بوابة الصحراء

الصحراء بين نموذجين

حكيم بلمداحي الاثنين 30 سبتمبر 2019
02078832437187306603153082846411
02078832437187306603153082846411

بوابة الصحراء: حكيم بلمداحي

لم يأت تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أمام الجمعية العامة الأسبوع الماضي بجديد يذكر، بل اكتفى بتلخيص ما جاء في التقريرين السابقين. غير أن نقطتين في التقرير تلخصان الوضع في عمقه،‪ ‬أما الباقي فتفاصيل صغيرة تكتفي بالعموميات.

النقطتان الأساسيتان تطرقتا لمقارنة بين ما يجري في الأقاليم الجنوبية المغربية، وما يحدث في مخيمات لحمادة في الجنوب الجزائري.

في الأولى تحدث التقرير عن مواصلة المملكة المغربية في البناء والقيام بمشاريع تنموية واستثمارية.

وفي الثانية، أي النقطة التي تتعلق بمخيمات تيندوف، تحدث عن استمرار مشاعر الإحباط وانخفاض المساعدات وارتفاع سوء التغذية.

هما نموذجان مختلفان حد التناقض بين واقع تنموي واعد، وبين مصير غامض مجهول تطغى فيه الخروقات الإنسانية، وتنتشر فيه الأمراض بكل تلاوينها.

غير أن تقرير غوتيريس، بما أنه سياسي بالدرجة الأولى، لم يفصل في واقع المخيمات، سواء في العلاقة مع المساعدات الإنسانية، أو في واقع الاحتجاز الذي يعاني منه الصحراويون في تلك المخيمات.

لقد أبرزت عملية التضييق والاعتقالات في صفوف المدونين والصحافيين في مخيمات تيندوف في المدة الأخيرة، مدى عدم قبول قادة جبهة البوليساريو ومن يوجد خلفهم، فضح ما يجري بتلك المخيمات من خروقات جسيمة لحقوق الإنسان، ومن حالة القمع والتضييق التي يواجه بها قادة البوليساريو المحتجزين من الصحراويين، سواء منهم من غرر به وآمن إلى وقت قريب بما يروجه القادة من جنة الفردوس التي تنتظرهم، أو أولئك الصحراويين الذين رحلوا غصبا عنهم من ديارهم في الأقاليم الجنوبية ووجدوا أنفسهم في حبس كبير بين ثكنات عسكرية جزائرية لا سبيل لهم في التخلص منها. ينضاف إلى هؤلاء شبان الآن الذين ولدوا وترعرعوا في المخيمات، ليكتشفوا أنهم كانوا عرضة لمؤامرة كبيرة ليسوا هم سوى دروع بشرية فيها، فتململوا رافضين، على الرغم من محاولة غسل الأدمغة التي تعرضوا لها في كوبا وفي الجزائر. رفض هؤلاء لهذا الواقع سيعرضهم لتعسفات تصل أحيانا إلى حد التصفية.

الشعور بالإحباط والإحساس بـ«الحكرة» والتيقن من أن وعود قادة البوليساريو ليست سوى سراب في يوم قيظ، جعل سكان المخيمات يتحينون الفرصة إما للهروب إلى موريتانيا أوروبا، أو العودة الى أرض الوطن. والهروب غير متاح للجميع لأنه يتطلب التوفر على إمكانيات مادية ليست في متناول عدد كبير منهم. أما الخيار الثاني فهو محاولات خلق تنظيمات معارضة لقيادة الجبهة ومواجهة هؤلاء القادة سياسيا، مثلا خط الشهيد وشباب التغيير والمبادرة الصحراوية للتغيير وغيرها. إلا أن كل هذه المبادرات تواجه بالعنف والتخوين وترويج الإشاعات حول أعضائها. وطبعا لقادة الجبهة كل الإمكانيات، لذلك بما أنهم موظفون عند المخابرات الجزائرية ينفذون المطلوب من المخططات، ويحصلون على الإمكانيات والامتيازات.

طبعا هناك طرف ثالث من السكان ممن لا حيلة لهم، أو من المستفيدين من ريع القادة، سواء بحكم القرابة العائلية أو القبلية، أو ممن يقدمون خدمات لهم.

أما قادة البوليساريو فهم أناس تم اختيارهم بعناية، ومنهم أشخاص لا علاقة لهم بالأقاليم الجنوبية المغربية، وآخرون يفضلون العيش الرغيد على التقيد بأي مبادئ. أما معظمهم فيعرف أن جزاء خدمته للمخابرات الجزائرية والعسكر الجزائري هو إطلاق يده في النهب والمتاجرة في المساعدات الإنسانية والاتجار في المخدرات. وهذه من أسباب آلام وجوع سكان المخيمات.

بين النموذجين المذكورين تكمن القضية. لقد فطن أغلبية المنتظم الدولي بخلفيات قضية الصحراء، وآمن بأن الحل في ما قدمه المغرب من مشروع الحكم الذاتي. في حين يبحث سكان مخيمات تيندوف عن الخلاص. أما الأقاليم الجنوبية فتشهد دينامية حقيقية إن على مستوى البنيات التحتية، أو على مستوى الفعل الثقافي والاجتماعي. هذه أشياء لا تتطلب مجهودا كبيرا للاطلاع عليها. يبقى أمام الجميع الاختيار بين النموذجين: نموذج التنمية ونموذج البؤس. طبعا هذا يعني المنتظم الدولي، الذي يجب أن يساعد سكان مخيمات البؤس في التخلص من حالة الاحتجاز والاستغلال القسري. بعد ذلك تأتي مرحلة المصالحة والتخلص من الحواجز السيكولوجية لتجاوز أخطاء الماضي، وتسريع وتيرة البناء في صحراء مغربية هي الأصل في الأول والأخير