AHDATH.INFO
عندما ترى أفواج العاطلين من أصحاب الشهادات معتصمين، أو محتجين أمام البرلمان، وعندما تعلن برامج حكومية لدعم التشغيل الذاتي عن فشلها، يأتيك سؤال، لماذاأخفق هؤلاء وأخفقت الحكومة؟ في الوقت الذي حلق شباب آخرون بعيدا واستطاعوا تحقيق إنجازات لافتة، رغم أنهم انطلقوا من لاشئ.
قصة حمزة أبو الفتح تستحق أن تروى. هذا الشاب الثلاثيني، انطلق من صفر درهم، قبل أن يجد نفسه بعد بضع سنوات على رأس مقاولة متخصصة في استضافة البوابات والمواقع الإلكترونية،و تحقق الآن رقم معاملات بأزيد من12 مليون درهم سنويا، وتشغل30 شخصا، فيما تتوفر على ثلاث فروع، بالدار البيضاء والرباط، فضلا عن مراكش مسقط الرأس. فكيف بدأ الحلم
«بداية شعاري الدائم.. إنشاء الله ca passe » يقول حمزة، مضيفا بأن الإصرار، وحب المرء لما يفعل، مفاتيح لامناص منها للنجاح. فمنذ صغرى، يستطرد حمزة، عشقت العالم الأزرق و الحواسيب، لقد كنت أتردد على المقهى الوحيدة للأنترنيت بمراكش واستهواني هذا العالم، قبل أن أن أفهم بأن «هذه الهواية» يمكن أن تدر مداخيل.
«صدقت توقعاتي وحسبتها صح» يؤكد حمزة، مشيرا إلى أنه، في سنته السادسة عشرة، بدأ يبيع خدمات استضافة البوابات والمواقع الإلكترونية لبعض الزبناء، نظير مقابل مادي. صحيح أن هذه المبالغ كانت قليلة، تكاد تكفي لمصروف الجيب، «لكن لابأس هي البداية.. وهي مشجعة علىأية حال ».
بدأ زبناء حمزة يتزايدون، واستمر هذا المسار إلى غاية بلوغه إلى مستوى الباكالوريا. «في الحقييقة، أمام تزايد الزبناء، بدأت التفكير جديا في إنشاء مقاولة، لكن في المغرب ليست هناك إمكانية الحصول على بطاقة القروض من أجل تأدية مقابل الخوادم (serveurs) بالعملة الصعبة »، ملفتا من جانب آخر، إلى أنه أهمل دراسته، ليكرر السنة، قبل أن التفرغ لنيل الباكالوريا في السنة الثانية. وفعلا نهاية بميزة، ويشد بعد ذلك الرحال نحو فرنسا من أجل استكمال دراسته العليا.
«في الحقيقة، كانت غايتي الأساسية من الذهاب لفرنسا، الحصول على بطاقة قروض أكثر من رغبتي في الدراسة، وبالفعل حصلت على بطاقة قروض، وقدمت خدمات هناك». يضيف حمزة، مشيرا إلى أنه في سنته الأولى بفرنسا، لم ينتظم في الدروس، وسينتظر إلى السنة الثانية، حيث سيلتحق بأحد مدارس المعلوميات في2007من أجل الحصول على شهادة «BTS».
لكن سنة بعد ذلك،سيعود إلى المغرب، وكانت رغبة إنشاء مقاولة، قد سيطرت على ذهنه، ولم يفكر قط بالبحث عن منصب شغل. وبالفعل، أطلق شركة تحت اسم « Genious» برأسمال لايتجاوز، 10 آلاف درهم، فيما وجه مدخراته القليلة لشراء بضع حواسيب وتهيئة مكتب بسيط بمراكش.
«أول عقد وقعته، بلغت قيمته 15 ألف درهم لكل ثلاث أشهر مع شركة كازا فري »، يبرز المقاول الشاب، مضيفا بأن السوق المغربية كانت حديثة عهد بعالم الأنترنيت، كما أن حاجيات المقاولات في هذا الإطار، كانت كبيرة، لذلك لم أجد أي عناء في البحث عن زبناء، بل كانون هم من يبحثون عني.
ابتسم الحظ أو «العمل المتواصل» لحمزة، وأصبحت تتقاطر عليه العقود من مقاولات ومؤسسات وازنة، من قبيل المكتب المستقل للكهرباء والماء الصالح للشرب بمراكش ومن قبيل بعض المعاهد العليا، قبل أن يتمكن من الظفر بعروض شركات خاصة من قبيل «أنجليك» و«الكتبية»، ومحطة «هيت راديو» إلى جانب وبعض المواقع الإلكترونية المعروفة في الساحة الإعلامية المغربية.
الأكثر من ذلك، وأمام التراكم الذي حصله خلال هذه السنوات، تمكن حمزة من الحصول على اعتماد «ICANN» من منظمة أمريكية، مما جعل من «Genious» أول مقاولة مغربية متوسطة تحصل على هذا الاعتماد والخامسة إفريقيا.
بعد هذا المسار الميداني الناجح، أصبح حمزة يخصص بعض الوقت للتفرغ للتكوين وتحسين المعارف، حيث سيظفر بمنحة، للتدريب على ريادة الأعمال بجامعة «هافرد» الشهيرة، كما أنه سيلتحق بأحد المعاهد بالدار البيضاء، للحصول على ماجستير إدارة الأعمال «MBA».
وعن ذلك يقول المقاول الشاب، استكمال التكوين واكتساب المهارات، مسار متواصل إلى آخر العمر، وصحيح أني ضحيت بذلك في فترة ما، لكن « il n est jamais trop tard pour bien faire»، كما يقال.
«في كل هذا وذاك، اعتمدت على نفسي وعلى مواردي الذاتية، ولم ألجأ لأي برنامج حكومي أو بنك»، يستطرد المقاول الشاب، معتبرا بأن هذه البرامج، يجب إعادة النظر فيها.
عندما تذهب لأحد برامج دعم إنشاء، من قبيل «MAROC PME» مثلا،يقولون لك إن هذا الدعم مخصص لقطاعات دون أخرى، يوضح حمزة، مؤكدا الشئ ذاته بالنسبة للأبناك قائلا «أتحدى أيا كان أنه تحصل على قروض من دون ضمانات.. لاشئ، يكذب عليك الكذاب».
وماذا عن مستقبل « Genious» ؟ الحمد لله الأمور تسير على مايرام، والأكثر من ذلك انطلقت في مشروع ثان، يرد حمزة أبو الفتح، في إشارة إلى إنشائه لمطعم «إلكتروني».
اقتصر في البداية على تسليم الوجبات للمنازل، وذلك قبل أن يصبح مطعما قائما بالذات، حيث الطلبيات تتم عبر «اللوحات الإلكترونية»، فضلا عن الأداء عبر الأنترنيت.المشروع كلف 3 ملايين درهم، هي ما ادخرته من أنشطة «Genious»، يعتز حمزة، موجها رسالته إلى الشباب «لاتركنو إلا الصعوبات،لكن عليكم قبل ذلك أن تحبوا ما تفعلون، ثم تنخرطون بكل جوارحكم وأذهانكم فيما تودون تحقيقه، ستجدون صعوبات، وستجدون من يحبطكم، لكن لاتستسلموا، إنها صعوبات البداية، وعندما تتجاوزونها إنشاء الله.. ca passe».