تخضع لعمالة جرسيف وتغيب عن مخططاتها التنموية
ليس بسبب شح في المياه أو ضعف في الفرشة المائية، ولكن بسبب سوء تسيير وتدبير وإقصاء من المخططات التنموية، يعيش سكانها عطشا حقيقيا بعد أن نضبت مياه صنابير البيوت، فصار معتادا مشهد العشرات من السكان وهم يحملون أوعيتهم البلاستيكية بحثا عن الماء وسط الضيعات، ولدى من ساعفتهم الظروف في حفر آبار تقيهم محنة التنقل لجلب الماء كلما فرغ الخزان المزود لسكان مركز جماعة لمريجة وضواحيها... هذه حكاية عطش في عز الصيف
........
ارتفعت حرارة الجو، وهجرت المياه صنابير بيوت مركز الجماعة القروية لمريجة الخاضعة لنفوذ عمالة اقليم جرسيف، وكأن لسان حالها يردد قول الشاعر العربي القديم: "في الليلة الظلماء يفتقد البدر"..
فمع ارتفاع درجات الحرارة غابت المياه عن المساكن وافتقدها سكان هذه الجماعة التي لا تبعد عن مدينة جرسيف، حيث يوجد مقر العمالة، إلا بحوالي ثلاثين كلمترا، ومع ذلك فإن عددا من السكان أكدوا لجريدة (الأحداث المغربية)، أن "جماعتهم وتجمعاتها السكانية، لا تبعد فقط عن مركز الاقليم، وإنما تبعد كذلك عن المخططات التنمية التي يفترض أن تشرف العمالة على إخراجها إلى حيز التنفيذ والوجود" لأنها "جماعة مقصية من مشاريع المبادرة الوطنية البشرية"، كما صرح بذلك سكان من جماعة المريجة، مؤكدين "لو كانت العمالة تضع في حسبانها هذا الجزء من اقليم جرسيف لما جعلت العطش يستحكم فيهم، وتنقطع المياه عن صنابيرهم لمدة أسبوع كامل دون أن تتحرك الجهات المسؤولة لإيجاد حل لهم، والتخفيف عنهم من وطأة هذا المشكل"، الذي يقول أحد رجال التعليم بجماعة المريجة، إنه "ليس وليد هذه الفترة"، "بل إن جماعة المريجة تعرف فترات متوالية لضعف لصبيب المياه"، لكن هذا "الضعف تحول إلى انقطاع وغياب تام للماء منذ بداية شهر يوليوز الحالي".
غياب المبادرة
عند السؤال عن السبب في مشكل انقطاع المياه عن جماعة المريجة، كان الجواب الذي تلقته جريدة (الأحداث المغربية) من أحد الإداريين الذي يقطن بناية تقع بمركز الجماعة، فحسب ما صرح به هذا المسؤول، باعتباره واحدا من قاطني المنطقة، فإن "المشكل يكمن في غياب المبادرة من أجل إيجاد حل لهذه المعضلة التي تتفاقم عند كل فصل صيف"، فبعدما "يكون الماء خلال فصل الشتاء كافيا، يجد السكان صعوبة في التزود خلال فصل القيظ، واشتداد الحرارة"، نظرا لأن "المسؤولين يعتمدون سياسة الترقيع، ولا يعمدون إلى حل هذا المشكل بطريقة جذرية".
وحسب المصدر ذاته فإن "جماعة لمريجة التابعة لعمالة إقليم جرسيف تعيش وضعا خاصا، أصبح ينذر بحدوث أزمة كبيرة للحصول على قطرة ماء صالحة للشرب في فصل الصيف، ويهدد بهجرة جماعية، إن لم تتدخل - بشكل إستعجالي - الجهات المسؤولة إقليميا ،جهويا ووطنيا، من أجل توفير حاجيات المواطنين من هذه المادة الحيوية والأساسية، خاصة عامل الإقليم لإيجاد حل لهذه الأزمة التي تؤثر على الحياة".
وقد أكد المتحدث ذاته أن "الفعاليات الجمعوية دقت ناقوس الخطر نظرا للأوضاع المزرية التي تعيشها ساكنة مركز جماعة لمريجة وقراها بالمنطقة الجبلية من قبيل (قرية لمطاهرة، الشرامطة، واد بني كاسم وبني غمراسن) مع مشكل العطش المطروح على طول السنة، لكنه يتفاقم ويتضاعف مع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية في فصل الصيف".
وقد عزت الفعاليات الجمعوية أسباب أزمة العطش التي تهدد لمريجة إلى "سوء التدبير من جهة، وإلى اللامبالاة وغياب الإرادة لحل المشكل لدى المسؤولين المحليين والإقليميين والجهويين"، و"تجاهلهم للتنبيهات والطلبات والعرائض التي يقدمها المجتمع المدني والساكنة من أجل التدخل لعدة سنوات".
كما اعتبروا أن "سياسة الترقيع والإلهاء التي تتكرر مع تكرار الاحتجاجات، والوقفات والمسيرات التي ينظمها السكان كلما اشتدت الأزمة"، كل هذا ومنطقة لمريجة تصنف - حسب ما ترى الفعاليات الجمعوية - بأنها "تتوفر على أكبر فرشة مائية باطنية بالجهة الشرقية".
التمييز يفاقم أزمة العطش
ورغم أيام القيظ الأخيرة التي عرفت فيها درجات الحرارة مستويات قياسية، يستغرب سكان مركز جماعة لمريجة وقرى لمطاهرة "طريقة تعامل المسؤولين مع هذا المشكل ذي الطبيعة الإستعجالية وأزمة العطش، التي ليست وليدة اليوم، بل هي مشكلة عمرت لسنوات طويلة، وتتكرر سنويا وتزيد استفحالا كل فصل صيف، في غياب أدنى التفاتة لوضع حد لهذه المأساة الطويلة الأمد".
كما يرى السكان المتضررون من أزمة العطش، التي يتساوى فيها المسؤولون بلمريجة، سواء الإداريون من موظفي الدولة أو المواطنون، حيث يغيب الماء الشرب عن المركز الصحي كما يغيب عن المؤسسات التعليمية والسكن الوظيفي لعدد من الإدارات، (يستغربون)، "لغياب استراتيجية واضحة المعالم من الجهات المسؤولة، من أجل العمل على توفير هذه المادة الحيوية للساكنة المحلية، وضمان استمراريتها صيفا وشتاء مع تزايد التوسع العمراني وغور المياه السطحية والمنابع المائية القديمة بسبب توالي سنين الجفاف".
ولعل هذا ما دفع السكان إلى دق أبواب المؤسسات العمومية المختصة، من سلطات اقليمية ممثلة في عامل إقليم جرسيف، وكذا رئيس الجماعة لكن بدون جدوى، "عدا مسلسل من المراوغات والتسويف بمبررات واهية وبطريقة انتقامية"، كما صرح بذلك متضررون للجريدة، و"إلا ما معنى التبريرات المقدمة أمام تجدد مشكل الماء الصالح للشرب في كل مرة وفي كل فصل صيف دون معالجة الإشكال"، يتساءل من قهرهم العطش في أيام الحر الحالية..!!
وفي هذا الصدد، وهم يعيشون "أيام العطش"، وتكرار سيناريوهات صيف السنوات الماضية، انتفض سكان مركز لمريجة حاليا وسابقا ولسنوات وعبر عدة محطات، سواء بقرية لمطاهرة أو غيرها في وجه رئيس الجماعة وكذا ضد تسويف مسؤولي الإقليم، محتجين على ما يصفونه ب "التجاهل التام لمطلبهم الإستعجالي بتوفير الحد الأدنى من الحق في الاستفادة من جرعة ماء تقيهم عطش حرارة الصيف، مثلهم مثل باقي سكان مناطق المغرب"، حيث تأخذهم الحسرة وهم يرون أن "الماء الذي لا يجدونه للشرب يتم تبذيره في ري الحدائق ومدخل المدينة ليل نهار".
وحسب المراسلات التي وجهها السكان المتضررون من العطش إلى سلطات الاقليم، فإنهم وبعدما كانوا لا يستفيدون من الماءالا سويعات قليلة، علما أن ضعف المياه يجعلها لاتصل للطوابق الأولى للمنازل"، إلا أن هذا "الضعف تحول إلى انقطاع تام منذ أكثر من أسبوع".
وقد جعلت هذه المعاناة السكان بجماعة لمريجة يستنجدون، لكن دون جدوى، ما جعل حجم المعاناة يتضاعف في ظل ارتفاع الطلب على الماء الذي يعانون من فقدانه، في حين - وحسب إفادات المتضررين من العطش بلمريجة - فإن "البئر المخصصة لسقي الحدائق، كان من الأجدر تفويتها للمنازل"، لأن "هذه البئر تحتوي على مياه كافية، إلا أن مضخة البئر يتم تشغيلها فقط سويعات، بمعنى لو تم تشغيلها مدة أطول، لما حدث هذا الإشكال العويص"، كما يفسر ذلك بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
مشاريع للأصدقاء..!!
وكانت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بعمالة اقليم جرسيف التي يشرف عليها عامل الإقليم في إطار لجنة قد عمدت إلى إنجاز مشروع أشغال تزويد دواوير (نيف زيان، عين الكطارة والمزاود) بالماء الصالح للشرب، في إطار ما تم وصفه ب "برنامج تدارك الخصاص على مستوى البنيات التحتية والخدمات الأساسية بالمجالات الترابية الأقل تجهيزات برسم سنة 2020"، وهو المشروع الذي ساهمت فيه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كما نشر عبر لوحته التقنية، بمبلغ (1.831.000 درهم) أي أزيد من 180 مليون سنتيم، في حين اكتفت عمالة جرسيف بمهمة تتبع الأشغال، ومصلحة المياه بإعداد الدراسة والمواكبة وتتبع الأشغال. أما جماعة لمريجة فاستقر دورها عند التسيير، المواكبة والتتبع (كذلك)، فيما ساهم المجلس الإقليمي بإنجاز ثقب استغلالي بتكلفة قدرت ب(220.000درهم).
مشروع تم تحديد عدد المستفيدين منه في 850 مستفيدا، و170 أسرة، بعد مدة اشتغال لا تتعدى 10 أشهر"، لكن هذه المدة انقضت ولازال المشروع قيد الإنجاز، وببعد عن مركز جماعة لمريجة بحوالي 20 كلمترا، وعن قرى الجبل المتضررة من أزمة العطش بحوالي 40 كلمترا".
والأدهى أن مصادر الجريدة أكدت أنه مشروع "تمت فيه المحاباة"، واستفادت منه المنطقة "المَرْضِيُ على البرلماني الذي يعتبرها خزانا انتخابيا للأصوات الداعمة له في الاستحقاقات الانتخابية"، في حين تبقى غيرها من المناطق "مقصية محرومة من الماء، تكابد معاناة العطش لعل ضمائر المسوولين تصحو لتعمل على إنجاز مشاريع تدعيم البنيات التحتية بالتساوي ودون محاباة للأقربين، وإقصاء للمعارضين".
وإلى ذلك الحين يكتفي المتضررون من العطش بلمريجة بانتظار الفرج الذي قد يأتي أو لا يأتي، مع المسؤولين الحاليين.