبد في محرابه.

وفي زاوية أخرى، يعرض الفنان المغربي ثنائية السكون، والصخب في مدينة الدار البيضاء، من خلال صور التقطها، بفنية عالية، عند موعد الإفطار في شهر رمضان، من مواقع مختلفة بالمدينة التي لا تجيد عادة فن الهدوء.

ليبقى هذا المعرض، حسبما صرحت به مسؤولة قطب الفن والثقافة بالمؤسسة السيدة غيثة التريكي لوكالة المغرب العربي للأنباء على هامش حفل افتتاح المعرض، سفرا فنيا عبر ثلاث تجارب إبداعية تنوعت بين الحنين إلى الطفولة واسترجاع مشاهد من السيرة الذاتية، والرغبة في الاحتفاء بالأرض في عذريتها ومقاومتها لتوحش الحداثة، والأمل في العيش داخل عالم أفضل.

وأبرزت أن هذه المبادرة تأتي في إطار شراكة مربحة للجانبين، حيث تقوم المؤسسة بدعم هؤلاء الفنانين واحتضان أعمالهم، متوخية من وراء ذلك الترويج للفن الإفريقي بكل راهنيته وواقعيته بعيدا عن تلك الصور النمطية والتقليدية التي أسهمت في التعتيم على حقائق كثيرة داخل القارة السمراء.

وسايدو ديكو، فنان عصامي ازداد سنة 1979، كان في طفولته راعيا، ومن مشاهدته للطبيعة استطاع ان يتعلم المبادئ الفنية الأولى، حيث شرع في تعلم فن التصوير من خلال التقاط صور للحيوانات التي كان يرعاها ، ليتجه بعدا إلى فن الفيديو.

فيما ميشيل ماكيما، من مواليد كينشاسا سنة 1977، وهي خريجة المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بسيرجي سنة 2002، وجامعة السربون. وفي إبداعاتها المصورة، تشتغل هذه الفنانة على التعبيرات المجازية بشتى صورها، وتعمد إلى استحضار البعد التاريخي في قراءة محيطها.

أما خليل نماوي، فهو من مواليد سنة 1967 ببني ملال، استهواه التصوير، ليختار أن يعيش متنقلا من الإنسان إلى المشاهد الطبيعية أو الصناعية، علما أن معظم لوحاته هي خالية من التواجد البشري.