AHDATH.INFO- البيضاء - إنجاز: عبدالغفور ضرار
"تبارك الله عليك" ـ "ربي يخليك لماماك" و"افين آلزين منشوفوشك "نجي اولا نمشي" الزين والثباتة تلاقاو فسباتة" نخوي جيبي على للي لابسة شيبي "الزين يحشم على زينو" و..و.. الخ"
هي عبارات تدخل في الموسوعة المغربية للتحرش ، يوظفها الشباب و الرجال الكل على هواه وعلى طريقته الخاصة بتعليقات في ظهرها غزلية وفي باطنها دعابات ذو محتوى جنسي أو في بعض الاحيان تكون كلمات مباشرة تهدف الى ما هو جنسي بشكل صريح "دون لف ولا دوران" على رأي اخوننا المصرين .
بين أزقة طرقتنا وشوارعها الرئيسية ، لا يقتصر التحرش اللفظي فقط على الشباب ، بل يتعداه إلى الرجال المتزوجين والشيوخ بعض الاحيان.
وعاينت »................» مشاهد شبابا يصدرن كلمات التغزل بجمال و مفاتن المرأة في شوارع وسط البيضاء ، وغير بعيد في إحدى الاحياء الشعبية، لاحظنا شابا يجلس بمكان استراتيجي في المقهى ، ينظر مُركزا في اختيار فريسته و إقتنى كلماته المنمقة جيدا ، تليق بجمال الفتاة و خصوصية الاجواء المحيطة به "الشعبية" ، " أوعدي على الزين البلدي" تركنا صاحبنا في مقهاه يتغزل .
واصلنا السير من شارع الى فضاء اخر ، حركة المارة تعج بالحركة فتيات ، شباب ، نساء ، اختلاط فرضته تغييرات المجتمع ومنحته شكلا جديدا في التواصل والتعبيرات عما كان عليه الحال سابقا .
لنصادف شباب ، اختاروا زاوية بعناية جيد ، بقرب من أحد الاسواق الشعبية و إحدى الثانويات الخاصة ، يطلقون العنان لإبداعهم اللفظي المستوحاة من أقاويل شعبية "اللابسة الحمر غادي تدي لية العمر" "نعطي مليون على سمر اللون " في مشهد مضحك يثير فضول الفتيات لالتفات حولهن .
وحاول بعض المتحرشون آلاخرون لفت أنظار الفتيات باستعمال أوصاف غربية و عجيبة مثل "قطة" و "ساطة" و"سلعة شمال " "البيض المقشرعليه نتحشر "، لكن الاسم الابرز والذي يحمل في طياته دلالات سياسية ، كان هو "دعوشة"، وهي تصغير لـ"داعشية" ، التنظيم الارهابي "داعش" ليجد مكانا دخل قاموس التحرش بالمغرب.
واقترابنا نحن كذلك من إحدى الفتيات ، وطرحنا عليها سؤالنا ، وكانت اجابتها ، قائلة التحرش اللفظي يعتبر علاجا نفسيا والوصفة سحرية، تزرع الثقة في شخصية الفتاة "تلواط شي مريان في في حياة الدرية ".
و يعرف التحرش في الاماكن المكتظة ارتفاعا فيما ما يعرف بـــ"التلواط ، والنقان" حيث تصادف كلمات تبدأ بالمجاملة وتهنئة "مبروك العواشر" رغم عدم وجود أي عيد ديني ،و ذلك من أجل استقطابها ، لكن لا أحد يعير لهذه الظاهرة اهتماماً ، لأنها اصبحت سلوكا يوميا واعتياديا في مجتمعنا المغربي .
التقت "........"، ببعض الشباب والشابات وطرحت عليهم تساؤلاتها وكانت هذه أجوبتهم.
قالت امين رياضي ، صاحبة 23 سنة وهي طالبة في كلية الحقوق بالمحمدية ، تقول " الشيء اذا زاد عن حده انقلب الى ضده... بكل صراحة انا من النوع الذي لا ينزعج من التحرش اللفظي اذا كان في اطار المغازلة اللفظية بل بالعكس هذا ما يزيدني ثقة في نفسي اكثر فأكثر ... واقصد هنا حسن المظهر وغيره من المظاهر الخارجية ، أما اذا كان التحرش اللفظي بكلام قبيح وتصرفات غير أخلاقية من طبيعة الحال سيكون الامر مزعج للغاية بالنسبة لي كفتاة وفي هذه الحال سأضطر الى الذهاب الى أقرب مخفر شرطة او اتخذ قرار مرادف لفعل المتحرش...."
فيما رحبت رحاب، ذات 17 سنة بذلك ، حيث قالت ما المانع من أن يقول الشاب لأي امرأة أو فتاة أنت حلوة وجميلة عوضاً عن الألفاظ البذيئة التي تخدش حياءها ، مؤكدة اذا كان العكس ، فيجب ان تكون هناك غرامة مالية لكل متحرش بالألفاظ البذيئة ، من طرف السلطات الامنية ، حتى يتم تقليص عدد المتحرشين .
اما حليمة الفداوي البالغة 42 سنة، قالت "عندما أكون في الأماكن العامة أتعرض للتحرّش كثيراً، خصوصاً أنني غير محجبة، وفي المجتمع المغربي عندما يرون امرأة غير محجبة يزداد التحرش بها ». وفي السياق نفسه تقول: «أحاول أن أبقى صامتة لأن الكل يتعامل بالألفاظ السيئة حتى لا اتعرض "للشوهة" .
ومن جهتها عبرت امينة موظفة ، أن أي كلمة تقال في حق البنات سواء كانت بالكلمات الجميلة أو القبيحة من قبيل " غزالة ، ضحكة زوينة عندك " هذا كله سببه ملابس البنات الغيرالمحتشم ، فماذا تنتظر من الشباب إذن ، فليجب علينا احترام أنفسنا لكي يحترمنا الآخرون.
فيما ذهبت حفصة وهي طالبة ، تحس بأنها غير مرتاحة، مؤكدة أعاني كثيرا من التحرش خصوصا في الشارع حيث في كل مرة اتعرض لمضايقات ، مما اضطر الى تغيير وجهة طريقي و ابتعد عن المتحرش ، في أيام الاخيرة أصبحت أضع سماعات في الأذن حتى لا اسمع ماذا يقال لي ، مضيفا ان العالم يتحضر و يتطور و شباب المغربي بقي في مكانه.
وأوضحت بسمة عبد المجيد 56 سنة وهي استاذة ، أن «الظاهرة ازدادت نتيجة الضغوط التي يتعرّض لها الشاب المغربي ، منها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، إضافة إلى الانترنت خصوصاً الفيسبوك الذي أفسد الشباب. و للفتيات دور في زيادة التحرش فهناك من يعرضن مفاتنهن للشباب، ليصبحن عرضة للسخرية ، وحتى الإعلام له دور كبير في توجيهنا لاستخدام التكنولوجيا بطريقة صحيحة ».
أما صوفيا ذات 26 سنة ،وهي موظفة عبرت عني نفسها ، حيث قالت لا تعجبني تلك الكلمات مهما كانت جميلة او قبيحة ،حيث اصبح في الاوانة الأخيرة ، عدم احترام الناس لأنفسهم ، حيث يتطفلون في مواضيع سخيفة ، و أقول لهم الله يهديهم .
اما هاجر صاحبة ثلاثين سنة ، فكانت إجابتها محددة بقولها" انا كنسد اذاني بلكيت او ماكنتسوقش لبنادم" وأضافت ان الاشخاص الذن يقومون بتحرش هم فقط المعطلين لي معندهم شغل .
في المقابل فالشباب كان لهم رأي آخر حول التحرش، حيث يرون ان الامر هو بمثابة عادة سرنا عليها ، وأن النساء او الفتيات هم السبب.
و حمَّل عبداللطيف العنبوري، طالب ، النساء السبب وراء تحرش الرجال بهم وذلك بطبيعة ملابسهن القصيرة والمثيرة ، التي تلبسنها حيث تظهر كل مفاتنهن في الشارع وهن يتعمدن الإثارة وإبداء زينتهن بحيث طرح سؤال "ّ هادي اللي خارجة معرية صدرها ومزيرة على مؤخرتها..علاش كتقلب؟ّ مما يسهم مساهمة رئيسة في ازدياد حالات التحرُّش اللفظي بها ، وانهى كلامه بالكلمة "كفى من محاولات حجب الشمس بالغربال " .
تأييد لهذا الرأي ذهب يوسف شكور ، مجاز في الحقوق، في نفس الاتجاه مؤكدا أن السبب الرئيسي الذي يدفعنا الى تحرش بالفتيات ،هي الملابس الغير محتشمة والفاضحة التي يرتدونها ، حيث تستفزونا كشباب للتحرش بهم ، وهنا اقول بأنهم يمارسون تحرش اتجاهنا كذلك.
فيما يرى محمد طالب صحفي 22 سنة ، ان المؤسسات التعليمية لا تلعب دورها التربوي ، فقد كان لهذه المؤسسات دورا رئيسيا بتلقين الأخلاق ،واحترم العادات والتقاليد والقيم والأخلاق الذي يجب التمسك بها والحفاظ عليها.
الرادع القانوني
و ينص القانون الجنائي على أن إثبات جريمة التحرش الجنسي يتم بمختلف وسائل الإثبات الممكنة في الميدان الجنائي. ويعاقب القانون على هذه الجريمة سواء كانت المرأة ضحية أو مشتكى بها ، ويشترط أن يستغل المتحرش سلطته على الضحية لأغراض ذات طبيعة جنسية ، كما تتضمن مدونة الشغل أيضا مقتضيات لتجريم جريمة التحرش في حق المرأة.
وعرف مشروع القانون الجنائي المتحرش الجنسي بأنه "كُل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية ، أو غيرها ، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية ، أو لأغراض جنسية” ، أو كُل من وجه رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية".
ويعاقب القانون على معاقبة كُل مرتكب لهذه الأفعال بالسجن من شهر واحد إلى ستة أشهر ، وغرامة من ألفي إلى 10 آلاف درهم ، وتضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلا في العمل ، أو من الأشخاص المُكلفين بحفظ النظام والأمن في الفضاءات العمومية أو غيرها".
وذهبت المسودة إلى معاقبة بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات، وغرامة من 5000 إلى 50 آلاف درهم ، إما ارتكب التحرش الجنسي من طرف أحد الأصول أو المحارم أو من له ولاية أو سلطة على الضحية، أو مكلفا برعايتها أو كافلا لها، وإذا كان الضحية قاصرا دون الثامنة عشر من عمره.
______________________________________
3 أسئلة لمصطفى الشكدالي: التحرش هذا المرض
ماهي الاسباب وراء تحرش اللفظي؟
الحديث عن التحرش اللفظي ذو الخلفية الجنسية يستدعي العودة إلى نمط التنشئة الاجتماعية الذي يُعطي الحق للذكر لإبراز "فحولته" حتى ولو تعلق الأمر بالخطاب فقط. فالمجتمع بتنشئته الاجتماعية جعل التحرش منطوقا وبالتالي يمكن ملاحظته بينما أعطى للأنثى دور الكتمان والتعبير عن رغباتها بطرق رمزية تخرج عن المنطوق إلى منطق التعبير الجسدي... يجب أن ننظر إلى المسألة في هذه العلاقة التنشئوية.
و هل المتحرش يعتبر مريضا نفسانيا؟
لا يمكن اعتباره مريضا بالمعنى القدحي للكلمة... لكن يمكن القول أن له خلل على مستوى الإدراك نتيجة السيطرة التي تُمارسها عليه عقليته المكتسبة اجتماعيا... هناك ما يُسميه علماء النفس بالعجز المكتسب في فهمه لذاته وللآخر الذي يكون موضوع التحرش.
ما هي الحلول التي من خلالها يمكن الحد من هذه الظاهرة؟
الحل الوحيد يتمثل في إعادة بناء نظم التنشئة الاجتماعية... هذا الحل يتطلب مقاربة تنطلق من مشروع مجتمعي تكون غايته الاحترام المتبادل بين الجنسين.
مصطفى الشكدالي المختص في علم النفس الاجتماعي.