ثقافة وفن

إدريس الكنبوري : الردة أداة لتصفية الحسابات السياسية بلبوس ديني

سكينة بنزين السبت 11 فبراير 2017
isis-execution-2
isis-execution-2

AHDATH.INFO - حاورته سكينة بنزين

فتح تراجع المجلس العلمي الأعلى عن "فتوى" قتل المرتد النقاش من جديد حول حدود العلاقة بين الدين والحريات، في الحوار التالي يتناول "إدريس الكنبوري" الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية والفكر الإسلامي السياق الذي تم خلاله استغلال مفهوم الردة ذو الحمولة الدينية، لتصفية الحسابات السياسية وتعطيل الاجتهاد، و تخويف المخالفين منذ قرون.

الكنبوري استحضر وثيقة مراكش حول حماية حقوق الأقليات، كمعطى مساهم في تغيير موقف المجلس العلمي بسبب توصياتها لمراجعة الثقافة الإسلامية قصد التخلص من المفاهيم التي تعزز التطرف والغلو كما هو الحال لمفهوم الردة.

 

 ما هي الإضافة التي يمكن أن تقدمها خطوة المجلس العلمي حول قتل المرتد لنقاش الحريات الفردية؟

أعتقد أن الموقف الجديد للمجلس العلمي الأعلى من موضوع الردة يعزز مبدأ الحريات الفردية بشكل أساسي، فالردة من القضايا الخطيرة والكبرى التي أثارت جدلا واسعا في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، نظرا لارتباطها بحق الحرية والاجتهاد في الإسلام ومبدأ المواطنة. فقد كانت الردة أداة لتصفية الحسابات السياسية بلبوس ديني أحيانا، وأحيانا كانت أداة لإسكات الخصوم، بل إنني أعتقد أن موضوع الردة من العوامل التي عطلت إصلاح الفكر الديني الإسلامي بسبب المخاوف من المس بأمور يعتبرها الفقهاء التقليديون جزء من الدين والمساس بها يوقع صاحبها في الردة.

وكثير من العلماء المسلمين اتهموا بالردة لأنهم سلكوا طريقا ليس طريق المؤسسة الدينية أو مخالفا لما يسمى الإجماع، في أمور ليس فيها إجماع أصلا. وأشير بهذه المناسبة إلى أن الشيخ عبد المتعال الصعيدي، وهو عالم من علماء الأزهر في مصر، كان سباقا في الثلاثينات من القرن الماضي إلى القول بإلغاء حد الردة في الفقه الإسلامي دفاعا على حرية الفكر والاجتهاد، وذهب أبعد من ذلك حيث اعتبر أن المرتد هو بمثابة الكافر الأصلي الذي يجب القيام بالدعوة معه لتعريفه بالإسلام وإقناعه به، وليس إقامة الحد عليه.

لقد كانت أفكار الصعيدي تنويرية قبل حوالي مائة عام، ولكن الأزهر حاربه. ولذلك أعتقد أن موقف المجلس العلمي الأعلى مكسب للحريات الفردية، وإن تأخر ذلك الموقف طويلا، بل ما كان عليه أن يضع فتوى قتل المرتد ثم يتراجع عنها.

ما هي الأسباب التي يمكن استحضارها للحديث عن تغير موقف المجلس العلمي إلى نقيض موقف الأول من الردة؟

ربما تكون التداعيات التي خلفها الفكر المتطرف في العالم الإسلامي اليوم وراء هذا التراجع، لأننا نعرف أن الأساس الذي تقوم عليه الجماعات التكفيرية هو الردة والتكفير، فهي تحكم على الشعوب المسلمة والأنظمة بأنها مرتدة عن الإسلام ولذلك تستبيح القتال ضد وتبرر جرائمها الوحشية بالارتداد. وأعتقد أن مؤتمر مراكش الذي عقد في السنة الماضية وخرج بوثيقة حول حماية حقوق الأقليات لعب دورا في تغيير المجلس لموقفه أيضا، فقد كان من بين توصيات المؤتمر مراجعة الثقافة الإسلامية التي تولد التطرف والغلو، والمغرب يقدم نفسه كنموذج للتسامح والانفتاح لدى أوروبا والشعوب الإفريقية، وفيها شعوب مسيحية، ولذلك لا يمكنه أن يقف من الحريات الدينية الفردية موقفا سلبيا.

وأنا أعتقد أن المجلس العلمي الأعلى قبل أن يضع فتواه الشهيرة كان عليه أن يتريث حتى لا يتراجع في ما بعد، وأن ينظر إلى الاجتهادات المعاصرة في المسألة، فهناك علماء كثيرون حسموا الموضوع قبل عقود طويلة، وتحدثوا عن الردة السياسية لا عن الردة الدينية، فالردة السياسية هي الخروج عن الجماعة ومحاربتها، أي الخيانة العظمى في الاصطلاح الحديث، فالمرتد بهذا المعنى هو المنشق عن الدولة، أما الردة الدينية فهي مسألة شخصية وتدخل في نطاق علاقة الإنسان بربه، وحتى الردة السياسية اليوم صعبة التطبيق من حيث الواقع العملي، فهناك أشخاص لديهم جنسية مزدوجة مثلا، وهذا يطرح مشكلة الولاء السياسي للدولة التي ينحدر منها والدولة التي يعيش فيها، والحروب اليوم تطورت وأصبحت تعتمد التكنولوجيا الحديثة التي تتطلب التدريب على استعمالها، ولم تعد حروبا تقليدية كما كانت في الماضي، وبالتالي فإن الحديث عن المحاربة أمر فيه نظر، لأنه حتى على فرض وجود مرتدين فإنهم لا يلتحقون للعمل في جيوش بلدان أخرى.

 ما هي انعكاسات موقف المجلس على التيارات المتطرفة؟

موقف المجلس العلمي الأعلى يمكن أن يلعب دورا في محاصرة الفكر المتطرف في المغرب، وأن يقلص من المجال الذي يتحرك فيه. صحيح أن التيارات المتطرفة والتكفيرية لا تهتم بآراء وفتاوى المجلس العلمي، كما هو الأمر مع جميع المؤسسات الدينية الرسمية في العالم الإسلامي، ولكن الموقف الجديد للمجلس سيلعب دورا في توعية الأجيال الجديدة بأهمية التسامح الديني والتعددية الدينية عن طريق تنزيل ذلك الموقف في الثقافة والتعليم والإعلام.

41126_1602179502791_3367394_n

باحث متخصص في الجماعات الإسلامية والفكر الإسلامي