AHDATH.INFO – خاص - بقلم أحمد الشرعي
العلاقات بين المغرب و روسيا عريقة و ضاربة في القدم. محمد بن عبد الله، الملك الاصلاحي (محمد الثالث)، و الملكة كاثرين في العهد القيصري، تبادلا رسائل متعددة. في تلك الفترة، الامبراطوريتان كانتا بصدد تلمس طريقهما نحو الحداثة، و كانت الأفكار الغربية الجديدة مصدر الهام واستلهام، التاريخ عاكس هذان المشروعان، و لكن الحدث التاريخي له أهميته.
بعد استقلاله، ربط المغرب علاقات ديبلوماسية مع الاتحاد السوفياتي، رغم اختياره المعسكر الغربي، كان الراحل الحسن الثاني حريصا على أن تكون العلاقات مع الاتحاد السوفياتي كما مع صين ماو جيدة، فالمملكة كانت من مؤسسي حركة عدم الانحياز، و بريجنيف قام بزيارة دولة الي المغرب في عز الحرب الباردة.
كل من البلدين عرف تطوره الخاص. روسيا تجاوزت مرحلة تفكيك الاتحاد السوفياتي و سقوط جدار برلين، و عرفت العودة للدولة/الأمة في ظروف اقتصادية صعبة. المغرب من جانبه انخرط في مسلسله الديمقراطي و مشروعه الحداثي. لكن البلدين لم يتخليا أبدا عن دورهما في الساحة الدولية و الذي يفرضه عليهما التاريخ كأمر بديهي.
الزيارة الملكية لروسيا تأتي في هذا الاطار. سياق بلدين فاعلين مهمين على الساحة الدولية، بلدين بمواقف و قرارات مستقلة، مسموعين و ينصت لهما بحرص، لأنهما منخرطان في منطق تاريخي لا ينكره أحد.
فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، نجح بعد فترة حكم يلتسين المفجعة، في فرض بلاده كفاعل أساسي في كل المواضيع الكبرى. روسيا بلد لا محيد عنه و لا يمكن تجاوزه، سواء في المسألة السورية، في قضية الشرق الأوسط، في النووي الايراني، أو في مكافحة الارهاب.
روسيا تعيش فيها أقلية مسلمة مهمة، لكنها تحارب الارهاب الشيشاني منذ 20 سنة، كما أن لها تجربة أفغانستان المريرة. المغرب بدوره عرف تنويها بتجربته في محاربة الارهاب بفضل سياسته الاستباقية، في قدرته على ضبط الحقل الديني، انخراطه في الحداثة باحترام تام لخصوصيته. هذه نقطة التقاء و اتفاق بين البلدين تقطع مع فكرة صدام الحضارات و الثقافات، لأنهما في الوقت الذي يحاربان فيه الارهاب دون هوادة، فانهما بالمقابل لم يسقطا في فخ الخوف و الاسلاموفوبيا.
البلدان لهما أيضا مصالح اقتصادية و ثقافية مشتركة وجب تطويرها، السوق الروسي مهم بالنسبة للمنتوجات الفلاحية المغربية، كما أنه سوق واعد بالنسبة لقطاع السياحة المغربي. لحدود هذه اللحظة، و بالرغم من الاتفاقات، النتائج مخيبة للأمال رغم مقاطعة الأوروبيين لروسيا، و الذي فتح امكانات للمصدرين المغاربة. كما أن سوق السياحة في المغرب يجب أن يتأقلم مع المتطلبات الخاصة للسياح الروس.
هذه الزيارة الملكية، ستكون بلا شك فرصة لاعطاء دفعة قوية للعلاقات المغربية الروسية على جميع المستويات و الأصعدة، رئيسا البلدين في مقدورهما فعل ذلك. فليس بين البلدين أي نزاع أو سوء تفاهم، بل بالعكس، حتى في قضية الصحراء، روسيا ساندت دائما تطبيق البند السادس، أي الحل المتفاوض بشأنه.
نجاح الزيارة الملكية اذن مضمون، و سيكون بعدها على الفاعلين الاقتصاديين واجب ترجمة الاتفاقيات المبرمة على أرض الواقع.