السياسة

بعد أن وصفها ب"المتصهينة" و"المدسوسة".. الأحداث المغربية تراسل النقابة الوطنية للصحافة والمجلس الوطني بخصوص خطاب ابن كيران التحريضي

طه بلحاج الأحد 20 فبراير 2022
Screenshot_20220220-195944_YouTube
Screenshot_20220220-195944_YouTube

AHDATH.INFO

في منعرج سياسي خطير جدا وخلال المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المنعقد في دورته العادية يوم السبت 19 فبراير، هاجم الأمين العام للحزب عبد الاله بن كيران جريدة "الأحداث المغربية" بعنف وانهال عليها وعلى مسؤوليها بالسب والقذف متهما إيها بأنها جريدة "صهيونية"، وقال بالحرف "أيها المتصهينون"... " انتوما جهة مدسوسة.. مواقفكم كلها ضد المبادئ والأخلاق والقيم.. وأنكم متصهينين"، وهي اتهامات خطيرة تصدر عن مسؤول سياسي كان رئيسا للحكومة المغربية وفي اجتماع رسمي.

وإمعانا في هذا اللغو ظل المعني يكرر اتهاماته بعبارات مختلفة لتحمل في طياتها طابعا تحريضيا.

كان من السهل أن ننجر إلى الرد على الرجل، لكن قبل ذلك تساءلنا: كيف يسمح الأستاذ بن كيران لنفسه بأن يعتبرنا ضد القيم والأخلاق؟!

إنها دعوة صريحة أخرى لوضعنا خارج النظام المعياري للأمة، وخارج مرجعيات الشعب المغربي. إنه مع الأسف خطاب تكفيري آخر يعوض تهمة الخروج عن الدين، بتهمة الخروج عن أخلاق وقيم الدين والمجتمع.

لذلك ارتأينا أن الرد عليه في السياق الحالي غير مجد وسيضعنا في نفس المستوى الذي سقط فيه وهو يستهدفنا مرة تلو الأخرى، ذلك أنها ليست المرة الأولى، ففي كل مناسبة كان صوت الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الاله بن كيران يرتفع متهجما ومتحاملا على الجريدة ومتخليا عن لباقة السياسي لينبري في تجاهل واضح للقانون إلى القذف ونعت الجريدة بشتى الأوصاف.

هذا السلوك لم يتوقف إلى غاية آخر دورة للمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المنعقدة يوم السبت الماضي والتي تمادى فيها ابن كيران كثيرا عندما وصفنا ب"المتصهينين"، وكرر التهمة أكثر من مرة مصرا عليها مما يرتقي بفعله من خانة القذف والاتهام إلى التحريض.

إن جريدة الأحداث المغربية ومنذ إنشائها أصرت على أداء رسالتها الإعلامية بكل مهنية في احترام تام لقواعد وأخلاقيات المهنة وبانسجام مع خطها التحريري التقدمي الذي يضع المصلحة العليا للوطن وتوابث الأمة فوق كل اعتبار.

فيما يلي ننشر نص الرسالة الموجهة إلى النقابة الوطنية للصحافة المغربية والمجلس الوطني للصحافة:

دأبت "الأحداث المغربية"، منذ تأسيسها، على الانخراط الواعي والمسؤول، في مختلف النقاشات التي تشهدها حياتنا السياسية الوطنية، دافعها نحو ذلك اختياراتها الوطنية والديمقراطية، و التزاماتها، كوسيلة إخبارية وتعبيرية عن الرأي، تجاه القراء.

ولأنها اختارت خطها التحريري بوضوح تام، فهي لم تخف يوما انتصارها لقيم الديمقراطية والحداثة، واختلافها البناء والودي، مع التعبيرات السياسية والمجتمعية التي لا نتقاسم معها نفس المرجعيات والآفاق.

ولم تزعم هذه الجريدة قط يوما أنها معصومة من الخطأ، وخصوصا في التعبير عن الرأي، ولم تصادر أبدا، باسم مظلومية مزعومة أو عقدة اضطهاد، حق المواطنين والفاعلين المؤسساتيين، في مطالبتها برفع ما قد يكون ضررا لحق بهم جراء خبر غير صحيح أو رأي متعسف يحرض على العنف والعنصرية والكراهية.

ولذلك كان لدى "الأحداث المغربية" ذلك الاستعداد الدائم لتوقير القضاء والمثول أمامه متى طرق المتضررون أبواب العدالة طلبا للإنصاف، كما خصصت في صفحاتها ركن "حق الرد مكفول" للتعقيب على ما تنشره بالنفي او التوضيح.

وقد بقيت "الأحداث المغربية" عند هذه المواقف والقناعات طيلة 25 سنة من مسارها المهني، وفية لثوابتها ومنطلقاتها ولأخلاقيات المهنة.

لقد تطلب ذلك من المؤسسة الكثير من الصبر ونكران الذات، في مواجهة حملات التشهير والتضليل والافتراء التي استهدفتها واستهدفت مسؤوليها وصحفييها وانتشارها ومداخيلها من طرف تيارات سياسية لايتسع صدرها لتقبل النقد، وربما أدمنت انتقاد الآخرين بينما تعتبر نفسها مقدسة فوق إبداء الرأي نحوها.

إن المؤكد لدينا هو أننا لم ننطلق أبدا من سوء نية، أو رغبة في الإيذاء، وعلى العكس من ذلك تماما، عبرنا عما يكفي من حسن النية والاستعداد لطي حالات سوء الفهم بالحوار والنقاش.

ومع ذلك لم تتوقف مساعي قتلنا رمزيا، لكن إيماننا برسالتنا الإعلامية، وبقناعاتنا الوطنية والديمقراطية، كان دائما زادنا في الصمود والاستمرار.

غير أن الأمور اليوم وصلت منحدرا خطيرا عنوانه العريض عدم الاكتفاء بقتلنا رمزيا، بعد أن تم الانتقال في تطور مفاجئ إلى التحريض عمليا على قتلنا ماديا.

إن ذلك مع الأسف، هو ما اقترفه الأستاذ عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، خلال دورة المجلس الوطني لحزبه المنعقدة يوم السبت 19 فبراير 2022.

يقول السيد الأمين العام في كلمته:

"الحزب جنب البلاد وساهم بأولوية.. رغم أنف شي مجموعة مخشية فواحد الجريدة باقية على منطق من القلب إلى القلب كتقول أسي عبد الاله ماشي أنتا والحزب ديالك لي نقذو المغرب.. طبعا ماشي حنا.. ولكن ساهمنا.. انتوما قولو ليا باش ساهمتو..؟ فين كنتو ديك الساعة..؟ شكون لي فيكوم قال شي كلمة يسمعها المجتمع؟ راكم كتهضرو، ولكن ماكتعرفوش تهضرو.. والناس ماكيتيقوش فيكم.. وعمرهم مغا يتيقو فيكم.. عرفوكم بأن انتوما جهة مدسوسة .. مواقفكم كلها ضد المبادئ والأخلاق والقيم.. وأنكم متصهينين.. وأنكم لا تمثلون هذا البلد واخا تبقاو كتكلمو بحال لانتوما كتحكمو هاد البلاد.. راكم ماكتحكموش هاد البلاد.. وهاد البلاد غاتبقى فيها دائما مقاومة لكم ولأمثالكم.. أيها المتصهينون الذين تعتبرون الصهاينة إخوانكم".

من حق الأستاذ بنكيران أن يعقب على ما تكتبه الجريدة، لكن فرقا عظيما يوجد بين النقاش وبين التحريض المضمر على العنف.

وإلا ما معنى أن يصفنا الرجل ب"المتصهينين"؟! كنا نود أن نفترض جهلا مفترضا لدى الرجل لا يميز فيه بين اليهودية والصهيونية، لكن الواضح أنه اختار هذا الوصف بشكل واع ومقصود بكثير من الخبث وسوء النية.

إنه وصف لا يكتفي بأن يشهر بنا وبالتزاماتنا الرافضة لكل حركة عنصرية أو تطرف أي كان نوعه باسم تأويل مغرض للديانات السماوية السمحة، ولا يكفيه الطعن في وفائنا تجاه القضية الفلسطينية التي نعتبرها في نفس منزلة قضيتنا الوطنية.

إنه لمن المؤسف حقا أن ينزل المرء إلى هذا المستوى اللئيم والخبيث في النقاش مع وسيلة إعلامية وطنية.

ومن الواضح أن الأمر صار أكبر من مجرد اختلاف في التقدير، إنه وبحسب كلام الأستاذ بنكيران، تعريض وتحريض صريح بممارسة العنف علينا من طرف أي متطرف أرعن قد يرى في كلام "الفقيه" بنكيران "فتوى شرعية" تخرجنا من الملة والدين.

وعلى نفس المنوال نتساءل: كيف يسمح الأستاذ بنكيران لنفسه بأن يعتبرنا ضد القيم والأخلاق؟! إنها دعوة صريحة أخرى لوضعنا خارج النظام المعياري للأمة، وخارج مرجعيات الشعب المغربي. إنه مع الأسف خطاب تكفيري آخر يعوض تهمة الخروج عن الدين، بتهمة الخروج عن أخلاق وقيم الدين والمجتمع.

لسنا بحاجة إلى تبيان حجم الضرر المعنوي الذي يلحق بنا جراء هذا الخطاب الأخلاقوي، لكننا نود التأكيد مرة أخرى، عن أنه فعل لا يقل خطورة عن وصفنا ب "المتصهينين"، مع ما يعنيه ذلك من تعريضنا لمخاطر العنف وربما التصفية الجسدية.

إننا نتساءل معكم: ما الفرق بين ما تفوه به الرجل، وبين التطرف الذي يعتنقه أولئك الذين أرسلوا لنا طردا ملغوما لتفجيرنا سنة 2003 عقب الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها بلادنا.

لقد قال الأستاذ إننا "جهة مدسوسة" ولسنا بحاجة هنا لسرد تاريخ الجريدة وسياقات ودواعي تأسيسها، ولا لأن نقول انها خطوة مدروسة لتجريدنا من صفتنا الصحفية حتى يسهل الاعتداء علينا، لكننا سنقول إنه نفس منطق إخراجنا من الدين والملة ينتقل إلى إخراجنا من المهنة، حتى يكون الاعتداء علينا مشروعا.

غير أن الأمر هنا يتجاوزنا إلى الطعن في تمثيلياتنا الصحفية، وإلا كيف يمنح المجلس الوطني الصحافة بطائق الصحافة ل"جهة مدسوسة" وكيف تسمح النقابة الوطنية للصحافة المغربية، بأن يكون في قيادتها قياديون من "جهة مدسوسة".

إننا في الأحداث المغربية، وبأسلوب مهني حضاري ديمقراطي، نضع شكايتنا بين أيديكم، طلبا للإنصاف ورد الاعتبار وجبر الضرر الذي لحقنا من مسؤول سياسي، كان مع الأسف رئيسا سابقا لحكومة المملكة المغربية.